صراع مع الافاعي

كامل سلمان

في دول العالم الثالث والرابع والعاشر ، أقصد الدول النامية النائمة ، المكبسلة ، الدول التي دساتيرها فيها إستثناءات للحاكم وعائلته واتباعه من الملاحقة القانونية وفيها استثناءات للوعاظ والحاشية والجلادين ، فيها استثناءات لرجال الدين وشيوخ العشائر وقادة العصابات والمافيات ، الدول التي يحصل فيها الخادم عند المسؤول أو جاره على جواز سفر دبلوماسي وحصانة قانونية . في هذه الدول فأن المواطن العادي والمواطن المحروم واصحاب الثقافة والعلم ، يعانون من صراع مستمر مع افاعي السلطة فهو صراع مزمن لم ولن ينتهي ولم يحسم ، فالقوة بيد طرف والحق مع الطرف الاخر ، فلا القوي يتنازل ولا صاحب الحق يموت ، فإذا مات صاحب الحق يأتي من بعده من يطالب بالحق ، يأتي البديل ليواصل الصراع ويعيد الامور كما كانت ، وإذا سقطت السلطة ستأتي افاعي نوعية أخرى لتحل محل من سبقتها لتأخذ نفس الدور وتعمل بنفس السيناريو ، هو صراع ازلي ولكنه يشتد قوة مع الافاعي التي تتعملق وتتحول الى ديناصورات لا ترحم ، الكل يعرف بأن للديناصورات وجبات غذائية دسمة تصل الى مائة ضعف قياساً بالافاعي والعرابيد ، ولا سبيل لتوفير هذه الوجبات الغذائية الا بدرجة فساد عالية المستوى وطغيان مفرط تصل الى حاجز المليار ( دولار وليس دينار ) وهذا الحاجز يزيد من سرعة الديناصور الى الغنائم بنفس سرعة فوق الفرط صوتي بقليل .
مسكين هذا المثقف لطالما يتمنى لو أنه لم يكن سوى مغفل ساذج ليتخلص من هذا الحمل الثقيل الذي أنقض ظهره ، يتخلص من تلك القدرة على رؤية الأشياء بحقيقتها هذه الملكة التي وهبها الله له وابتلاه به ، ويقول ياليتني كنت تراباً وهو لا يزال ينعم بالحياة ، لأن حقه ضائع وفوق ذلك فأن الموت والعذاب يلاحقانه حتى في الأخرة حسب قوانين السماء ، فقد خالف بوعيه قوانين السلطة وقوانين السماء لأنهما أكثر الأحيان متلازمتان في التطبيق فيتعذب بالدنيا وينتظره العذاب في السماء ، ذنبه أنه مثقف لا يرضى بالباطل ولا ينصاع للخزعبلات والترهات ولا يستطيع السكوت وهو يرى الحق يذبح والباطل يمرح . . الوعي مشكلة ، مشكلة كبيرة دائماً ترمي بصاحبها الى المهالك ، ليس لأن الواعي أو المثقف ضعيف التدبير ، ولكن امام المواقف الصعبة يجد نفسه وحيداً بلا ناصر ، فقد كان ظنه أن الناس مثله تدرك الحقائق بنفس المستوى الذي هو ادركها فوقع في الحسابات الخاطئة وسقط في الكمائن ثم دفع ثمن هذا السقوط .
الواعي أو المثقف هو الوحيد الذي يخرج خاسراً حتى وأن كسب المعركة لأنه لا يبحث عن نفسه بل يبحث عن حاجة وخدمة الناس ،، أرجو أن لا يظن أحدنا بأن لدغات الافاعي سهلة ، يمكن تحملها ، فأن وجعها تدخل الى اعماق النفس قبل ان تدخل اعماق الجسد ، الفاسدون لدغاتهم مسمومة ومؤذية ويعرفون متى واين يلدغون . فمهما استطاع هؤلاء النخبة الخيرة من كسب المواقف والمعارك ومهما كانت النتيجة من صراع اصحاب الوعي مع الافاعي فأن لدغات وسموم الافاعي تبقى سارية في اجسادهم يعانون منها ماداموا احياء .
انما تم تشبيه الفاسدون في السلطة بالافاعي ، لأن الافعى تلدغ كل جسم يقترب منها ، فبالنسبة لها الكل اعداء ، والافعى الكائن الوحيد التي ليس لها اصدقاء حتى الافاعي التي تختلف عن شكلها فهي اعداء لها ، هكذا هم عشاق السلطة .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here