معركة كركوك أحيت الصور القديمة

هستيار قادر

لم يصل عدد الصور والفيديوهات الزائفة في الصراعات بين العراقيين يوما الى تلك التي نشرت خلال الأسبوع الماضي على مواقع التواصل الاجتماعي إذ تجاوزت أعدادها هذه المرة المئات من الصور والفيديوهات.

منذ بدء الخلافات والتحشيدات العسكرية بين بغداد والإقليم في السادس عشر من الشهر الحالي ومناصرو الطرفين المتصارعين ينشرون على مواقع التواصل الاجتماعي كل صورة تخص حروب سوريا وليبيا والعراق خلال الأعوام الستة الماضية على انها صور لمعركة كركوك.

وتبلغ اعداد الصور والفيديوهات المئات، وقد تحققت “نقاش” من بعضها للاستيضاح وبينت حقيقتها، فبعد دخول الجيش العراقي والحشد الشعبي الى محافظة كركوك وقعت اول مواجهة عنيفة بين البيشمركة والجيش قرب ناحية بردي – آلتون كوبري – (بين كركوك واربيل) ولم تعرف حتى الآن أعداد الضحايا من الجانبين في تلك المعركة الا انها حسب مواقع التواصل الاجتماعي تجاوزت الآلاف.

بعض تلك الصور التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي في كردستان كانت صورا لعدد من المركبات العسكرية المدمرة مع عدد من القتلى وقد كتب عليها انها مركبات تابعة للحشد الشعبي تم إحراقها والقتلى ايضا هم من الحشد الشعبي قتلوا على يد البيشمركة.

في الحقيقة كانت صور المركبات المحترقة موجودة اصلا على الانترنيت منذ عام 2015 تحت اسم “احراق مركبات الجيش السعودي في اليمن” اما صور القتلى فقد نشرت أيضا قبل عام من ذلك، مرة تحت اسم “داعش في الفلوجة” ومرة اخرى تحت اسم “الحشد الشعبي في الموصل” ومن الواضح ان ايا من مكان الصور وتوقيتها لم يكن يخص المعارك الأخيرة.

وقد نشرت المئات من الصور الاخرى المشابهة حول تلك المعركة دون ان تكون أيّ منها صحيحة، وربما كانت أكثرها هزلية هي صورة لمارك زوكربيرغ صاحب فيس بوك وهو يحمل ورقة بيده ويدعو الناس إلى دعم مسعود بارزاني والقيام بتظاهرات لا سيما وان مسعود بارزاني قد دعا هذا الاسبوع في رسالة الجالية الكردية في الخارج الى التظاهر دعما لكردستان.

صورة زوكربيرغ التي نشرتها صفحة تسمى (كردستان حدث 24) ثم أخذتها منها عدة صفحات أخرى تعود في الحقيقة الى عام 2016 وتتعلق بخدمة البث المباشر لفيس بوك التي تم إطلاقها من محطة فضاء للتواصل مع رواد الفضاء.

وبالاضافة الى نشر المئات من الصور والفيديوهات الزائفة من قبل طرفي الصراع، كان جزء آخر يهتم بإطلاق الشائعات والأخبار المزيفة، وكانت إحدى الشائعات المنتشرة جدا على مواقع التواصل الاجتماعي في كردستان هو مقتل “ابو عزرائيل” القائد البارز في الحشد الشعبي، حتى ان بعضا من القنوات الإعلامية الرسمية تحدثت عن الأمر بحرارة الى ان نشر بنفسه فيديو كذب فيه الخبر.

وتكمن المشكلة الرئيسية لهذه الصور والفيديوهات في أنها بالإضافة الى نشرها الحقد والكراهية ستكون سببا لتشويه نفسية الناس بل وحتى التأثير المباشر على القوات المقاتلة، وقد اعترف قادة البيشمركة بذلك اكثر من مرة.

وقال هلكورد حكمت مدير الاعلام والتوعية الوطنية في وزارة البيشمركة لحكومة اقليم كردستان لـ”نقاش”: “نحن متأكدون من ان تلك الصور والفيديوهات ستؤثر على نفسية الناس”.

واضاف: “لا علاقة لنا بنشر الصور والاخبار المزيفة فالمواطنون هم الذين يقومون بذلك، اما في ما يخص الصور التي نشرت حول البيشمركة فسنحقق فيها”.

ومن الصحيح انه قد لا تكون للبيشمركة يد في نشر تلك الصور والفيديوهات ولكن يبدو انه ليست هناك ضوابط عسكرية متبعة في جبهات القتال، فهناك العشرات من عناصر البيشمركة وهم يصورون المعارك عبر هواتفهم المحمولة ثم يقومون بنشرها، وفي تطور غريب فتح احد عناصر البيشمركة البث المباشر للفيس بوك اثناء إطلاقه النار من دوشكا في خضم القتال كما كان يرد على التعليقات أيضاً.

ومثلما هناك قتال في الجبهات يجري عبر استخدام الرصاص، فان هناك ايضا حرب الصور والفيديوهات مستمرة في الجهتين اذ نشر من يدعمون الحشد الشعبي والجيش العديد من الصور والفيديوهات الزائفة على انها للبيشمركة.

احدى اشهر تلك الصور كانت صورة لعدد من القتلى وضعوا في ظهر سيارة بيك آب وقد اعادت العشرات من الصفحات نشرها، مرة يقولون انها في كركوك ومرة اخرى يقولون إنها في بردي.

ولكن الحقيقة هي ان الصورة تعود لما قبل اربع سنوات والقتلى هم جنود الجيش السوري وليس البيشمركة.

ولم تكن تلك الصورة الوحيدة بل كان هناك المزيد وتظهر كل يوم واحدة جديدة، وقد انتشر اثنان من الفيديوهات اكثر من غيرها.

ويظهر احد المقاطع الفيديوية توجه قوة كبيرة من الجيش العراقي والحشد الشعبي من كركوك الى مناطق كردستان الاخرى، ولكن الفيديو في الحقيقة يعود الى ما قبل عام في الموصل.

أما الفيديو الآخر الذي نشرته اكثر من 20 من الصفحات العربية المعروفة وبعض القنوات الاعلامية الرسمية فكان يدعي ان البيشمركة تفجر الجسر الذي يربط اربيل بكركوك في بردي لمنع تقدم الحشد الشعبي، ولكن في الحقيقة يعود الفيديو الى عام 2012 والموقع هو في أميركا وليس كردستان.

واعترف كريم النوري المتحدث باسم هيئة الحشد الشعبي بأنه تم استغلال الوضع لنشر تلك الصور من قبل الجانبين وهي غير حقيقية وقال: “ادى ذلك الى ازدياد التوتر واشتداد القتال بيننا وفي الوقت نفسه زرع الخوف والقلق بين المواطنين في الجانبين وهربوا من منازلهم”.

وقال النوري لـ”نقاش”: “لقد اخذت الصور الكاذبة والاعلام المضاد والفوتوشوب مكانها بسبب توتر الاوضاع كما زاد الفراغ الذي أحدثه تباعد الجانبين من تأثير هذه الخطوة، يجب إيقاف هذا الامر من قبل الطرفين”.

المسؤول في الحشد الشعبي ذكر مثالا على ذلك حين تم نشر صورة لخالد شواني النائب السابق في البرلمان العراقي مع نجم الدين كريم محافظ كركوك المقال على إنهما يقاتلان ضد الجيش العراقي في بردي، كانوا وقتها يشاركان معا في اجتماع، والحقيقة ان الصورة تعود الى عام 2015 خلال الحرب ضد داعش.

وتنتشر الصور والفيديوهات الزائفة اثناء الأوضاع المتوترة بسرعة غريبة لأنها قد تشبع رغبة الانفعال والغضب لدى الناس وكذلك تحقق هدف من يقفون وراءها.

ويرى د. هاشم حسن عميد كلية الاعلام في جامعة بغداد ان أول من ينشر الصور يقوم بذلك متعمدا ويقوم الآخرون بنقلها دون تفكير وقد تحول ذلك الى جزء من حرب نفسية بهدف الدعاية وانهيار معنويات القوات المقابلة.

وقال حسن لـ”نقاش”: “ان سرعة نقل تلك الصور كحقائق له علاقة بقلة الوعي للأشخاص وتكون نتيجتها ازدياد الكراهية”.

على الرغم من ان هذه الصور ستحدث تأثيرات كبيرة على مسار الخلافات وسيصدقها الكثيرون، الا ان ما تغير مؤخرا هو ان هناك الكثيرين من المتلقين العاديين لا يؤمنون بصحة الصور والفيديوهات ويكشفون عن الحقائق من صفحاتهم مباشرة، غير ان الصور الحقيقية لا تلقى رواجا بقدر الزائفة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here