يوم التراث الفلسطيني

أسامة خليفة
باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

تم تخصيص يوم السابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر من كل عام يوماً للتراث الفلسطيني، للانتباه إلى إجراءات الاحتلال، واتخاذ ما يلزم تجاه ما تقوم به اسرائيل من عملية تهويد ممنهجة تهدف إلى طمس الهوية الوطنية الفلسطينية، بسرقة عناصر التراث وإنكار حقيقة وجود شعب متأصل الجذور على هذا الأرض.

يعدّ التراث الفلسطيني من المرتكزات الأساسية للهوية الفلسطينية، كل مكون من مكوناته سواء منه تراثنا المادي أم غير المادي، يشير بوضوح إلى خصوصيتنا كشعب عريق، أنتج حضارته وما زال منذ بنى أجدادنا الكنعانيون مدنهم وقراهم على هذه الأرض، وما يجري الآن من صراع هو هجمة صهيونية شاملة على الأرض والشعب والتاريخ، مما يعني أن الحفاظ على تراثنا يعني المحافظة على وجودنا واستمراريتنا وبقائنا كشعب يملك زمام أمره على أرضه.

يسهم الحرص على التراث الفلسطيني وإحيائه إسهاماً هاماً في تعميق الشعور بالانتماء للوطن وللتاريخ المشترك المتمثل بوحدة العادات والتقاليد والفنون والحكايات والأزياء الشعبية، التي تناقلتها الأجيال، جيلا بعد جيل.

يمتلك التراث الشعبي الفلسطيني ثروة ضخمة من الأدب والقيم والعادات والتقاليد والمعارف الشعبية والثقافية والفنون التشكيلية والطقوس الدينية، والحكايات، والأمثال، والأحاجي والألغاز، والألعاب الشعبية، والأكلات، والملابس، والدبكة، والأغاني، والموسيقى الشعبية، إضافة إلى الفن المعماري الفلسطيني.

التراث الفلسطيني غني جداً ومتنوع، نظراً لتنوع البيئات المحلية الريفية والبدوية والحضرية، وتعدد العصور التاريخية -الكنعانية والهلنستية والرومانية والبيزنطية والحقب الإسلامية المختلفة- التي تركت منتجاتها في كل مكان على أرض فلسطين.

تفاعل هذا التنوع الحضاري والغنى الثقافي واندمج وأعطى الخصوصية الفلسطينية المشتركة التي تمتاز بتفردها وأصالتها، تنتمي إلى هوية أصيلة لشعب امتد تواجده في المكان وتفاعل معه عبر آلاف السنين، تحت كل حفنة تراب يوجد أثر، أجدادنا من كنعان حتى ألان تركوه لنا وحدنا، لهذا يستحق التراث الشعبي الفلسطيني الاهتمام والاحتفال به في يوم يعتبر مناسبة سنوية يتم من خلالها تنظيم فعاليات لإحياء التراث الفلسطيني وحمايته من الانتهاكات الاسرائيلية.

يوم التراث الفلسطيني ليس منفصلاً عن باقي أيام السنة، في الاستمرار والمتابعة الحثيثة لنشر وحماية تراثنا الوطني والحفاظ عليه من النسيان والسرقة، وتأدية المهام المتواصلة لتعريف الجيل الفلسطيني الجديد على العناصر الحضارية المتأصلة في أعماق التاريخ، ولتعزيز الانتماء الوطني للجيل الجديد والحفاظ على هويته الفلسطينية، لا سيما من ولد وترعرع في الشتات.

التراث الشعبي صورة لحياة الناس وعلاقاتهم الاجتماعية في مرحلة تاريخية، توضح وتبين معتقدات الشعب وأفكاره وإبداعه، لم تبق ثابتة عبر الزمن بل تطورت، وما كان معاصراً في وقت من الأوقات أصبح تراثاً، فالقديم لا يهمل ولا يترك بل يعطى الاهتمام كما هو، ويضاف له ليتقدم باستمرار نحو الأفضل مواكباً التطور التاريخي للمجتمع.

لم يسرق المستوطنون الإسرائيليون الأرض فقط، بل زوروا التاريخ، ونهبوا عناصر التراث والفولكلور الفلسطيني، لينسبوها لشتات شعوب لا رابط بينهم ولا ثقافة يشتركون بها، جاؤوا من مختلف بقاع الأرض وادعوا ملكيتها، لا تراث لهم يعتزون به، لم يترك لهم أجدادهم من ألوان السلوك الاجتماعي والعادات والتقاليد والفن والغناء والطعام ومختلف الجوانب الحياتية الاجتماعية والأدبية والفنية إلا ما تشاركوه مع تلك الشعوب التي عاشوا معها قبل أن تطأ أقدامهم أرض فلسطين.

تأثرت الحياة الاجتماعية الفلسطينية بشكل كبير بالنكبة، سواء من بقوا على أرض الوطن، تأثروا بممارسات الاحتلال القمعية لهم ولتراثهم وثقافتهم الوطنية، أو اللاجئون الذين هجّروا وعاشوا في خيام اللجوء، حتى أصبح المخيم رمزاً دخل بكل عناصره التراث بوصفه خزان الثورة وعنوان الشهادة والشهداء، حافظ اللاجئون على نمط حياتهم الاجتماعية من العادات والتقاليد ومختلف عناصر الثقافة التي توارثوها جيلاً بعد جيل ساعد على ذلك سكن معظم اللاجئين على شكل تجمعات سكانية في منطقة إقامة واحدة، قد تتشابه تشابهاً كبيراً مع الحياة الاجتماعية في بلدان اللجوء العربية ولاسيّما طريقة الخطبة والزواج والأعراس والدبكة والفنون، لكن نجد بعض الاختلاف الذي ميز اللاجئ مثل اللهجة الفلسطينية.

لم يكتفِ الإسرائيليون باستخدام القوة المفرطة في القتل والتنكيل بالفلسطينيين السكان الأصليين على جغرافية فلسطين التاريخية في حملة تطهير وإبادة جماعية، بل احتاجوا أيضاً إلى سردية تاريخية كاذبة مزيفة تستند إلى أساطير توراتية ليصنعوا هوية مزيفة، ويفرضوا على العالم الاعتراف بهم شعباً وإن قام ونشأ بالعدوان والعنف وتدمير شعب وسرقة أرضه وتراثه؟.

فالاحتلال يخشى كل ما يمت بصلة لفلسطين -التاريخ، والثقافة، ويخشى التراث، والتعليم- ففي الوقت الذي يدعي به الإسرائيليون حضارة ليست حضارتهم، هم ينكرونها على أصحابها الحقيقيين، وبالتالي ينكرون وجوده لأن التراث ليس هوية فقط بل هو وجود مجتمع فاعل في محيطه، مبدع في علاقته مع بعضه وفي علاقته بالأرض والبيئة ومكوناتها، شمل هذا الادعاء جوانب كثيرة وهامة قد يبدو بعضها بسيطاً لكننا نراه هاماً، كألوان الطعام مثل الفلافل التي ادعوا زوراً أنه طبق إسرائيلي، وارتدت نساؤهم الثوب الفلسطيني المطرز وأقاموا له المعارض، وادعوا أمام العالم أنه من ابداع التراث الإسرائيلي.

صادقت دولة فلسطين على اتفاقيّة حماية التراث الثقافي غير المادي لعام 2003 في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2011، وتهدف هذه الاتفاقيّة إلى صون التراث غير المادي. تضم قائمة التراث اللامادي في دولة فلسطين أربعة مواضيع عن ثقافة المجتمع الفلسطيني:

الحكاية الفلسطينيّة، نخيل التمر: المعارف والمهارات والتقاليد والممارسات، الخط العربي: المعرفة والمهارات والممارسات، فن التطريز في فلسطين: الممارسات والمهارات والمعرفة والطقوس.

يظهر الفن درجة ثقافة الشعوب وإبداعها من حيث الزمان والمكان، والفن الفلسطيني فن عريق وقديم بقدم فلسطين على خارطة العالم حيث مارسه الإنسان الفلسطيني، رابطاً الحاضر بالماضي بإحياء التراث الشعبي للتعبير به عن تجربة معاصرة، مبدعاً صورة حياته بين التراث والمعاصرة، من الممكن للمبدع الفلسطيني أن يطور التراث الفلسطيني، ويتعامل معه في سياق التطور الطبيعي للحياة الاجتماعية، دون إدخال ما هو غريب على التراث، ليبقى الابداع والتطوير وفياً للموروث تاريخاً وتراثاً ولغةً. فتسير الحياة الاجتماعية للفلسطينيين منسجمة مع ذاتها، العادات والتقاليد الاجتماعية “الخطبة، والزواج، والأفراح، والأتراح، والأزياء الشعبية، والوضع التعليمي. المطبخ الفلسطيني، الأغنية الشعبية الفلسطينية، البيت وطراز البناء، تستمر في تواصلها معبرة عن الهوية الوطنية.

من المهم صون التراث الثقافي غير المادي والحفاظ عليه من خلال ممارسته المستمرة كتراث، لا شك في أن إحياء التراث الشعبي والحفاظ على خصائصه الفنية وإبراز أصالته يعتبر تخليداً لحضارة عريقة ما زالت قائمة تربط الماضي بالحاضر بالمستقبل.

في 15 كانون الأول 2021، وخلال الدورة السادسة عشرة للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي، المنعقدة في مقر اليونسكو في باريس، تمت إضافة فن التطريز في فلسطين وما يرتبط به من الممارسات والمهارات والمعرفة والطقوس إلى القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.

التطريز الفلسطيني زخرفة جمالية متقنة على الملابس وقطع القماش المستخدمة كأغطية، يمتاز فن التطريز على الثوب الفلسطيني المشهور بأصالته ورونقه الجميل وإبداع ألوانه ورسوماته التي تتمثل في وحدات طبيعية وهندسية، وتختلف هذه الوحدات من مكان إلى آخر، فتعددت وتنوعت من قرية إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى.

هذا التطريز على ثوب المرأة أعطى أهمية كبيرة للأزياء الشعبية الفلسطينية، ميزه عن غيره من أزياء الشعوب، نعتز ونتفاخر بهذا الزي، ونظراً لأهمية الأزياء الشعبية تقام معارض في شتى بلاد العالم لتعرض كل دولة فنونها الشعبية الخاصة بها والتي تترافق مع الغناء والدبكة والموسيقا، تقسم الأزياء الشعبية الفلسطينية إلى قسمين: الزي الشعبي للرجل الفلسطيني المميزة بالكوفية والعقال، وزي المرأة الفلسطينية المتمثل في الثوب الفلسطيني المطرز الذي يزخر بتصاميم مميزة في مختلف مناطق فلسطين، من خلالها يمكن تحديد المنطقة أو القرية التي تنتمي إليها الثوب وفقا لنمط التطريز، ونوع القطبة والألوان والنسيج.

أدركت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو مدى الأخطار التي تتهد مدينة القدس، آثارها ومقدساتها ومعالمها الحضارية، فاتخذت في أيلول/ سبتمبر 1982 قراراً بإدراجها على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر في محاولة لوقف التخريب الإسرائيلي المستمر لها.

وقد تبنت اليونسكو يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر 2016 خلال اجتماع لها في العاصمة الفرنسية باريس- قراراً ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بـالمسجد الأقصى وحائط البراق، ويعتبرهما تراثاً إسلامياً خالصاً، ويرفض الإجراءات الإسرائيلية الأحادية الجانب، ودعت اليونسكو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته، واتخاذ الخطوات اللازمة لمساءلة إسرائيل على جرائمها بحق التراث والثقافة والتاريخ الفلسطيني وأسرلة التعليم في القدس، وغيرها من مدن دولة فلسطين المحتلة،

وفي يوم 12/3/2018، أعلنت جامعة الدول العربية عن اعتماد القدس «عاصمة دائمة للتراث العربي»، كما تحدد يوم التراث العربي في العام 2019 ليكون يومًا للتراث المقدسي.

تهتم اليونسكو بالتراث الثقافي المادي للشعوب من معالم ثقافيّة أو طبيعيّة، تضم قائمة التراث العالمي المدرجة تحت اسم فلسطين، مدينة أريحا القديمة (تل السلطان)، البلدة القديمة الخليل، بلدة بتير في جنوب القدس بلد الزيتون والكرمة، بيت لحم مهد ولادة يسوع المسيح، كنيسة المهد وطريق الحجاج، مدينة القدس القديمة وأسوارها.

في تشرين الأول 2010، أصدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) قراراً أكدّت فيه أن الحرم القدسي الشريف جزء من التراث الإسلامي في فلسطين. تبنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 2016 -خلال اجتماع في العاصمة الفرنسية باريس– قرارا ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بـالمسجد الأقصى وحائط البراق، ويعتبرهما تراثا إسلاميا خالصا.

رغم الضغوطات الصهيونية الكبيرة على الدول الأعضاء بالمنظمة لثنيها عن دعم القرار، واستبقت اسرائيل التصويت بتعليق تعاونها مع المنظمة الدولية احتجاجا على مشروعي القرارين اللذين تم اعتمادهما في تشرين الأول 2016، ويرفض القرار الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب، ويطالب إسرائيل بإتاحة العودة إلى الوضع التاريخي الذي كان قائماً حتى أيلول من عام 2000، إذ كانت دائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية، السلطة الوحيدة المشرفة على شؤون المسجد، كما يطالب إسرائيل بوقف انتهاكاتها بحق المسجد، مؤكدا أن تلة باب المغاربة هي جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى، وقد انسحبت اسرائيل من المنظمة الأممية عام 2019، متهمة إياها بالانحياز إلى الفلسطينيين، وانسحبت الولايات المتحدة رفضاً لعضوية فلسطين، ومنذ منح فلسطين العضوية الكاملة في اليونسكو عام 2011 أوقفت الولايات المتحدة -في ظل رئاسة باراك أوباما- تمويل اليونسكو.

لقد أصدرت اليونسكو خلال العقود الماضية العديد من القرارات التي تُدين إسرائيل بسبب احتلالها للقدس الشرقيّة. كان من أهم تلك القرارات، البيان المُعَد من قِبَل الأردن ودولة فلسطين، الذي صادق عليه المجلس التنفيذي لليونسكو في دورته رقم 201 عام 2017 فيما أُطلق عليه اسم «بند القدس» من ضمن قرار «فلسطين المُحتَلّة»، إذ تجاوز الإدانة إلى المطالبة بإنهاء الاحتلال، كما أكد على بطلان إجراءات إسرائيل في القدس منذ عام 1967 قانونيًا واعتبارها ملغية فورًا، وبالأخص قانون القدس الذي سنّته إسرائيل عام 1980.

يتطلب من السلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية العمل على حماية التراث الفلسطيني من الانتهاكات والإجراءات التهويدية والتدميرية وإفشال كل محاولات اسرائيل لتزوير التاريخ والثقافة وتدمير تراثنا، وكل محاولات استبدال الحقائق على الأرض بالخرافات والروايات البائدة، وفضح المساعي الإسرائيلية لطمس المعالم التاريخية والحضارية والدينية، ورفض تغيير الوضع القائم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here