الدوغماتية الثقافية!!

الدوغماتية تعني إمتلاك الحقيقة المطلقة , أو التزمتية الصارمة , ومن المعروف أن الحركات الأصولية الدينية توصف بها , لأنها تحسب ربها هو الرب ودينها هو الدين , وما عدا ذلك ضلال وبهتان , وتبيح لنفسها فرض ما تعتقده على الآخرين.

وكأنها وهمٌ إذ يتمسك المصابون بها بما يرونه , ولا يأبهون بالأدلة والبراهين الواضحة الداحضة لتصوراتهم.

ويبدو أنها حالة متصلة بالسلوك البشري , فعندما يتعلق الأمر بالمعرفة والدراية , نجد نسبة من المثقفين يميلون إلى وهم إمتلاك المعرفة والدراية , والتمسك بنمطية راسخة في أذهانهم مفادها ” أنا أدري وأنت لا تدري ” , ” أنا أرى وأنت لا ترى” !!

وهذه العاهة السلوكية التي تنفي النسبية المعرفية , هي من المعوقات الأساسية أمام صناعة التيار الثقافي القادر على التأثير والتغيير , مما يدفع إلى التنخوب (من النخبة) , أو إن شئت (الخواص) , وهي ذات النمطية الثنائية التدميرية التي مضى على نهجها المتاجرون بالدين في مسيرة الأمة , فهم يرون أن الأمة (عوام) وهم الكثرة و (خواص) وهم القلة الذين يحتكرون المعرفة والعلوم , ويفرضون على العوام الجهل والأمية , ويقررون ما يجب أن يعرفون وما لا يعرفون , لأن المعرفة تفسد رؤوسهم وتبعدهم عن صراط التبعية , والإنقياد للقِوى الدينية المنتفعة من عطايا الكرسي المنان.

أي أن نمطية تلك الرؤوس تتأكد في بعض الرؤوس المثقفة , فهي تتباهى بأنها (نخبة) , وإنتاجها لا يصلح إلا للنخبة , أما العوام فعليهم أن يتنعموا بجهلهم وأميتهم الشاملة , وبهذا فأن بعض المثقفين يساهمون في تأكيد دور القِوى الدينية المضللة والمدمرة للوعي الجمعي , وهم يقومون بذلك عن قصد أو غيره , لكن رسالتهم التجهيلية للناس ماضية ولها تأثيراتها وتداعياتها.

وهذا يفسر فشل المثقفين في المساهمة بالإرتقاء بالواقع الذي ينشطون فيه , بل أن الأمية تتناسب طرديا مع زيادة عدد المثقفين , مثلما هو الحال مع زيادة عدد القٍوى المتاجرة بدين , مما يعني أن بعض المثقفين ربما يترجمون إرادة تلك القِوى الفاعلة في المجتمع , وأنهم يتبعون أجندتها ويؤكدون دوغماتيتها.

وكأن المجتمع يعيش تحت مطرقة القٍوى الدينية المتاجرة بدين وسندان بعض المثقفين المتوهمين بالمعرفة , وأنهم النخبة , وغيرهم من العوام الذين يستحقون حياة القطيع والتبعية وتعطيل العقل , فالتفكير عليهم حرام , والسؤال جريمة وعدوان , والببغاوية والتلقين الإستعبادي هو الدين , ولا سواه دين.

فلماذا لا يراجع المثقفون الدوغماتيون نمطيات تفكيرهم وينورون عقولهم , بدلا من التيقن بأنهم منبع النور وما أناروا ظلمات الرؤوس والنفوس؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here