الاستعمار ومنع محاولات التسلط على الرقاب

أ.د عبودي جواد حسن
برفسور سابق في الترجمة الإعلامية

اردات الدول الاستعمارية سيئة الصيت ان تبقي روابط الاتصال بينها وبين دول العالم الثالث التي استعمرتها وتترك بصمتها من خلال ادامة الروابط بينهما بتأسيس مجموعة من الانظمة السياسي والاقتصادية والاجتماعية بانواعها المختلفة اي انها اردات من هذه الدول النامية ان تسير على منوالها وتمنعها من ان تؤسس دولة تنتهج في منظومتها مسلكا اصيلا وغير مقلد وتعزز ارتباط دول العالم الثالث بها وتجعلها تدور في فلكها وتتخلف عن ركب التطور والتقدم .
لذا اصطنعت هذه الدول الاستعمارية الكبرى خلال القرن العشرين أنظمة ملكية دستورية صورية (Fake Constitutional Monarchies) في مستعمراتها على غرار ما هو موجود في اوروبا منذ قرون. يكون فيها الملك او الملكة شخص من علية القوم ومن أنصارها في القمة- وتكون السلطة التنفيذية في يد رئيس وزراء من حزب فائز في اخر انتخابات ترتبها هي فيما تكون السلطة التشريعية بيد برلمان مكون في الغالب من مجلس واحد أعضاء ه اكثريتهم من الحزب الفائز (Unicameral) ويسمى بمجلس العموم. أما السلطة القضائية فتكون بيد المحكمة العليا (Supreme Court) ويرأسها أحد كبار القضاة المعروفين لدى المستعمر. هذا ما حاولت الدول الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا عمله بعد رحيل المستعمر وتحقيق أهدافه من مستعمراته وسلب ثرواته وحتى اثاره. وهذا بالفعل ما حصل في البلاد العربية.
والجدير بالذكر لابد من التطرق الى طبيعة الاحزاب آنذاك ومقارنتها بأحزاب الأنظمة العسكريتارية (Juntas) اللاحقة ذات الصبغة القومية او الاشتراكية او الدينية التي كانت تعمل بمبدأ من كان ضدي فهو عدوي (Enemy Not My Opponent But My ). اما طبيعة الأحزاب التي جاءت اثناء او بعد رحيل المستعمر مباشرة فكانت أحزاب بدائية قليلة المعرفة بالسياسة عشائرية التوجه ولا تفرق بين الفساد والنزاهة وكانت بشكل عام اما أحزاب ذات طبيعة محافظة (Conservative) سليقا او اسميا أي همهما الأول المحافظة على الأعراف والتقاليد وخاصة العشائرية منها وتحي المناسبات الدينية العامة أي أحزاب ترضي عموما أبناء شعبها اما النوع الثاني منها فهي أحزاب تدعي بالليبرالية ( Liberal) معتدلة المواقف يقودها متعلمون ن او انصاف متعلمين تسعى الى التغيير كما هناك أحزاب وسطية معتدلة الى حد ما (Social Democrat) متقاربة المواقف مع الأحزاب الليبرالية. كما ظهرت في آونة متأخرة أحزاب اشتراكية (Labor )معتدلة مناصرة للعمال والنقابات ولها ارتباطات من نوعا ما بالاتحا] السوفياتي سابقا.
اما الانتماء الى هذه الأحزاب فكان كما هو معروف يتخذ طابع عشائري مع الاحترام للطقوس والشعائر الدينية والأعراف العشائرية وغالبا ما تنشط هذه الأحزاب في مواسم الانتخابات والمناسبات الدينية والوطنية وكانت تختلف ولا تتصارع وتكن احتراما لكبارها وقادتها وتدافع عن مبادئ الاصالة والتفاخر والانتماء للوطن والدين والقبيلة وعادة يكون الانتماء شرطا لتحقيق مصالح شخصية بحتة كما هو الحال مع أحزاب الانقلابات ما بعد رحيل المستعمر . ويكون الاقصاء لمن لم يعلن الولاء كما هو الحال مع بعض الأحزاب القومية والاشتراكية والدينية التي جاءت في انقلابات ما بعد الرحيل. حيث أطاحت هذه الانقلابات ببعض الأنظمة الملكية الدستورية التي شهدت ويشهد ما تبقى منها استقرارا نوعيا .
ولا بد لنا هنا من الاشارة الى مرحلة الابتلاء بأحزاب سلطة العسكر وأحزاب الولاء الأجنبي الذي حلت بنا بعد رحيل المستعمر بعد تغيير الأنظمة قسريا او بصبغة دولية ومجيء العسكر والمعممين والاميين وانصاف المثقفين واحزابهم القومية والدينية المتعصبة والمتطرفة نتيجة الانقلابات العسكرية (Military Coups) والاحتلالات الأجنبية. هذه الأحزاب تختلف تماما عن أحزاب الماضي في صراعها على السلطة والبقاء فيها باي ثمن. حيث ان أحزاب ما بعد الانقلابات اجادت صناعة الأعداء (Making Enemies) داخليا وخارجيا لتخدير الشعوب كما اجادت نكث العهود و الوعود (Broken Promises) وخاصة وعود الاتيان بالبدائل الديمقراطية المنشودة وترك السلطة للمدنيين بعد اجراء انتخابات عامة.
الى ان حل بنا ما حل بنا كشعوب عالم ثالث كما يقولون من حروب واحتلالات وتهجير وتقسيم وإرهاب وجعلنا عرضة لحروب من نوع اخر استخدمت فيها أسلحة شتى غير ما هو مألوف من الأسلحة كالمثلية والاباحية والالحاد والتحول الجنسي (Gender Transform) وزنى المحارم وتبادل الزوجات حيث أعطيت لهذه النشاطات و الممارسات ولمرتكبها عناوين براقة كحقوق الانسان وحرية التعبير والقتل الرحيم (Mercy Killing) وتأجير الارحام (Womb Renting) والقائمة تطول لتشمل حروب واحتلالات من اجل للعودة للماضي والاستعباد طرائق ابتدعها دول الاستعمار للعودة غير المباشرة.
وخلاصة ما قيل لا يمثل حنين الى الماضي (Nostalgia) ولا ثناء ولا شكر للدول الاستعمارية السيئة الصيت (notorious or infamous ) ولكن دعوة الى النزاهة والاصالة في ممارسة العمل السياسي ومحاربة شذاذ الآفاق ومنع كل ما هو ضار وغريب على عالمنا وتشكيل أنظمة سياسية اصيلة (Home made) وليست مدجنة والابتعاد عن العمل السياسي بالإنابة لرد فضائل سابقة وعدم التخلي عن القضايا المركزية المصيرية كالقضية الفلسطينية. وعدم التخلي والتنازل عن القضايا الوطنية والابتعاد عن صناعة الأعداء والتزام الودية الصادقة في وقتها المناسب ومكانها المناسب. وليس على حساب مصالح وامتيازات معينة. ما يعوزنا -اعزائي الان عقل او عقول سياسية اصيلة ومتمرسة وحكيمة تقود سفينة الوطن الى شاطئ الأمان.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here