هدنة من عقوبة الإعدام

مهند سري

في عصر دولة العدل الإسلامية، تعرض قضية على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ولما اكتملت اركانها، واستوفت ادلتها، قضى الخليفة العادل، على المتهم، بمقتضى حكم الله : وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا.
تعالوا نقرأ الرواية من مصادرها، لتمام الفائدة:
عن أبي جعفر “ع”، قال : قضى أمير المؤمنين في رجل شهد عليه رجلان بأنه سرق، بقطع يده، حتى إذا كان بعد ذلك، جاء الشاهدان برجل آخر فقالا : هذا السارق وليس الذي قطعت يده، إنما شبهنا ذلك بهذا، فقضى عليهما أن غرمهما نصف الدية ولم يجز شهادتهما على الآخر.
أخرجه الكليني في الكافي، وغيره، وحسنه المجلسي في مرآة العقول.
يتضح من هذا، أن الحيثيات قد تكون مختلفة عن وقائع الحدث، سواء بالإشتباه، او بالتلفيق، ولايطعن ذلك بالإجراءات القضائية، ولاحكمها، وهذا حصل مع رجل قال فيه عليه الصلاة والسلام : وأقضاهم عليٌّ، فكيف بمن هو دونه، وصولاً الى زمان اختلت فيه القيم، وتفشى فيه الظلم.
لا املك إحصائية دقيقة، لعدد الذين حكموا بالإعدام منذ تأسيس الدولة العراقية الى يومنا هذا، فضلاً على من أعدم بلا محاكمة، وغيّب أثره، لكن حتماً هم أكثر من كل الحسابات والأرقام، ولعل المقابر لو تنطق لوجدت العجب، ولهالك حجم المظالم من هذه العقوبة.
لقد إسرف في استعمال هذه العقوبة، حتى تحولت الى حبل لطالما تدلى أمام أعيننا، وكأنه فزاعة ترعب الناس، ولاسيما عندما أخذ الى تنفيذها في الشوارع، وبين السكان، فيما شملت العقوبة ” الكلمة”، و” النكتة”، و” الإنتقاد”.
ومن طريف ما أذكر، أن محامياً في الأعظمية، كان يقول: حصلت على أقل عقوبة وهي الإعدام!!
لذا أجد أننا بحاجة الى عقد هدنة مع هذه العقوبة، التي راح بسببها ابرياء كثر، نتيجة دعاوى كيدية، او تقرير مغرض، او مخبر سري، اوضغائن من اين نوع، او احقاد وثارات خلفت تهم ملفقة، ومحبوكة، أو تحقيقات جرت تحت وقع التعذيب.
مراجعة تستحق أن ندعم من خلالها مفهوم العدل، الذي هو أساس الملك، ومن يحتج علينا بكتاب ربنا ” ولكم في القصاص حياة يا اولي الألباب”، نقول : القصاص ماض، والعقوبة موجودة، لكن دون الإعدام، حتى يتوفر اولي الألباب.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here