مؤتمر طريق التنمية العراقي: مفهوم التنمية في القرآن الكريم (ح 8)

الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قال تعالى: “كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا” (الاسراء 20)، وهذه الآية تفيد أن شأنه تعالى هو الإمداد بالعطاء يمد كل من يحتاج إلى إمداده في طريق حياته ووجوده، ويعطيه ما يستحقه، وأن عطائه غير محظور ولا ممنوع من قبله تعالى إلا أن يمتنع ممتنع بسوء حظ نفسه، من قبل نفسه لا من قبله تعالى. وأما أن الصنع والايجاد يسوق كل موجود إلى كماله اللائق به فأمر جار في كل موجود بحسب التجربة والبحث، وكذا كون الخلقة والتكوين إذا اقتضى أثرا لم يقتض خلافه بعينه أمر مسلم تثبته التجربة والبحث، وأما أن التعليم والتربية الدينيين الصادرين من مصدر النبوة والوحي يقدران على دفع هذا الاختلاف والفساد فأمر يصدقه البحث والتجربة معا : أما البحث: فلان الدين يدعو إلى حقائق المعارف وفواضل الأخلاق ومحاسن الأفعال فصلاح العالم الإنساني مفروض فيه ، وأما التجربة: فالاسلام أثبت ذلك في اليسير من الزمان الذي كان الحاكم فيه على الاجتماع بين المسلمين هو الدين، وأثبت ذلك بتربية أفراد من الانسان صلحت نفوسهم، وأصلحوا نفوس غيرهم من الناس، على أن جهات الكمال والعروق النابضة في هيكل الاجتماع المدني اليوم التي تضمن حياة الحضارة والرقي مرهونة التقدم الاسلامي وسريانه في العالم الدنيوي على ما يعطيه التجزئة والتحليل من غير شك.

تكملة للحلقات السابقة جاء في موقع الألفية عن التنمية البشرية في ضوء مقاصد القرآن الكريم للدكتور أحمد محمود الزبود: الوحيد لسلامة البشر وهدايتهم. العمل: تضع التنمية البشرية نصب اهتمامها تأمين الحاجات الإنسانية، والتي لا يمكن تأمين بعضها إلا من خلال الجانب الاقتصادي، وأساس هذا الجانب هو العمل، من هنا فقد كانت الخطوة التالية للمؤاخاة شروع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بناء المسجد، باعتباره مركز الدين والدولة، وقد ساهم جميع المسلمين ببنائه بمن فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك للتأكيد على أهمية العمل للمسلم. وقد عد بعض الفقهاء سعي المسلم لكسب عيشه ليعول نفسه وأسرته فرض عين (شابرا، 1990). ونشير لقوله تعالى “واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون الجبال بيوتاً فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين” (الأعراف 129) وقوله تعالى “فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره” (الزلزلة :7-8)، فجميع هذه الآيات تحثُّ على العمل وتدعو لإعمار الأرض. إضافة إلى ذلك فقد حدد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مكان السوق في المدينة، حتى تمارس الأعمال التجارية بشكل منظم ووفق قواعد ومناهج الشريعة السمحاء. فكان تحريم الربا والاحتكار والغش والبيوع المنهي عنها تحصينا للأعمال التجارية وتقوية لأسس الاقتصاد وتيسير شروط التبادل(السبهاني، 2005 ص271.). تحريم الربا: لعل هذا الجانب التطبيقي يبدو للوهلة الأولى بعيداً بعض الشيء عن مفهوم التنمية البشرية، لكننا إن أمعنا النظر بالأبعاد الاقتصادية لتحريم الربا فإننا نجد أن الدول التي غرقت بالديون، قد أصابها العجز المالي وتراجع اقتصادها ووصلت قيمة عملتها للحضيض، وتفشت البطالة بين شبابها وعجزت جميع خطط الإصلاح المالي لإعادة الحياة لاقتصادها. إن تفشي الربا سبب تراجع التنمية البشرية بشكل صارخ، ولعل أكبر دليل على ذلك، أن الدول ذات المديونية العالية تحتل المراكز الأخيرة في سلم التنمية البشرية، مثل السودان واليمن ومالي (HDR). من هنا فقد كان تحريم الربا لمنع الإنسان استغلال أخيه الإنسان، وعدم السماح بالاغتناء بسبب ضيقة المحتاجين، كذلك أُريد من التحريم (جعل الملكية الفردية تنمو نمواً طبيعياً لا استغلال فيه ولا احتكار ولا إضرار، في حين أن نمو الملكية عن طريق تلك الوسائل المنحرفة يفرغ التنمية من أي مضمون حقيقي) (الشكيري، 1988)، إن تحصين مجتمع المدينة ضد الربا كان ضرورياً، فالاقتصاد الإسلامي قائم على استبعاد الربا من جميع التعاملات، قال تعالى “وأحل الله البيع وحرم الربا” (البقرة 275)، فالربا سبب لهدم الاقتصاد، وبالتالي فقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم أسس الاقتصاد في المدينة المنورة كأساس للدولة الإسلامية التي ستمتد لأحقاً إلى حدود شاسعة اعتماداً على منهج القرآن. إن تحريم الربا نعمة للإنسانية بعد أن وصل طغيان المرابين في عصر ما قبل الإسلام حد التحكم بمصائر الناس وبيع بيوتهم وأبنائهم للوفاء بديونهم. الحرص على المنافع العامة: حرص الإسلام على ترسيخ مبادئ الملكية العامة والخاصة فهي أصل بالشريعة الإسلامية وليس استثناء، حيث كانت الملكية الخاصة محترمة ومصونة (أبو عبيد، 1986 ص 306). كذلك الأمر بالنسبة للملكية العامة التي يشترك الناس جميعاً بمنافعها دون استثناء، قال صلى الله عليه وسلم (الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار) (السبهاني، 2001 ص 434). وقد أعاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرضاً بمأرب أقطعها لأبيض بن حمال الماربيّ لاستخراج الملح بعد أن علم أنها ليست بأرض موات. كذلك ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بأرض النقيع بالمدينة المنورة، عندما جعلها حمى للمسلمين لخيلهم. إن سلم المنافع العامة في الدولة الإسلامية (أصلاً ظاهراً، فالدولة تتحمل واجبها في تأمين الخدمات والسلع العامة، حتى أن سيدنا عمر رضي الله عنه كان يقول إنه يخاف إن يسأل عن دابة وقعت في أرض العراق لأن حكومته في المدينة المنورة لم تقم بواجبها بتسوية الطريق لها) (السبهاني، 2005 ص 480)، فأي دولة يخاف رئيسها من عاقبة إن تتعثر دابة بسبب سوء الطريق! وليس الدواب تتعثر فقط، بل أن الناس تقتل وترمى في الشوارع أيام وأسابيع دون اكتراث عجباً منا نحن المسلمين، هجرنا كتاب الله وسنة نبيه وركضنا حفاة عراة خلف حضارة غربية زائفة لا تسمن ولا تغنى من جوع، وتركنا خلفنا تراث حضاري ضخم مستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية، فتهنا وتراجعنا وفقدنا طريقنا نحو التقدم والرقي بأتباع نمط حياة مستوردة غريبة عنا.

جاء في موقع الحرة: قال المدير العام للشركة العامة لموانئ العراق، فرحان الفرطوسي، لوكالة رويترز: “لا تتصور أن طريق التنمية هو عبارة عن طريق فقط لمرور البضائع أو المسافرين، لا، هذا الطريق سوف يكون فتحة لأبواب التنمية بمساحات شاسعة في العراق”. ويعود نقل الركاب بين العراق وأوروبا إلى خطط كبرى وضعت في بداية القرن العشرين لتدشين خط سريع من بغداد إلى برلين. وقال الفرطوسي إن “الطريق القديم، البصرة-بغداد-برلين، الذي كان ينقل السائح العراقي من البصرة ومن بغداد بالعراق باتجاه أوروبا، هذا الطريق سوف نجده من جديد فعالا، لا بأس أنه يربط دولا أخرى لنقل المسافرين ونقل الحجيج من أوروبا بسرعة كبيرة جدا، ليكون مريحا للمسافرين الذين يحبون زيارة العتبات المقدسة في العراق أو التوجه نحو بيت الله لأداء الحج أو العمرة”. وأكد أنه إذا بدأ العمل، في أوائل العام المقبل، في مشروع “طريق التنمية”، فسيتم الانتهاء منه، في عام 2029. مشاريع عالمية للنقل: وثمة مشاريع عالمية أخرى تضع في صلب أهدافها التحول شريانا أساسيا في النقل العالمي، مثل “طريق الحرير الجديد”، الذي أعلنه في عام 2013، الرئيس الصيني، شي جين بينغ. وسمي هذا المشروع رسميا مشروع “الحزام والطريق” ويضم 130 دولة، ويهدف إلى تطوير البنى التحتية البرية والبحرية من أجل تحقيق ربط أفضل بين الصين وأوروبا وإفريقيا. كما وقعت موسكو وطهران، منتصف مايو، اتفاقا لتشييد خط للسكك الحديدية، والذي سيكون جزءا من “ممر نقل دولي” يربط بين الشمال والجنوب، والذي يُنظر إليه كمعبر للتجارة العالمية. وسيصل خط السكك الحديدية الجديدة بين مدينتي رشت وأستارا الإيرانيتين، وهو جزء مهم في الممر الدولي الذي يهدف للربط بين الهند وإيران وروسيا وأذربيجان ودول أخرى عن طريق السكك الحديدية والبحر.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here