أشياء من هذا القبيل : ورقة استدعاء قضائية

أشياء من هذا القبيل : ورقة استدعاء قضائية

بقلم مهدي قاسم

سلّم ساعي البريد ” المدوّن الفيسبوكي ” رسالة رسمية مُسجلة ، يعني تُسلم الرسالة الرسمية باليد ، حينما فض الظرف المغلف وجد في داخله ورقة استدعاء قضائية إلى المحكمة لحضور الجلسة الأولى في يوم كذا ضمن ساعة محددة بشكل بارز ، مع تشديد على مغبة العقوبة المُرتبة على عدم الحضور دون مبرر مقنع و غير مدعوم بشهادة رسمية تؤكد أسبابا قاهرة تحول دون الحضور..

انتابه قلق مفاجئ مقرونا بخوف خفي و اضطراب نفسي من الحالة الطارئة ، و خاصة فهو ينّفر من مشهد و رؤية مراكز الشرطة و قاعات المحاكم ، الأمر الذي جعله مستغرقا في تفكير عميق ، عسى ولعله يتذكر سببا موجبا لذلك الاستدعاء ، لكونه لا يتذكر إطلاقا فيما إذا كان قد تجاوز على القانون مرتكبا ذنبا معينا أو جنحة أم جريمة ما ..

وعندما جلس على مقعد المتهمين ، بعدما قدم أوراقه الثبوتية للقاضي بغية التأكد من مصداقية معلوماته الشخصية ــ نهض المدعي العام ليقرأ لائحة الاتهام بناء على جملة بنود وفقرات مواد قانون حماية حق المؤلف رقم ( 3 ) لسنة 1971 المتعلقة تحديدا بقانون التأليف والطبع والنشر وبتركيز واضح على الحقوق الملكية للنشر ، طالبا من المحكمة إدانة المتهم بعقوبة حبس والأخذ بعين الاعتبار ــ كظروف مشددة ــ كثرة جرائم من هذا القبيل : أي سرقة مؤلفات ومنشورات المؤلفين ـــ مع التأكيد على وقف التنفيذ للعقوبة ــ كظروف مخففة ــ بالنظر لكون السجل الجنائي للمتهم لا زال خاليا من سوابق جنائية ، مع إلزامه بدفع نفقات المحاكمة كعقوبة جانبية ..

بعدما انتهى المدعي العام من قراءة لائحة الاتهام ، طلب القاضي من المتهم الوقوف وبدأ باطلاعه على حقوقه وواجباته كمتهم ثم سأله ــ

ــ هل تعترف بأنك مذنب وتقرّ بارتكاب الذنب الوارد في لائحة الاتهام المحتوية على التهمة الموجهة ضدكم ..

إلا أن المتهم سأل بدوره القاضي بصوت مرتبك وشبه منطفئ ، بينما تعابير وجهه بدت مرتبكة وبليدة بعض الشيء ، ربما بسبب رهبة مفاجئة انتابته مرة أخرى ، فسأل بهمهمة بالكاد تُسمع :

ـــ أي ذنب ؟

نظر إليه القاضي مستغربا من عدم فهمه أو إدراكه للأمر ، وقال وهو يقلّب أوراق ملف القضية التي أمامه :

ــ الادعاء العام يتهمك بإقدامك على سرقة نص منشور لمؤلف آخر، ومن ثم على إعادة نشره في الصحيفة الفلانية باسمك ، وعلى نحو وكأنما أنت المؤلف الحقيقي للمنشور ، فهل هذا صحيح ؟..

ــ نعم صحيح ..ولكنه مجرد سطورطويلة من منشور تمت عملية نشره علنا ، فكيف أسرقها ؟.

فرد القاضي موضحا ، بشكل مفصل :

ــ كل عملية تأليف أو مادة كتابية منجزة ، سواء كانت مطبوعة أو غير منشورة ، فأنها تكتسب ــ وفقا للقانون ــ حق الملكية الكامل لمن قام بإنجازها الفعلي ، من حيث لها قيمتها المعنوية والمادية في آن ، أي تماما مثل هذه الكراسي التي نجلس عليها الآن ، أو مثل هذه الطاولة التي أمامي .. هل فهمتم الآن جوهر المسألة مثار جلسة المحاكمة ؟..

هنا حّك المتهم جبينه بأصبعه تعبيرا عن حيرته وعدم فهمه الكامل للمسألة المطروحة ، لهذا أردف القاضي بشروحات أكثر تفصيلا :

ــ هل سمعتَ بجائزة نوبل للآداب أو بغيرها : وكذلك بالمكافأة المادية المرافقة لها ؟..

ــ نعم سيدي القاضي سمعت بوجود جائزة نوبل ..

ــ هذا أمر جيد !.. وهل تعلم كذلك كم قيمتها المادية ؟ .. حسنا .. تبلغ مئات آلاف من دولارات تُقدم من أجل رواية أو مجموعة شعرية ، مع الجائزة سوية كقيمة مادية..

ــ ولكن يا سيدي القاضي لستُ أنا وحدي الذي ينشر باسمه منشورات غيره ، إنما هناك أناس ليسوا بقليلين الذين يسرقون منشورات غيرهم وينسبونها لأنفسهم !..

فرد القاضي بلهجة جافة ومقتضبة في هذه المرة ، كأنما ازدراء مبطنا لتبرير المتهم :

ــ السرقة هي سرقة في كل أصنافها الصناعية والفكرية أم الروحية .. وهؤلاء أيضا يجب أن يكون مكانهم هنا : في قفص الاتهام ، إذا يسرقون فعلا منشورات ومؤلفات غيرهم !..طبعا في حالة لو قُدمت دعاوى وتبليغات رسمية كاملة الشروط ضدهم من قبل متضررين من هذه الناحية ــ بعد صمت قصير وتقليب بعض الأوراق باهتمام و انتباه ــ أردف القاضي : حسنا .. فهل لديكم شيء أخر توّدون قوله ، أو إضافته إلى محضر الاستجواب دعما لوجهة نظركم في الدفاع ؟..

ــ لا.. ليس عندي ما أضافه من أقوال جديدة ..أو بالأحرى أحب أن أقول لوكنتُ أعلم بالأمر لما كنتُ لفعلتُ ذلك سيدي القاضي ، فأرجو الرحمة و الإعفاء من الإدانة و العقوبة المحتملة ، وخاصة منها الغرامة المالية ..

ــ طيب .. الآن بعدما انتهينا من اجراءات الاستجواب وتثبيت مستلزمات و أسس الأدلة .. تفضلوا بالخروج من قاعة المحكمة وانتظروا في الممر برهة ، تمهيدا لإصدار المحكمة قرار حكمها الابتدائي ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here