الترجمة الأدبية: فن تجسير الثقافات

ترجمة: هاشم كاطع لازم – أستاذ مساعد- كلية شط العرب الجامعة – البصرة
المصدر: موقع Reedsy Blog الألكتروني

يمكن النظر الى الترجمة الأدبية باعتبارها فن نقل نص نثري أو شعري من لغة الى لغة أخرى. وعلى خلاف ماتتسم به الطبيعة الفنية للترجمة الفورية أو المكتوبة للحوارات أو الوثائق الرسمية فأن عملية ترجمة الأدب تتطلب الكثيرمن التروي والمقدرة اللغوية الفائقة بكلتا اللغتين المترجم منها والمترجم اليها. وفي حال أتقان الترجمة الأدبية فأنها سوف تمثل مصدر قوة جاذبة أذ يصبح القراء ميالين كثيرا لهذه الترجمة ويفضلونها على الترجمات الأخرى. وسوف نتطرق هنا الى المهارات اللازمة لترجمة الأدب ومدى تاثير الترجمة الأدبية.
الترجمة الأدبية تؤثر على نمط تفكيرنا
لماذا تتسم الترجمة الأدبية بالأهمية؟ أذا كان الهدف من تأليف الكتب وكتابة القصص أطلاع القراء على سلسلة من التجارب ووجهات النظر فان الأدب المترجم يضطلع بدور حاسم في تحقيق ذلك، فمن خلال الأعمال المترجمة يتمكن القاريء من الترحال الى أماكن مختلفة ويجرب أنماط حياة متنوعة دون ان يغادر الكرسي الذي يجلس عليه. وبمقدور القراء أن يحطوا الرحال في العوالم التي يصوغها كتاب القصة الأجانب فضلا عن تجسيد دواعي قلقهم والمشاكل العويصة التي يتطرقون اليها ومسراتهم. وتصور الأعمال الأدبية المترجمة أوجه الشبه والأختلاف الثقافية بشكل يشجع على تقمّص وجهات النظر الجديدة والتفكير بها من الزوايا كافة.
والأدب الأجنبي لايتيح لنا الفرصة للأطلاع على الأفكار المختلفة فحسب أنما يساعد باستمرار على تعزيز تنوع الأجناس الأدبية وفن السرد القصصي. ترى هل يمكن للواحد منا أن يتصور عالما خاليا من التحف الأدبية الواقعية المستندة للتحليل النفسي التي دبجها قلم فيودور دوستوفسكي Fyodor Dostoyevsky أو بمعزل عن الحكايات الواقعية الساحرة للروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز Gabriel Garcia Marqez أو بمنأى عن تأملات العلاقات الأنسانية التي صاغتها ألينا فيرانتي Alena Ferrante؟ أن مثل تلك الأعمال الرائعة تحفز تفكير القراء كما أنها تلهم الكتاب في مختلف أرجاء العالم لتوسيع آفاق كتاباتهم — وهو أمر لابد ان يكون محدودا للغاية دون الترجمات الأدبية.

الترجمة الأدبية تتيح للمؤلفين الوصول الى الجمهور العالمي
لاشك أننا نعيش في عصر العولمة حيث يزداد أهتمام القراء كثيرا بالقصص ووجهات النظر المختلفة، كما بدأت الأسواق في البلدان الناطقة باللغة الأنكليزية تهتم كثيرا بالقصص التي تدور في أماكن خارج تلك البلدان وبالعكس. من هنا تقدم الترجمة الأدبية العون في تجسير الهوة وربط المؤلفين بمجاميع القراء الجدد من مختلف أرجاء العالم.
المترجمون البارعون كتّاب كبار
لابد ان يتوفر المترجم الأدبي على المهارات اللغوية العالية والمعرفة الثقافية العميقة ليتسنى له أستغوار التفاصيل الدقيقة التي يضمها العمل الأدبي. فأولا لابد أن يبرز الجوانب الثقافية من خلال التعبير اللغوي السليم فضلا عن أبرازصوت المؤلف الأصلي والهدف الذي يسعى أليه ومن ثم عليه ان يجد وسيلة ما لنقل ذلك، مع أدق التفاصيل، الى اللغة الأخرى. يقول كريكوري راباسا Ggregory Rabassa ، مترجم رواية مائة عام من العزلة لماركيز (أن ترجمة الروايات شبيهة بالتمثيل فأنت تؤدي دور شيكسبير لكنك تؤدي دور هاملت أيضا). من هنا يتعين على المترجم أن يتقمص دور المؤلف في ذات الوقت الذي يتقمص فيه المؤلف شخصيات رواياته. عليه لابد ان يكون المترجم كاتبا بارعا جدا ليكون قادرا على أعادة صياغة مثل ذلك الفعل على نحو مترابط منطقيا مع الحفاظ على أسلوب المؤلف وتوجههه العام.
وبصرف النظر عن نمط الترجمة التي يتعامل بها المترجم لابد أن يكون المترجم ذا معرفة واسعة باللغة التي يترجم منها وكذلك اللغة التي يترجم اليها. لذا ليس من المستغرب أن نرى الكثير من المترجمين مؤلفون مشهورون مثلما هو الحال على سبيل المثال لاالحصر في أعمال هاروكي موراكامي Haruki Murakami وجومبا لاهيري Jhumpa Lahiri.
المترجمون حلالو مشاكل من الطراز الأول
لكل مترجم نهجه الخاص في التعاطي مع النص الذي يترجمه، لكن بعض المترجمين يعمدون الى قراءة الكتاب بأكمله أولا قبل الشروع بعملية الترجمة فيما يسعى آخرون الى ترجمة مسودة أولية يعودون لقراءتها فيما بعد ويقومون بتحريرها.وهؤلاء جميعا هم خبراء في حل المشاكل. ويتضح ذلك بجلاء حين يتعاطى المترجمون مع ترجمة الشعر.لنأخذ على سبيل المثال ترجمتين للقصيدة اليابانية المعروفة بال (هايكو) Haiku التي كتبها ماتسوو باشو Matsuo Basho. كان على كل مترجم منهما أن يفهم جيدا بنية القصيدة الي تتبع، في اللغة اليابانية، النظام المقطعي (5-7-5)ن فضلا عن أدراك هدف مثل هذا النمط من الشعر. والمعروف عن قصيدة الهايكو في الغالب أنها تركز على لحظة معينة في الطبيعة، وهي ملاحظة تبدومألوفة جدا لكنها تصبح قوية بفعل المهارات التي يحظى بها الشاعر. أستنادا الى ذلك يسعى كل مترجم الى نقل تلك اللحظة الغريبة بطريقته الخاصة المميزة له. فالمترجم الأول بارنهل Barnhill يسعى بقوة للمحافظة على بنية المقطع الأصلية من خلال استخدام مفردات قصيرة وبسيطة، فيما يعمد المترجم الثاني هامل Hamill الى التقاط تفسير مفعم بالخيال معززا ذلك باستخدام أفعال وصفات قوية. وفي الوقت الذي سعى فيه بارنهل الى الحفاظ على طبيعة الهايكو الدقيقة فأن هامل انجذب كثيرا نحو الصور الشعرية، مع ذلك عمد الأثنان الى التعامل مع خياريهما بكل اهتمام ودقة مع السعي لخلق موازنة للأيقاع والبنية والنبرة بهدف بلورة نتاجيهما المترجمين بشكلهما النهائي. لذا فأن أي عمل أدبي يخضع للترجمة يمثل لغزا لابد من حله من خلال أيلاء الأهتمام الكبير والبلاغة اللغوية.
ختاما فأن الترجمة الأدبية مهنة رائعة تتحفنا بالمزيد من الكتب المهمة وتطلق العنان لخيالاتنا.ثم أن الترجمة ذاتها ميدان عمل يتوفر على أمكانيات هائلة آخذين في الحسبان النمو الطرد في شيوعها والأعجاب بها.

https;//blog.reedsy.com/freelancer/literary-translation

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here