أثر الدعم النفسي الاجتماعي لإعادة التوازن لمن فقدوا الأمل

بقلم صفاء اكرجوط

تسبب الزلزال الذي تعرض له إقليم الحوز إلى حدوث أضرار مادية ومعنوية جسيمة، مما جعل المنظمات الغير الحكومية تشمر على ساعديها من اجل تقديم المساعدات اللازمة للأسر المتضررة بالمنطقة، وفي هذا الصدد قامت مؤسسة الأطلس الكبير بعقد عدة شراكات مع عدة منظمات ومؤسسات دولية من بينها منظمة الأمل الغير الحكومية وذلك من أجل العمل على تقديم ورشات في التمكين النفسي الاجتماعي بعدما تم تقديم المساعدات المادية المتمثلة في المواد الغذائية والأغطية وكذلك الخيام.

إن التمكين النفسي الاجتماعي هو عبارة عن مجموعة ورشات للدعم النفسي أجل إعادة التوازن وترميم الجانب النفسي لمواجهة الأزمات والمخاطر، لذلك ضمن فريق متكامل تم التوجه إلى المناطق المتضررة بدا من 9أكتوبر2023 بكل من من تنسكت، تينمل،أيت أيوب،ازرو، أشبارو، تافزا، تزغارين، تغرغيست، تفكري حيث استفادت من الورشات 279 امرأة.

وبما أن المؤسسة قد أخذت على عاتقها إعادة التوازن النفسي للأسر المتضررة من الزلزال، فإننا قد خصصنا حصصا موازية للعناية بالأطفال في سن التمدرس وخاصة بعد تعذر الذهاب إلى المدرسة نتيجة لتدهور البنيات التحتية والتشققات التي أصابت المدارس إلى حين ترميمها حيث استفاد ما يقارب 186 طفل تتراوح أعمارهم بين 4 السنوات و 11 سنة من الفتيان والفنيات.

فللوهلة الأولى، وخلال لقاءنا مع النساء كان الحزن والألم باديا في أعينهم التي تورمت من كثرة البكاء على ما ضاع منهم من أقارب و جيران، ورائحة الموت تملأ المكان، أينما نظرت تجد البيوت والأسوار المتهالكة، والأثاث متناثر هنا وهناك، فكيف يعقل لأي كان ان يتحمل رؤية الدمار الذي لحق المكان، وكيف يمكن نسيان الأحداث المترسخة في الذاكرة، فعند وصولنا إلى تينمل كانت في استقبالنا السيدة وداد التي رافقتنا إلى المدرسة مركز التكوين حيث التقينا بنساء الدوار وهن تائهات يبحثن عن الملاذ الأخير، منهن من فقدت كل أفراد عائلتها ومهن من فقدت سندها في الحياة ومهن من فقدت فلذة كبدها.

كانت الورشة الأولى عبارة عن جنازة أو مأثم حيث أجهش الجميع بالبكاء، ولكن مع بداية الحديث مع المؤطرات سرعان ما استجمعوا عواطفهم وأبدوا استعدادهم إلى مشاركة قصصهم وكيف نجوا تلك الليلة من موت محتوم، فكما قالت فاطمة:” لا أعرف كيف نجوت من بين الحطام و صوت الزلزال المدوي ما زال لم يفارق رأسي، أينما ذهبت أسمع ذلك الصوت” ثم أجهشت بالبكاء قائلة إن ذلك الصوت يكاد لا يغادر رأسي وقد تسبب لي في الألم في كامل جسدي، متسائلة متى سينتهي هذا الألم.

في حين قالت رشيدة: أنا فقدت ابني الذي كان في عمر الزهور، كيف يمكن التعايش مع الوضع”.

فعلا إن الأمر مأساوي، و تعجز الكلمات عن وصفه، لذلك فنحن لا نلتزم بتغيير الواقع من خلال هذه الورشات بقدر ما نسعى إلى إعادة الأمل لحيواة هؤلاء النسوة، فما دام الإنسان قادر على أخذ نفس فإن القادم سيكون أحسن، فكل ما فقد من بيوت وأغراض يمكن تعويضه إلا الأرواح فما علينا إلا الدعاء لهم بالرحمة، تجربة صعبة لا محالة ولكن في نفس الوقت تجعلنا نقف بتمعن أمام ذواتنا من جديد وإعادة النظر في سلوكياتنا كأفراد وكعائلة.
إن الهدف من هذه التمارين التي تتمحور حولها الورشة ليس إعادة الذكريات المريرة التي مررن منها ولكن من أجل اختبار الحواس لديهن وتقييم مستوى الصدمة التي تعرضن لها، لأننا نعي جيدا على أن الصدمة النفسية تختلف حدتها من امرأة لأخرى رغم تعرضهن لنفس الأزمة.

وفي المقابل نجد ان الأطفال أكثر تجاوبا وتفاعلا مع الورشات التي يتم تقديمها والمتمثلة: في الرسم والتلوين، وكذلك لعبة البطاقات بالنسبة للأطفال الأصغر سنا من خلال التعرف على الأرقام والحروف باللغة العربية، كما تم ملاحظة كمية الامل والطموح لمستقبل أفضل رغم الوضعية المزرية التي يمرون بها مما جعلني أجزم على ان الأطفال أكثر مرونة في التعامل مع الأزمات رغم شدتها من الكبار، لذلك يجب الاعتناء بهم والاهتمام بهم من خلال توفير جو ملائم للدراسة وخاصة وأن المدارس مازالت موصدة.

انطلاقا من كل ما سبق، تبين لنا على أن الأمر ليس بالسهل خاصة لمن فقدوا أهاليهم وذويهم و أصحابهم، فإن مشروع التمكين النفسي والاجتماعي لن يجني ثماره في أربعة أيام أو شهر بل لابد من الاستمرارية والاستدامة من أجل مساعدة هذه الأسر على استرجاع ذواتهم المفقودة تحت الأنقاض والتي لم تنتشل بعد رغم أنهم أحياء.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here