زيارة نيجيرفان بارزاني تعبد طريق الحلول لأزمات بغداد وأربيل

ربما ما من شيء يختصر زيارة رئيس اقليم كردستان نيجيرفان بارزاني الى بغداد، أكثـر من مصطلح “سيد الدبلوماسية الناعمة”، ففي مهمته الجديدة في العاصمة الاتحادية، وفي مشاركته في اجتماع ائتلاف إدارة الدولة، وفي لقاءاته مع رؤساء الجمهورية والحكومة والاحزاب ومجلس القضاء الأعلى، يظهر نيجيرفان بارزاني انه يحسن اختيار التوقيت والزمان المناسبين لهذه المهمة في بغداد في لحظة لها مدلولاتها العديدة.

وعوضا عن التخاطب او التراشق الإعلامي والسياسي عن بعد، بما لا يسمن ولا يغني من جوع، فإن وجود نيجيرفان بارزاني في العاصمة بغداد، يؤكد على جرأته بطرح الملفات الواجب معالجتها بلا مواربة. هذه سيرة ثابتة في كل زياراته السابقة الى بغداد، وحتى في حركته الداخلية في الاقليم، وايضا في كل خطوة اقليمية او دولية كان يقوم بها.

زيارة نيجيرفان بارزاني تنسجم أيضا مع مقولته الملفتة التي أعلنها في العاصمة العراقية في أيار/مايو 2023 خلال مشاركته في “منتدى العراق من أجل الاستقرار والازدهار”، بان “بغداد هي العمق الستراتيجي لإقليم كردستان”.

ولهذا، فإن رئيس الاقليم معني مباشر بما يجري فيها، وبهذا المعنى تكتسب اللقاءات في بغداد أهميتها الاستثنائية، خصوصا مع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني الذي عقد قمتين مهمتين مع الرئيس الأمريكي جو بايدن ومع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ومعلوم أن السوداني الذي اصطحب معه إلى واشنطن، ممثلين عن الإقليم، وكانت العلاقة مع اربيل من البنود الرئيسية في محادثاته مع بايدن وكبار المسؤولين الامريكيين، حيث اظهر حرصا على معالجة ملفات الأزمات القائمة مع حكومة الاقليم، سواء فيما يتعلق بقضية تصدير النفط الى تركيا، او قضية الرواتب، او تحديات الوضع الامني المشترك.

ووفق اهتمام رئاسة الاقليم ذاتها، يندرج اللقاء مثلا رئيس تحالف “نبني” هادي العامري الذي ابرز اهمية حركة رئيس الاقليم البغدادية، حيث قال ان الزيارة هدفها “تقوية العلاقات بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية من أجل حل المشكلات الموجودة، مؤكدا أن “تلك المشكلات في طريقها الى الحل يوما بعد يوم”، مضيفا ان نيجيرفان بارزاني “هو من سيحسم مسألة تحديد موعد الانتخابات” البرلمانية في الاقليم، وانه هو من “يفكر في يوم لإجراء تلك الانتخابات يكون مناسبا ومقبولا لدى جميع الجهات”.

موقع رئاسة اقليم كردستان اكد في اليوم الثاني من زيارة بارزاني الى بغداد، ان رئيس الاقليم أكد خلال اللقاءات والاجتماعات على أن إقليم كردستان “مستعد كما كان دائماً لحل المشاكل والخلافات مع الحكومة والمؤسسات الاتحادية العراقية عن طريق الحوار والتفاهم وعلى أساس الدستور، وشدد على أن أمن واستقرار إقليم كردستان جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار العراق بصورة عامة”.

ونقل موقع الرئاسة عن بارزاني قوله ان “حل المشاكل العالقة بين أربيل وبغداد مفتاح لأمن واستقرار العراق والمضي باتجاه مستقبل أفضل وتحقيق التقدم للعراق ككل”.

وفي هذا الاطار، تكمن اهمية اللقاء مع رئيس مجلس القضاء الاعلى فائق زيدان، بعد اسابيع قليلة على القرارات التي اتخذتها المحكمة العليا بإلغاء كوتا الاقليات في انتخابات الاقليم، ما اعتبرته العديد من قوى الاقليم، ضربة لمصادقية العملية الانتخابية وتهميشا لمكوناته، في وقت قرر الحزب الديمقراطي الكردستاني مقاطعة الانتخابات ردا على هذه القرارات.

وفي لقاء بارزاني-زيدان، أكدا على أهمية زيادة التعاون والتنسيق بين السلطة القضائية في العراق وإقليم كردستان، وعلى ضرورة “حل القضايا بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم على أساس الدستور”، وعلى اهمية “الحفاظ على السلام والاستقرار السياسي في البلاد”.

وذهب بارزاني ابعد منذ لك، بتوجيه اشادة الى زيدان لـ”جهوده ودوره الايجابي في حل مشكلات البلد، وبحث معه استقلالية القضاء وحماية حقوق المكونات العراقية كافة”.

وبالاضاقة الى مشاركته في اجتماع ائتلاف ادارة الدولة، بحضور السوداني يوم السبت، فان محادثات بارزاني مع رئيس الوزراء العراقي تناولت المعالجات التي تتخذها الحكومة بما يسهم في تحسين الأوضاع الخدمية والمعيشية للمواطنين، حيث اكد الرجلان على “استمرار الحوارات البناءة الخاصة بالقضايا المشتركة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، وبحث العديد من المواضيع في الشأن السياسي، حيث شدد الطرفان على أهمية الاستمرار في دعم جهود الحكومة داخلياً وخارجياً، والعمل على تمتين العلاقة بين بغداد وأربيل، وهو ما يتطلب تضافر جميع جهود القوى السياسية في هذا المسار”.

في بال السوداني ان بارزاني تمنى له التوفيق والنجاح في زيارته الامريكية. وفي المقابل، فان رئيس الوزراء العراقي وصف زيارته بارزاني الى بغداد، بانها خطوة إيجابية لحلّ جميع المسائل المشتركة.

وكان المتحدث باسم رئاسة إقليم كردستان دلشاد شهاب، قال حول زيارة بارزاني الى بغداد، “‏نحن في تواصل مستمر مع جميع الأطراف، وهذا كان نهجا اتخذته رئاسة الإقليم دائما، وجميع الخطوات التي تم إجراؤها في مسألة الانتخابات كانت بالتشاور مع الأطراف السياسية، وان رئاسة الإقليم تدعو الأطراف السياسية إلى النظر إلى مصلحة كردستان فوق كل الاعتبارات فيما يخص مسألة الانتخابات”.

وبعد يومين من الاجتماعات المكثفة لرئيس الاقليم، قال شهاب انها ركزت على “موضوعات المستحقات المالية للاقليم وانتخابات برلمان كردستان، وخصوصا المسألة الامنية والتهديدات التي يواجهها الإقليم وخصوصا الهجوم على حقل كورمور الغازي الذي الحق اضرارا اقتصادية كبيرة بالاقتصاد العراقي وإقليم كردستان”.

وكشف شهاب انه جرى “التأكيد على استعداد الجميع لتنفيذ مضمون الاتفاق الذي أفضى الى تشكيل حكومة السوداني وتنفيذ الدستور”، مضيفا ان “جميع الأطراف العراقية يشاطرون رؤية رئاسة اقليم كردستان في إجراء انتخابات (في الاقليم) تشارك فيها جميع الأطراف”.

كما كشف المتحدث باسم رئاسة الاقليم ان “الرئاسة ستقوم بتنظيم اجتماع تحضره جميع الاطراف السياسية في اقليم كردستان وسيصار إلى اتخاذ كل الإجراءات اللازمة بالاشتراك مع تلك الجهات من أجل التوصل لاتفاق مشترك”.

معالجة ما هو جار على خط بغداد-اربيل، كانت ايضا بندا مهما في لقاء بارزاني مع رئيس الجمهورية عبداللطيف رشيد في قصر السلام، حيث جدد رئيس الاقليم رغبة حكومة الإقليم في حل جميع الخلافات والقضايا العالقة بين اربيل وبغداد، بما في ذلك المتعلقة بمتطلبات المواطنين المعيشية والخدمية، حيث اكد بارزاني على رغبة حكومة الإقليم وارادتها لحل جميع المسائل وبما يضمن العدالة والشفافية ويرسخ الأمن والاستقرار في البلاد.

ولان الملف الامني يحتل اهمية بالنسبة لاهتمامات رئاسة الاقليم، فقد التقى بارزاني ايضا مستشار الأمن الوطني العراقي قاسم الأعرجي، واكدا على ضرورة التعاون والتنسيق بين بغداد وأربيل لمكافحة التهديدات الأمنية.

ووفق مبدأ العمق الستراتيجي، فان نيجيرفان بارزاني معني بتطورات الازمات والملفات السياسية والامنية والاقتصادية في العراق، بما في ذلك ازمة رئاسة البرلمان الاتحادي. وهو خلال لقائه مع رئيس مجلس النواب بالنيابة، محسن المندلاوي، اكد على ضرورة دعم الحكومة الاتحادية، وإدامة الحوار والتفاهم بين القوى الوطنية لتعزيز الاستقرار في البلاد.

اما خلال لقائه مع رئيس تحالف العزم مثنى السامرائي، في بغداد، بحضور عدد من قيادات ونواب تحالف العزم، فان بارزاني جدد التأكيد على ضرورة المضي قدماً في عملية انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب العراقي، معتبراً إياها “خطوة مهمة وجوهرية” نحو تعزيز الاستقرار السياسي في البلاد.

واستبق بارزاني هذين اللقاءين، باجتماع مع رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي الذي كان اقصي من منصبه بسبب خلافات دستورية، وتناول معه تطورات الوضع السياسي في العراق، وجهود تعيين وانتخاب رئيس مجلس النواب، والعلاقات بين أربيل وبغداد ومباحثات حل المشاكل بينهما.

وبالاضافة الى هذه اللائحة الكبيرة من الاسماء والقيادات التي اجتمع بارزاني معها، فان زيارته البغدادية شملت ايضا محادثات مع رئيس تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم، ورئيس الوزراء الاسبق عادل عبدالمهدي، وثابت العباسي رئيس تحالف الحسم الوطني، ونوري المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون، ورئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي، وامين عام تحالف النهج الوطني عبدالسادة الفريجي، بالاضافة الى رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر.

لم يغب نيجيرفان بارزاني طويلا عن بغداد، وهو زارها في 6 نيسان/ابريل الحالي، حيث التقى وقتها ايضا مع الرئيس رشيد والسوداني، اي قبيل زيارته الى واشنطن، وشارك في اجتماع ائتلاف ادارة الدولية والاطار التنسيقي، وكانت هموم واهتمامات اقليم كردستان في جعبته ايضا حيث عرض سبل حل مشاكل أربيل وبغداد، والأوضاع السياسية للعراق وإقليم كردستان. وخلال تلك الزيارة اشاد بارزاني باتفاق رواتب الإقليم مع السوداني ووصفه بانه “جيد للغاية”، لكنه اعلن ايضا أن مسألة تصدير نفط الإقليم لا تزال عالقة وأنها تحتاج لمناقشات طويلة معربا عن أمله في التوصل إلى نتيجة لان الميزانية العراقية لحقت بها خسائر وصلت الى 7 مليارات دولار بسبب تعليق الصادرات.

لكن بارزاني قال ايضا انه حاول “وضع آلية لكي نتمكن من الاستمرار بعقد هذه الاجتماعات حتى يمكن مناقشة المشاكل الحالية في مكان واحد وإيجاد الحلول لها”.

قبلها كان رئيس الاقليم في بغداد في يناير/ كانون الثاني حيث شارك في مراسيم يوم الشهيد العراقي، واجرى مجموعة من الاجتماعات مع جميع الجهات السياسية العراقية، في وقت كان هناك استنكار واسع في الاقليم من الهجمات بالمسيرات التي تستهدف قاعدة حرير بالقرب من اربيل. وقال بارزاني وقتها “إننا نعيش على هذه الجغرافيا فمن الطبيعي أن نزور بغداد ونناقش المشكلات الموجودة ونحاول حلها”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here