محمد دبدب .. صوتٌ نشاز من كهف الماضي.

رحمن خضير عباس
في هذه الأيام القلقة والحائرة والمشحونة بالحرائق والكذب والفساد. يخرج لنا صوت من الماضي. وكأنه قد استيقظ من سباته ( القومي، الوحدوي، الثوري)
كان ضيفا على عدد من الفضائيات العراقية ، ومنها قناة آور. وقد قابله شخص إعلامي يُدعى ضياء الكواز. وأقول قابله ولم يحاوره لانه ترك هذا الضيف يثرثر في كل شيء ، سوى الإجابة على الأسئلة المطروحة.
وقد بدأ الإعلامي بفتح فيلم قديم لصدام في قاعة الخلد وكيف ( حكم وحاكم ) بعض رفاقه من البعثيين وهم رفاق محمد دبدب نفسه. واتهمهم صدام بالخيانة العظمى التي عبّر عنها بقوله: ( سنعالجها بحد السيف).
وقد انقضّ قطيع حمايات صدام على الذين ذُكِرَت أسماؤهم. فجرّوهم أمام أنظار العالم ( وأنظار الضيف أيضا ) إلى مجاهيل التعذيب والموت.
وكنا ننتظر منه أن يتحدث عن هذه اللحظة ، التي رأيناه فيها وهو يرتعد من الخوف ، ويصرخ كطفل مفزوع. غير أن صدام طمأنه قائلا:(محمد اگعد ماگدروا يوصلولك).
أما جوابه على السؤال فلا يتعلق بالسؤال !
فقد تحدث بإسهاب عن المركزية الحزبية وقوانينها. وعن تبليغه قبل يومين، دون سواه عن قيام (ثورة٦٨) وعن زيارته للسامرائي وعن انشقاقات الحزب الشيوعي ،وتحدث عن صراع القطبين والإمبريالية، والحرب الباردة. تحدث عن كل ذلك ، ولكنه لم يتحدث عن قتل رفاقه وتعذيبهم، واتهامهم من قبل شخص ، لا يمثل القضاء وهو مجرد أمين عام للحزب ! أعني صدام الذي اتهمهم وأكّد جرمهم ونطق بإعدامهم أمام الجميع. ومحمد دبدب يعلم قبل غيره أن ليس هناك مؤامرة. وإنما مجرد تساؤلات هامسة من قبل هؤلاء عن موضوع خلافة البكر. والتي يجب أنْ تتم عبر الانتخابات الحزبية.
وحينما سأله الإعلامي عن سبب المؤتمر.
لم يجب على السؤال وإنما تحدث عن زيارته المتكررة لسوريا ، وكيف علم بان الصهيونية لا تسمح بقيام وحدة عربية بين سوريا والعراق ! وتحدث عن التطور النوعي، واعداء الأمة، والتخريب وإسرائيل. تحدث عن كل ذلك ،ولكنه لم يجب على السؤال ، لماذا كان المؤتمرالحزبي.
وكذلك عن اقالة البكر وإزاحته فقد ثرثر الضيف ، عن تاريخ البكر ووفاة ابنه محمد ،وعن الفرق بين العميل والمناضل، وتحدث عن الرجولة وعن أشياء كثيرة. ولكنه لم يقل لنا هل أزاح صدام البكر. أو أنه تنازل بشكل طوعي. ومات بعد فترة قليلة ، بشكل طوعي أيضا!
وحينما اضطرّ الإعلامي ضياء الكواز إلى ارجاع ضيفه إلى فيلم مجزرة رفاقه. فبدلا من أن يتحدث محمد دبدب عن التفاصيل. فانه ذهب للحديث عن وجود الخميني في النجف. وكيف تمّ طرده بعد اتفاق الجزائر ،وعن شاه إيران ،وشرطي الخليج ، وعن رجال الدين في إيران وكيف تم ( حجَرهم ويريد حجْرهم) وعن أفول الاتحاد السوفيتي ،وصراع الفرس مع العرب!
وكذلك كان طريقة حديثه عن قاتل محمد صادق الصدر. فكان يزوغ كالزئبق، متهما إيران ومتحدثا عن الصراع على السلطة …إلخ
وكذلك حينما تعرض إلى ذكر بعض الاسماء والصور التي عرضها له الإعلامي وطلب منه أن يبين رأيه. فقد كان كلامه أبعد من جوهر الجواب .
لقد شعرتُ بالأسى ، وأنا استمع إلى هذا هذا الرجل الفاشل والمهووس بنفسه.وذلك لأني كنتُ تلميذا في جامعة بغداد حينما كان محمد دبدب رئيسا للإتحاد الوطني. وكان شخصا مستبدا وهوومهووسا بالسلطة. وكانت أوامره بالتصدي للقوى التقدمية في الجامعات من اجل تحويلهم إلى بعثيين بشكل طوعي أو قسري.
وخرجتُ باستنتاج مفاده : إن هذه الزمرة الأمية ( زمرة محمد دبدب) التي وصلت إلى السلطة بالعنف والانقلاب والتي رفعت شعار ( جئنا لنبقى) ، هي التي قادت العراق إلى هذه النتيجة المؤلمة التي وصل اليها. حيث كانوا يدعون إلى الوحدة وهم بعيدون عنها. وعن الحرية وهم يكتمون صدور الشعب بقوانينهم الجائرة. وعن اشتراكية مشوّهة. وشعاراتهم وأسلوبهم البلطجي ، أغرق العراق في حروب ومغامرات وحصار. ثم غزو أمريكي. والأنكى من ذلك صعود زمر مماثلة لهم ، من احزاب لبست رداء الدين وأوصلت البلد إلى الهاوية. أحزاب سرقت الأخضر واليابس. وجعلت الناس يعيدون بعض الاعتبار لمرحلة حكم البعثيين.
كان على محمد دبدب أن ينظر إلى ماضيه بنوع من التأمل والتفكر بعد هذا المخاض العنيف. حيث كانت سياسة قائده الضرورة قد أودت ببلادنا في مخاطر حقيقية. كنتُ أعتقد أنه يعتذر- على الأقل – لأرواح رفاقه الذين تمّ الفتك بهم في جلسة قاعة الخلد ، وسط دموع فرحه وهتافاته بحياة الجلاد ،
كنت أعتقد بأنه يرحم روح رفاقه الذين تمت تصفيتهم تحت التعذيب ومنهم محيي عبد الحسين وعدنان وعياش ومحجوب. وغيرهم ،ومحاولة تنقية الذات والتنصل من قتلهم. ولكن الزمن وتبدل الأحوال لم يستطع أنْ يغيّر جلد محمد دبدب. وظل يعتقد بأنه على حق رغم الخرابب ، وبقيَ يثرثر حول مواضيع حفظها عن ظهر قلب كتلميذ فاشل.
كان عليه أن يتطهر من رجس الماضي ، وظلمه وقسوته وأخطائه. ولكن .
لا أمل لمثل محمد دبدب أن يكون إنسانا .
وكما يقول برشت : ” لا أمل للدجاجة أن يكون لها أسنان”

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here