صراع الإيمان والإلحاد

كامل سلمان

صراع الإيمان والإلحاد صراع أزلي ، الإلحاد كفكر ظهر كردة فعل على الإيمان كفكر منذ أزمنة بعيدة ، لكنه مر بمراحل زمنية اضطهد فيه أصحاب الإيمان والدين الملحدين ، أنا أتحدث بهذه الصراحة والوضوح رغم أني مؤمن بالله وبالدين لكن فهمي واستيعابي للواقع جاء بما أراه واضحاً أمامي ، أصحاب الإيمان دائماً يلتجأون الى أساليب قذرة للتقليل من شأن الناس الملحدين منها العنف المفرط ، ومنها أعتبارهم نجس وكذلك التشكيك بطهارة مولدهم إضافة الى نبذهم ومحاربتهم أينما كانوا ، في الوقت الذي نجد فيه أصحاب الإلحاد في الأماكن التي تحت سلطتهم وهيمنتهم يعاملون المؤمن كإنسان محترم ويعتبرون ثقافته الإيمانية شيء شخصي فلا يوبخونه على عقيدته . هذه المقارنة تجعل المراقب سواء أكان مؤمناً أو غير مؤمن تجعله في تحليل الأمر على أن الملحد إنما صار ملحداً عن وعي وعن ثقة والمؤمن ( غالبيتهم ) إنما صار مؤمناً عن تقليد موروث وبدون وعي ، لذلك نرى الغالبية العظمى من المثقفين والكتاب والكوادر العلمية والأدباء الرائعين وأصحاب الفكر المميزين هم من الملحدين وهم السر وراء تطور عجلة الحياة ، بينما في الجانب الأخر تجد في أية بقعة من الكرة الأرضية عمل المؤمنين مقرون بالفساد الذي هم يحاربونه في تعاليمهم الدينية ، مقرون بالشهوات التي هم يحاربونها في تعاليمهم الدينية ، مقرون بالدماء التي هم يحاربونها في تعاليمهم الدينية ، فلا أعلم مالسر وراء ذلك ( جميع المحرمات في تعاليمهم الدينية يتلذذون في ممارستها في الخفاء والعلن ) . أنا أستغرب تمام الاستغراب من سؤء سلوكيات أصحاب الإيمان عكس تعاليمهم الدينية في الوقت الذي نجد فيه أصحاب الإلحاد تشمئز نفوسهم من السلوك المنحرف ، تصوروا أن أحد دعاة الفكر الديني عندما ذهب الى أحدى الدول الأوربية في مطلع القرن الماضي يقول
وجدت عندهم الاسلام ( ويقصد تطبيق تعاليم الدين الاسلامي ) ولم أجد المسلمين ، ويقول عندنا أي في واقع مجتمعنا نجد المسلمين ولا نجد الاسلام . هذا الطرح تافه الى أبعد حد ، ويدل عن غباء وقصور ذهني ، لأنه كان المفروض ان يقول وجدت عندهم النضوج العقلي والاخلاقي والإنساني بسبب صواب منهجيتهم ، ولم أجد في مجتمعاتنا النضوج العقلي والأخلاقي والإنساني بسبب عفونة منهجيتنا . مناهج التربية في البيت وفي الشارع وفي المدرسة هي التي تربي عقلية واخلاقية وإنسانية الإنسان وليس الدين ، العوائل الدينية التي راهنت فقط على الدين دون مناهج تربوية صحيحة كانت ضحية للإنحراف .
لقد حاولوا إقناعنا بشتى السبل بأن الدين كفيل لوحده في بناء الإنسان الصحيح ولم يستطيعون الإجابة عن سبب إنحراف معظم المتدينين ، اليوم كلنا نرى بأم أعيننا المتدينين المحتسبين للأجر والثواب والمجاهدين في سبيل الله هم يتحكمون بالبلد ، وهل هناك من أحد لم يشم عفونة سلوكياتهم وفسادهم وشذوذهم وكذلك عوائلهم . من يريد القول أن تدينهم مزيف ، فأنا أقول كلا إنما تدينهم صادق وحقيقي ، وهذه تجربة متكررة في ديننا منذ مئات السنين تجد الفساد يندمج مع حياة المتدين وخاصة عند الذين ينالون السلطة وكذلك الحال عند الديانات الأخرى ، كم من رجل دين أغتصب الأطفال في بعض المجتمعات ؟ وكلامي هذا لا يعني إن الإلحاد يجعل الإنسان في منأى عن الإنحراف والشذوذ ، المشكلة أننا ما زلنا نعتقد بأن الدين أو المعتقد ( أي كان ) هو من يحدد سلوكيات الناس وهذا فهم خاطىء ، كلنا نعرف الشيوعية كمعتقد تمثل الكمال الإنساني والأخلاقي لكنها فشلت في بناء مجتمع ناجح وصحيح ، هذا يؤكد كلامنا بأن الدين أو المعتقد ليست ضمانة للأخلاق والسلوك إنما الضمانة هي مناهج التربية ، الملحدون يدركون تماماً معنى هذا الكلام ولكن للأسف تجد المؤمنون يتكبرون على هذا الكلام ورغم رائحة افعال معظم المؤمنين الأخلاقية التي تزكم الأنوف ما زالوا يعتقدون العكس ومازالوا يراهنون على الخطأ .. أنا أجد في الدين أو المعتقد هو بناء للإنسان المثالي في الأذهان ، وهذا البناء يسد الحاجة النفسية التي يحتاجها كل إنسان ، لكن هذا البناء لا يمكن أن ينزل الى واقع الحياة تلقاء نفسه الا بوجود مناهج التعليم والتربية التي تختلف قلباً وقالباً عن التمنيات ، فعالم بناء المناهج هو عالم قائم بذاته تبنيه التجارب العلمية والخبرات والممارسات وليست التعاليم الشفوية . مجتمعنا يريد بناء الإنسان الصالح النافع بالتعاليم والنصيحة ، لذلك تجد معممينا والوعاظ على مدار الساعة يتكلمون وينصحون وخطاباتهم الرنانة لا تفارق مسامعنا ولكن على ارض الواقع هم المفسدون الضالون لأنهم لا يستطيعون أدراك معنى البناء العقلي والأخلاقي للإنسان . . أن عملية نقل هذه التصورات لعقول الناس عامة والمتدينين خاصة تواجه صعوبات كبيرة لأن مثل هذا الكلام سيغير المعادلات الاجتماعية من الأساس .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here