صدام حسين يعود للفصل بين العرب والاكراد

مصطفى حبيب

بعدما كان الصراع في العراق مذهبياً بين السنة والشيعة، تحول الصراع للمرة الأولى منذ 14 عاما إلى قومي هذه المرة بين العرب والكرد على خلفية أزمة استفتاء إقليم كردستان، حتى ان صدام حسين تحول الى بطل لذلك الصراع.

“عاجل..سيوجه رئيس جمهورية العراق صدام حسين إلى الشعب العراقي خطابا قوميا مساء هذا اليوم بخصوص استفتاء إقليم كردستان، فلذلك نسترعي الانتباه”، بهذه العبارة المتهكمة والتي لا تخلو من رسالة سياسية اختارت إحدى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي على “فيسبوك” عنوانا لأحد منشوراتها مع صورة لصدام حسين تعليقا على قرار استفتاء اقليم كردستان.

بعد ساعات قلائل على تنظيم حكومة اقليم كردستان استفتاء الاستقلال عن العراق في 25 من الشهر الماضي، تصاعدت لهجة الصراع القومي بين العرب والكرد في ظاهرة هي الأولى من نوعها في بلد مزقته الصراعات المذهبية والدينية على مدى الأعوام الماضية.

نتائج الاستفتاء التي اعلنتها السلطات في اقليم كردستان أشارت الى مشاركة أكثر من 4 ملايين كردي، ونسبة الذين صوتوا بـ “نعم” بلغت 92%، فيما بلغت نسبة التصويت بـ “لا” 7. %، واجري الاستفتاء في اجواء محلية وإقليمية ودولية مشحونة إذ أبدت غالبية الدول تحفظها على الاستفتاء.

أصداء الحدث كانت واسعة بلا شك، فبينما كان العراقيون منشغلين طيلة الشهور الماضية بالحرب ضد تنظيم “داعش”، ولكن الاستفتاء كان في المرتبة الأولى على قائمة اهتماماتهم، حتى ان المعركة التي تخوضها قوات الامن العراقية لاستعادة السيطرة على بلدة الحويجة جنوب كركوك والتي تجري بالتزامن مع الاستفتاء لم تحصل على الانتباه مقارنة بالمعارك السابقة في الموصل والفلوجة والرمادي وتكريت.

ميدان الصراع القومي الجديد أصبح مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا “فيسبوك” الموقع الأكثر شعبية بين العراقيين، وكان بطل هذا الصراع الرئيس السابق صدام حسين بلا منازع، فالنظام العراقي قبل عام 2003 كان من اشد الأنظمة التي تعاقبت على العراق قسوة ضد الكرد شمال البلاد.

وما زالت مجزرة قصف بلدة حلبجة شمال السليمانية بالسلاح الكيمياوي في ثمانينات القرن الماضي واسفرت عن قتل نحو خمسة آلاف كردي، والعمليات العسكرية المعروفة باسم “الأنفال” ضد الكرد في المرحلة نفسها عالقة في أذهان الكثير من العراقيين الذين عايشوا تلك الأيام، ولكن المفارقة أن من يمتدح صدام حسين هذه الأيام بسبب موقفه من الكرد هم المراهقون ممن لم يعيشوا تلك الايام بل ان الكثير منهم لم يختبر نظام صدام حسين لأنهم ولدوا بعد سقوطه في 2003.

معارك كلامية حادة تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام، فالعراقيون الرافضون للاستفتاء استعانوا بمقولات للرئيس صدام حسين مناهضة للسياسيين الكرد عبر مقاطع فيديو ارشيفية تعود الى عقود مضت، في المقابل استعان الكرد المؤيدون للاستفتاء بهذه المقولات للدفاع عن موقفهم ضد نظام صدام حسين الذي حاربهم طيلة سنوات واعتبروها مبررا لانفصالهم عن العراق.

تعلّق معاون عميد كلية الإعلام في جامعة بغداد إرادة الجبوري على ظاهرة الصراع القومي الجديد بالقول: “المفارقة ان الذين يمتدحون ويذمون نظام صدام حسين في المدة الأخيرة لم يعايشوا ذلك النظام، فغالبية مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من فئة الشباب والمراهقين الذين ولدوا بعد عام 2003 او قبلها بسنوات قليلة، والسبب في ذلك مخاطر الأيدلوجية والعقائد الدينية المرتبطة بالعواطف أكثر من التفكير المنطقي”.

وتضيف الجبوري في حديث مع “نقاش” ان “السياسيين يساهمون في تأجيج هذه العواطف لخلق مشاعر سلبية مستغلين الجهل، هناك فكرة قائمة منذ عقود على خلق عدو دائم لإشغال المواطنين عن القضايا الاساسية مثل توفير الأمن والخدمات والحد من الفساد”.

وتشير الجبوري ايضا الى الدور الذي تلعبه ظاهرة “الجيوش الالكترونية” التي تدير العشرات من الصفحات على مواقع التواصل عبر خبراء يعرفون كيفية التلاعب بالرأي العام عبر نشر صور ومقاطع فيديو معينة في اوقات محددة، في الايام القليلة الماضية كان التركيز على الصراع القومي ولهذا شاهدنا صور ومقولات صدام حسين منتشرة”.

ومثلا نشرت صفحة “خبرني” على “فيسبوك” مقطع فيديو يعود الى سبعينات القرن الماضي يتضمن حديثا لصدام حسين يرفض فيه طموحات الكرد بالاستقلال، بينما نشرت صفحة “المنبطحين” حديثا آخر لصدام حسين في تسعينات القرن الماضي يهاجم فيها السياسيين الكرد، واختارت صفحة عراقية تحمل اسم “الملتقى العراقي الاسترالي” مقطع فيديو لإحدى زيارات صدام حسين لاقليم كردستان في ثمانينات القرن الماضي.

في المقابل نشرت صفحات كردية على “فيسبوك” صورا لنازحين كرد تعود الى تسعينات القرن الماضي هاربين الى الجبال بسبب العمليات العسكرية التي قادها نظام صدام حسين شمال البلاد، وانتشرت منشورات عديدة تقول ان الحكومة العراقية الحالية لا تختلف كثيرا عن نظام الرئيس السابق صدام حسين.

اضافة الى صور وأحاديث صدام حسين التي طغت على صفحات التواصل الاجتماعي، انتشرت ايضا أغان وطنية تعود الى حقبة قبل العام 2003 كان قد نسيها العراقيون في الآونة الاخيرة، ومن ابرز تلك الأغاني أغنية تمتدح صدام حسين باللغة الكردية روج لها معارضو الاستفتاء.

المثير في الظاهرة الجديدة التفاعل الكبير الذي نالته هذه المنشورات عبر آلاف التعليقات وتتضمن حربا كلامية لا تخلو من السب والشتائم المتبادلة بين المؤيدين والمعارضين للاستفتاء، وادوات هذه الحرب كانت صورا ومقولات ومنشورات لصدام حسين.

وعلى الرغم من أن موقع “تويتر” اقل شعبية بين العراقيين الا انه أيضاً لم يخلُ من الحرب الكلامية، فأطلق العديد من رواد الموقع هاشتاك باسم صدام حسين في التعبير عن رفضهم للاستفتاء، ولكن مجرد ذكر اسم صدام حسين يفتح معارك كلامية وخطاب كراهية لا ينتهي.

الباحث الاجتماعي سمير الشيخلي يقول لـ “نقاش” ان “مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت عاملا في خلق الكراهية بين العراقيين بسبب الجهل، فالصور والاخبار الكاذبة التي تنشر على مواقع التواصل لا تخضع لمراقبة رسمية، كما لا يمتلك المواطنون ثقافة كافية تساعدهم على التأكد من صحتها، وان هدف بعض الصفحات ليس الحقيقة وانما البحث عن اي شيء يدعم رأيها في القضايا السياسية والاجتماعية”.

ويضيف الشيخلي “منذ سنوات كان الصراع مذهبياً ويتبادل السنة والشيعة الاتهامات، ولكن الانتصارات التي حققتها قوات الامن العراقية على المتطرفين ساهمت في تخفيف ذلك الصراع، ليظهر لنا صراع جديد ولكن هذه المرة قومي، وهو انعكاس للواقع السياسي، فالسياسيون السنة والشيعة هذه المرة متوحدون ضد قضية الاستفتاء، بينما في السابق كان هناك تحالف بين السياسيين الشيعة والكرد ضد السياسيين السنة”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here