تناقضات القوانين في حياتنا

كامل سلمان

أذكر هنا حادثة حقيقية حصلت قبل فترة وجيزة تبين تناقضات القوانين التي تعصف بمجتمعنا وتحيط بحياتنا .. بنت جميلة محترمة تخرجت من أحدى المعاهد الدراسية فتقدم لها شاب كفوء بشكل أصولي وحسب شرع الله وعادات المجتمع ، فرحت الفتاة بهذا العريس وفرح أهل الفتاة ، و كالعادة طلب والد الفتاة مهلة زمنية للسؤال عن الشاب وعن عائلته وكذلك إستشارة ذوي القربى . عندما سمع أبن عم الفتاة وهو شاب غير كفوء بالخبر ، أعترض وأخبر والده بأنه يريد الزواج من أبنة عمه ، وإنه لا يسمح بزواج أبنة عمه لشخص غريب ، فقام العم بإخبار أخيه بعدم قبوله اعطاء أبنته للشخص الغريب و الاقربون أولى بالمعروف ، فحدث خلاف عميق وكبير بين الأخوين لأن والد الفتاة غير مقتنع بأبن أخيه أن يكون زوجاً لأبنته وكذلك الفتاة غير راغبة بأبن عمها ، فتدخل الناس وتدخل الأقربون ، وبعد مداولات ومناقشات قرر الطرفان التحكم إلى العشيرة والفريضة ، فذهبوا إلى الفريضة ( وهو شيخ عشيرة حكيم ) . بعد أن استمع الشيخ للقصة وسبب النزاع بين الأخوين ، قرر أن الحق الشرعي لأبن العم ، فأولاد العم يسترون بعضهم بعضا ، وهم أولى ببعض ، لكن والد الفتاة لم يرضى بقرار الفريضة فطالب أن يكون التحكم إلى الدين والشرع ، وبعد سلسلة تهديدات وكلام ثقيل بين الاخوة ، وافق الطرفان التحكم إلى الشريعة الدينية ، فذهبوا جميعاً إلى أحد المراجع الدينية وطرحوا عليه القضية ، فكان قرار المرجع الديني بأن ولي أمر الفتاة هو من له الحق أن يقرر مصير الفتاة إستناداً لقوله تعالى (فأنكحوهن بأذن أهلهن ) ، فأمتعض عم الفتاة من قرار المرجع الديني وقرر مقاطعة أخيه حتى الموت ، وبعد ان خرجوا من ديوان المرجع الديني كان والد الفتاة يفكر بأن لا يخسر أخوه وأبن أخيه ، فوجد في قرارة نفسه أن لا يغضب أخاه ويقف إلى جانب أخيه ، وأن يوافق على زواج أبن أخيه من أبنته . عندما سمعت الفتاة بخبر ميول أبيها لأبن عمها ذهبت بصحبة أمها وأخيها إلى مكتب أحد القضاة لتستفسر منه عن رأي القانون بما يحصل ، فأجابها القاضي الذي استقبلهم في اليوم التالي بمكتبه . القانون في الدولة المدنية يعطي الحق حصراً للفتاة البالغة الراشدة بأن تقرر مستقبلها ، وتقرر من هو الرجل المناسب لها ، أما القانون العشائري كان قراراً صائباً في داخل القرى والأرياف ولكن عندما قرر الناس قبول العيش في حياة المدن كان عليهم قبول القوانين الجديدة للمدن ولكن بسبب جهالتهم ظنوا بأن القوانين العشائرية تبقى سارية المفعول في المدن وللأسف ساعدت بعض الظروف عودة القوانين العشائرية إلى الواجهة ، فهي قوانين لا تصلح خارج نطاق القرية بل لا تصلح للحياة العصرية ، أما القوانين الدينية فهي قناعات أكثر من أن تكون قوانين لأن كل حالة تجد للدين أكثر من رأي حسب المجتهد وحسب المذهب فمثل هذه الاجتهادات لا تصلح أن تكون قوانين . هذه التناقضات الثلاثية بين قوانين الدولة المدنية وقوانين العشائر وقوانين الدين كان ضحيتها الإنسان الذي يتطلع للعيش بكرامة وحرية ويريد أن يشعر بأن حياته سعيدة بعيدة عن المنغصات ، قوانين العشائر والدين والدولة لا تتناقض فقط في الزواج ، فهي تتناقض بالميراث وبالنزاعات على الملكية والبيع والشراء والمشاكل الاجتماعية والعقود ، بل في كل مجالات الحياة ، تصور أنك تختلف مع شخص حول أمر ما فأنت تلجأ للقانون وهو يلجأ للعشيرة ، أين ستصبح حقوقك ؟ حيرتي تكمن في كيفية القدرة على العيش بعقل سليم ونفسية طبيعية وسط مجتمع تتحكم به مجموعة قوانين متناقضة وهو ( أي هذا الإنسان ) يجب أن لا يخرج عن أي من هذه القوانين ، لأن الخروج عن قانون الدولة يعني التوقيف والسجن ، والخروج عن القانون الديني يعني الفسق والكفر ، والخروج عن القانون العشائري يعني النزاع العشائري و ربما يكون ثمنه القتل ، فهل كتب علينا أن نعيش في ظل قوانين متناقضة سالبة لحقوق الإنسان ومن ناحية ثانية نسعى للبحث عن موطىء قدم داخل صفوف الأمم المتحضرة ؟

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here