سينما “أبو القنبلة الذرية”

مهند سري

تعود بي السينما الى أيام السبعينات، حين كانت الأمانة رقم 4 وسيلتنا الى شارع السينمات، فنتنقل بين “بابل” و”النصر” و”اطلس” و”سميرأميس” و”النجوم” و”الخيام”، فيما افرد لسينما الأعظمية يوماً خاصاً اشاهد فيها ” أنا يتيم”، و” الأيتام” وسلسلة الأفلام الهندية التي تجمع بين الرقص والدخان الملون والحزن والمفاجآت الغريبة والعجيبة.
كانت السينما الليلية مخصوصة بالعائلة العراقية، موزعة بين الأفلام الجادة، والكوميدية السوداء او الهادفة.
منذ أيام واولادي يطلبون مني مرافقتهم الى السينما وفض الحظر الذي فرضته على نفسي، مستعملين بعض ادوات التشويق لقبول العرض، حتى نزلت عند رغبتهم بعد أن شعرت بالحماس لأطري شيباتي واتلمس حركة الماضي، ولاسيما أن الفيلم الذي رشحوه لي يستحق المشاهدة، وكانت خطوات انهاء القطيعة تأخذ مسارها نحو سينما مول زيونة، وانا طوال الطريق أحدثهم عن الأمانة التي كانت تقلنا في عام 71 اسمها ” الايكاروس”، فيما يقلنا في 2023 “التكتك”، والزمان شقلبان.
دخلنا السينما وانا في حالة إنشداد الى الماضي، ولاسيما ان الفيلم المختار يتحدث عن حقبة سابقة، تمثلها شخصية لم يزل أثرها السلبي باقياً بيننا، أنه بالمختصر ” أبو القنبلة الذرية”.
تناول الفيلم حياة “أوبنهايمر” صانع سلاح نهاية البشرية، ويوثق حياته، الذي عبر عن ندمه عام 1965، ملخصاً حياته وإرثه العلمي في جملة مأساوية من نص هندوسي : أنا الموت… مدمر العوالم.
الفيلم للكاتب والمخرج كريستوفر نولان، ومدته ثلاث ساعات وتسع ثوان، يلعب سيليان مورفي دور غوليوس روبرت أوبنهايمر، الفيزيائي النظري المعروف على نطاق واسع بإسم “أبو القنبلة الذرية”، والذي لخص أعمال حياته في فيلم وثائقي من إنتاج شبكة “إن بي سي نيوز” عام 1965 من خلال سرد سطر من نص هندوسي من كتاب “باهاغافاد غيتا”، واصفاً مأساوية ما قام به من أعمال يقول: “الآن أصبحت أنا الموت… مدمر العوالم”، حيث أدرك وزملاؤه في مشروع “القنبلة الذرية” أن العالم لن يكون كما كان بعدئذ، مشيراً إلى أن بعضهم ضحك وبعضهم الآخر بكى، فيما التزم باقي المشاركين في المشروع الصمت.
وعن حادثة قصف اليابان بالقنبلتين الذريتين، تمتلك البشرية تسجيلاً نادراً من وثائقي يعود الى العام 1965 بشأن أوبنهايمر.
وفي هذا الوثائقي، تحدث أوبنهايمرعن القنبلة الذرية قائلاً: “الآن أصبحت أنا الموت، ومحطم العوالم”.
وقد اقتبس أوبنهايمر هذه الكلمات من كتاب البهاغافاد غيتا الهندوسي، ففي حوار بهذا الكتاب، خاطب الإله الهندوسي فيشنو (Vishnu) الأمير محاولاً إقناعه بضرورة إنجاز مهماته، ولإبهاره، أخذ فيشنو شكله متعدد الأيادي قائلاً: “الآن أصبحت أنا الموت، ومحطم العوالم”.
إلى ذلك، اعتمد أوبنهايمر هذه الكلمات بسبب قراءته للعديد من النصوص الهندوسية وإعجابه بها.
اكملت الفيلم، وأنا حانق على بطله، فالندم برأيي لايجدي بعد أن تحولت الفكرة الى واقع، والقنبلة الذرية تفرخت وتطورت، واصبحت خطراً يهدد الإنسانية الضعيفة الخاضعة لسطوة القوة.
خرجت من السينما مشوش الأفكار، تعتريني بعض الكآبة، كون هذا السلاح المحرم دولياً صار حلماً لكثير من الدول، ويلوح به بين حين وآخرفي الصراعات الدولية، فيما تذكرت الهوسة العراقية في ثورة العشرين ” بلشها ونام بسردابه”، واسقطتها على بطل فيلمنا.
ادعوكم لمشاهدة ممتعة للفيلم، فهو قمة في الإخراج والسيناريو والتمثيل، ولكل واحد منا رؤيته.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here