عندما هندي يقول للهندي أنت هندي !
بقلم مهدي قاسم
قد يكون المجتمع العراقي من مجتمعات قليلة في العالم الذي تجري في عروق نسيجه الاجتماعي دماء عشرات قوميات و أعراق وملل ونحل ، يتضح ذلك من خلال تنافر واختلاف شديد في ملامح وسحنات العراقيين ، وكأن كل واحد منهم سليل قوم غريب قدم إلى العراق من أطراف أخرى من العالم ، والسبب في ذلك يرجع ـ على الأرجح ــ لكون العراق كان معروفا ببلاد ما بين النهرين ، أي بلاد ما بين مصدر خيرين ، إذ أينما يوجد النهر والنبع وتاليا الماء فيوجد تلقائيا وفرة النماء والخير والبركة ، وكان من البديهي أن يكون العراق محطة هجرة الأقوام عديدة في العالم سواء كهجرة سلمية أو على شكل غزوات و أن كانت هذه الأخيرة هي التي كانت سائدة ومتكررة في الغالب الأعم ..
من ناحية أخرى ، و على الصعيد نفسه ، ظهرت بين العراقيين و ترسخت نكتة ” الهندي ” التي بدت للوهلة وكأنها طُرحت بدافع الطرافة والدعابة فحسب ، ولكنها كانت في الوقت نفسه ذات حمولات استهزاء واستخفاف و سخرية تجّسد انطباع البلادة والغباء المأخوذ تعسفا و اعتباطا عن ” الهندي” ، من قبيل النكتة التالية :
ــ قابل أني هندي !..
حتى ” تطورت ” هذه النكتة وتوجّت على نحو : قيل أن الرئيس العراقي السابق عبد السلام عارف قد زار الهند ذات مرة ، فشكا له الرئيس الهندي من هذه النكتة الساخرة المتداولة بين العراقيين عن الهنود ، فوعد عبد السلام عارف باتخاذ إجراءات بمنع تداولها في العراق وقبل العودة طلب منه الرئيس الهندي أن لا ينسى الأمر فرد عبد السلام عارف :
ــ قابل أني هندي حتى أنسى !..
أما الآن فيفاجئنا بعض الضالعين في علوم الجينات والطفرة الوراثية ” *بأن أصل صدام كان هنديا ” * ..
ثم يبررون ذلك لكون صدام كان ديكتاتورا طاغيا و مفجرا للحروب والخ الخ من قوائم صدام الإجرامية الطويلة ..
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بشكل مشروع و محق :
ــ لماذا يجب أن يكون أصل صدام ــ بصفته ديكتاتورا طاغيا ــ من أصل هندي تحديدا وليس هنديا أحمر أو من قبيلة أكسيمو مثلا ؟ و هل كل ديكتاتور ( لنقل مثل كاليغولا ونيرون أو هتلر و ستالين و بول بوت وموسوليني سوموزا و عائلة الأسد الحاكمة في سوريا و الدكتور التشيلي السابق أوغستو بينوشيه ــ مثلا وليس حصرا ) فهل هؤلاء كانوا من أصول هندية ؟..
ومن ثم أليست الهند تعد الآن أكثر تطورا وتقدما من العراق على كل صعيد وناحية ، بدليل أنها متقدمة في صناعة التقنيات المعلوماتية ، إلى جانب امتلاكها قنبلة نووية ، واقتصادها قوي ، ولها هيبة واعتبار دوليين ، هذا دون أن نذكر نظامها الصحي الراقي والمتقدم ، بدليل إن ثمة عشرات من العراقيين يسافرون سنويا إلى الهند بهدف العلاج الناجع من أمراضهم الخطيرة والمستعصية ، و ذلك كرد فعل على مظاهر الإهمال و رداءة العلاج في المستشفيات العراقية و التي يغادرها عديد من المرضى متوفين بعدما دخلوها بأمل الحصول على علاج نافع وشاف و حياة أطول !..؟
وبالمناسبة نحن نعتقد إن قيمة أو أهمية الإنسان ( أيا كانت جيناته الوراثية أو انتمائه العرقي ) لا تكمن في كونه من أين جاء ، إنما مَن سيكون ، أي فيما إذا كان نافعا ــ بفكره أو بعمله ــ لأهل بلده وكذلك للبشرية جمعاء أم لا ؟ .
هذا .. إضافة إلى أنه لو جرت عملية إجراء فحص ( DNA) ل مجموعات و فئات عراقية فربما سيتضح أنه هناك ملايين من العراقيين الذين ينحدرون من أصول الهند و الفرس و السند بالفعل !..
ومن ثم ماذا ؟ ..
ويا رايت لو إن بعضا من العراقيين يكونون مخلصين لبلدهم العراقي و يخدمون مصالحه ، بنفس المستوى من إخلاص الإيراني أو الهندي لوطنه ..
*هامش ذات صلة : (
إيرث نيوز / دعا النائب عن كتلة العصائب حسن سالم، اليوم الأحد، رغد صدام حسين إلى مراجعة السفارة الهندية لـ”إكمال إجراءات النقل”.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط