بوادر تفاهم بين بغداد وأربيل ..لجنة مشتركة لمعالجة الخلافات

بغداد ـ السليمانية:
كشف مصدر مطلع في «التحالف الوطني» الشيعي عن احتمال التوصل إلى حل للأزمة بين بغداد وإقليم كردستان في «القريب العاجل»، خصوصا بعد المرونة التي أبداها طرفا الأزمة في الآونة الأخيرة.
وقال المصدر، الذي فضّل عدم كشف هويته لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجانبين بصدد تشكيل لجنة من سبعة أعضاء، خمسة منهم من بغداد وشخصيتان كرديتان، مهمتها مراجعة جميع الملفات الخلافية بين الطرفين».
وأشار المصدر إلى أن «اللجنة ستقوم بعملية بحث دقيقة للملفات السياسية والاقتصادية وقضايا الحدود والمطارات، وأتوقع أن يثمر عملها حلا قريبا للأزمة بين بغداد وأربيل».
ويأتي ذلك، في ظل تضارب الأنباء بين بغداد وأربيل بشأن قبول الأخيرة تسليم المنافذ البرية والمطارات والجمارك إلى الحكومة الاتحادية، وهي مطالب أصرّت حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي على قبول الإقليم بها باعتبارها شرطا للتفاوض منذ اندلاع أزمة استفتاء الاستقلال في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وفي وقت أشار فيه مقرب من العبادي إلى قبول الإقليم بتسليم إدارة الحدود والجمارك والمطارات إلى بغداد، نفى المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان سفين دزيي، في تصريحات صحافية ذلك، لكنه ذكر أن «الحديث جار عن إدارتها بشكل مشترك». وكتب المقرب من حكومة العبادي رئيس «مركز التفكير السياسي»، إحسان الشمري، أمس، عبر مدونته في «فيسبوك»، أن مجمل ما حدث في الفترة الأخيرة، إلى جانب «الارتباك الداخلي وأزمة الرواتب» في الإقليم دفع باتجاه اتخاذ مجموعة قرارات، منها «تسلم الحدود الدولية مع تركيا وإيران، وتشكيل اللجنة العليا لتنظيم عمل المنافذ البرية والجمارك والمطارات». وكشف عن أن اللجنة «وضعت أوراق عمل وفق الدستور العراقي والصلاحيات الاتحادية للحكومة، وهي بانتظار وفد الإقليم الفني».
وأشار الشمري إلى تشكيل لجنة ثانية لتدقيق أسماء القطاعين التعليمي والصحي في حكومة الإقليم وتوزيع رواتب الموارد المائية، إضافة إلى دعوة المنتسبين الاتحاديين في الإقليم للحضور إلى بغداد والاجتماع بهم، كلٌّ حسب وزارته.
ورغم عدم إصدار حكومة العبادي بيانا يؤكد أو ينفي ما كتبه إحسان الشمري، فإن بعض المصادر الصحافية نقلت عن المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان، سفين دزيي، نفيه موافقة الإقليم على تسليم المعابر الحدودية لبغداد، وأن الحديث جار عن «إدارة المعابر بشكل مشترك». لكن الموقع الإلكتروني لحكومة إقليم كردستان نقل عن دزيي، أمس، بخصوص تصريحات إحسان الشمري، قوله إن «حكومة إقليم كردستان ترحب بأي خطوة إيجابية من أجل وضع حلول للمشكلات العالقة بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية على أساس الدستور». وأشار دزيي إلى ما اعتبرها «مؤشرات وخطوات» أظهرتها بغداد مؤخرا قرأ فيها الإقليم «نوعا من النية الصادقة»، من خلال زيارة وفد من الحكومة العراقية إقليم كردستان، وطلب تشكيل لجنة مشتركة للحوار حول المنافذ الحدودية، والمطارات، وطلب قوائم مرتبات الموظفين في وزارتي الصحة والتربية في إقليم كردستان من قبل الحكومة الاتحادية بغية إرسال رواتبهم.
بدوره، لم يستبعد النائب والمتحدث باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني، ريناس جانو، إمكانية توصل بغداد وأربيل إلى حل قريب للأزمة، في حال أبدت الحكومة الاتحادية بعض المرونة وابتعدت عن «التعنت وسياسة فرض الأمر الواقع»، مؤكدا في حديث لـ«الشرق الأوسط» علمه باتفاق بين بغداد وأربيل على «تشكيل لجنة مشتركة تراعي مصالح الطرفين ومن خلال هذه اللجنة ستأخذ المشكلات طريقها إلى الحل القريب». وأشار جانو إلى أن «إقليم كردستان أعرب عن رغبته في تسهيل الأمور وعلى جميع المستويات وضمنها تسليم المنافذ الحدودية، شرط أن يتم ذلك بطريقة مدنية وليس عسكرية». واعترف بوجود «نمط آخر من الحديث في داخل الإقليم، إذ إنه لا يمانع من حيث المبدأ إشراف الحكومة الاتحادية على المنافذ الحدودية والمطارات، على أن يتم ذلك عبر التفاوض وليس فرض ذلك عبر القوة».
ورغم التضارب في تصريحات المسؤولين في بغداد وأربيل، فإن أغلب التحركات والمؤشرات التي حدثت في غضون الأيام الأخيرة تشير إلى وجود مرونة متبادلة يمكن أن تفضي إلى حل قريب للأزمة.
من جهة ثانية أعادت إيران، أمس، فتح آخر منفذين حدوديين مع كردستان العراق أغلقا رداً على استفتاء الاستقلال الذي أجراه الإقليم ورفضته بغداد والدول المجاورة، على ما أفاد مسؤولون.
وأعلنت القنصلية الإيرانية في أربيل عاصمة الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ عام 1991 استئناف العمل في منفذي برويزخان وحاج عمران اعتباراً من «الثلاثاء». ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن آرام سايخان، المتحدث باسم السلطات الكردية في برويزخان، قوله: «أعيد فتح المنفذ رسمياً الساعة التاسعة صباحا بالتوقيت المحلي (6,00 ت غ)» بعد تلقي إخطار من السلطات الإيرانية. وباستئناف العمل في المنفذين الحدوديين تصبح جميع المنافذ الحدودية بين إيران وكردستان العراق مفتوحة بعد استئناف العمل في منفذ باشماخ في 6 أكتوبر (تشرين الأول) الفائت.
وكانت طهران أعلنت في 18 ديسمبر (كانون الأول) أنها ستعيد فتح كل المنافذ الحدودية مع كردستان العراق دون أن تحدد موعدا محددا. وصوّت الأكراد بشكل كاسح لمصلحة إعلان استقلال الإقليم في استفتاء غير ملزم في سبتمبر (أيلول)، لكن الحكومة المركزية في بغداد عدّت الاستفتاء غير دستوري. وأدانت إيران وتركيا أيضا الاستفتاء خشية أن يؤدي لإثارة مطالب مماثلة من الأكراد الموجودين على أراضيهما.
وإثر الاستفتاء، تحركت بغداد لعزل الإقليم، وفرضت حظرا على الرحلات الدولية، فيما حثت دول الجوار على قطع العلاقات مع الإقليم. واستعادت القوات الاتحادية العراقية السيطرة على مناطق متنازع عليها سيطر عليها الأكراد خلال الفترة التي أعقبت هجمات تنظيم داعش في يونيو (حزيران) 2014، وتقدمت القوات العراقية وسيطرت بسرعة على حقول النفط وأكبر قاعدة عسكرية في كركوك، وانسحب الأكراد من مواقعهم دون مقاومة.
ويشكل وقف الرحلات الجوية الدولية ضربة لاقتصاد الإقليم الذي كان ينعم باستقرار اقتصادي وأمني في وقت كانت الفوضى تعم باقي أنحاء العراق. وعلى وقع الأزمة السياسية الأخيرة يمر الإقليم بأسوأ أزمة اقتصادية منذ تأسيسه، في وقت بات غارقا في الديون مع انهيار أسعار النفط منذ عام 2014؛ ما أثار مظاهرات غاضبة احتجاجا على الفساد وتردي الأوضاع المعيشية في عدد من مدن الإقليم.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here