الصدريّون يخفّفون “الفيتو” على الأميركان عقب فوز تحالفهم في الانتخابات

ترجمة / حامد أحمد

عُرِف رجل الدين العراقي الشيعي البارز مقتدى الصدر بعدّة كنى وألقاب خلال حياته، منها: زعيم مليشيا، وعدو أميركا، ومحارب الفساد. أما الآن فإنه قد يشار إليه بلقب آخر، هو صانع الملوك كدور جديد سيتولاه في تشكيل الحكومة العراقية القادمة.
واستناداً لنتائج الانتخابات التي أعلنتها مفوضية الانتخابات مساء الإثنين فقد ظهر أن تحالف (سائرون) الذي يقوده الصدر قد حقق فوزا كاسحا في الانتخابات البرلمانية، وهذا سيعطيه دورا رئيسا في اختيار من سيكون رئيس الوزراء القادم.
تحالف سائرون المدعوم من الشيوعيين واليساريين، تقدّم أيضا على كل من كتلة الفتح المؤلفة من قوى الحشد الشعبي بزعامة القيادي في الحشد هادي العامري، وعلى تحالف النصر الذي يترأسه رئيس الوزراء حيدر العبادي المدعوم من أميركا الذي يُنظر إليه على انه الشخص المفضل على نطاق واسع.
وبناءً على ما جاءت به المفوضية فإن نتائج التصويت اكتملت في كل المحافظات ما عدا اثنتين وهما محافظتا دهوك وكركوك اللتان ما تزالان تشهدان خلافات وطعوناً وسط اتهامات بوجود تلاعب وتزوير بنتائج التصويت.
وتبثّ سائرون الآن حياة جديدة لسعي الصدر الطويل بأن يكون لأول مرة شخصية مؤثرة في إحداث تغيير سياسي.
بعد الغزو الاميركي للعراق عام 2003، أصبح الصدر رجل المقاومة للاحتلال الاميركي ووجه أتباعه من مليشيات جيش المهدي بشن هجمات على القوات الاميركية آنذاك، وأثناء ذروة الحرب الطائفية الدموية التي تلت ذلك كان أتباعه متورطين بعمليات قتل مروعة ضد أهل السنّة.
ولكنه تولى خلال السنوات اللاحقة قيادة حملة تهدف الى مكافحة الفساد، وحشد كذلك ضد الهيمنة الاميركية والإيرانية في البلاد. وأصبح شعار”أميركا برّه برّه، إيران برّه برّه”لازمة يرددها أتباعه في كل تجمع.
وعمل خصوم الصدر السياسيين الذين يقودون البلد بشكل كبير على تنحيته جانباً هو وأتباعه، وكذلك فإن الصدر البالغ من العمر 44 عاما رفض بقوة الالتقاء بأي مسؤول أميركي.
الشيخ صلاح العبيدي، الناطق باسم التيار الصدري، قال إن”مقتدى الصدر ليست لديه مشكلة مع مشاريع إعمار تديرها الولايات المتحدة، ولكن أن تكون إدارة شؤون العراق تحت هيمنة أميركيّة فهذا شيء مرفوض.”
في بعض الأحيان أطلق على الصدر لقب (الشخص المتقلّب) لتمكّنه من قراءة الهاجس العام ويؤقلم نفسه معه. كانت رسالته الداعية لمحاربة الفساد هي التي لاقت استجابة الطبقة العامة من العراقيين وأسست لقاعدة عودته الجديدة للمحفل السياسي.
وعانى المواطنون كثيراً من الانقطاع المستمر للطاقة الكهربائية وانعدام الأمن المزمن طوال الخمس عشرة سنة من حكم مسؤولين فاسدين تحولوا إلى أثرياء.
وبحسب مؤشر الشفافية للفساد احتل العراق المرتبة 168 كأكثر البلدان فساداً في العالم ضمن قائمة من 180 دولة. ويحتاج الى مبلغ 88 مليار دولار لإعادة إعمار مناطق دمرتها حرب استمرت أربعة أعوام للقضاء على داعش.
ولا يسعى الصدر للحصول على منصب، وإن معظم مرشحي قائمته لم يتقلدوا أي منصب سابق.
ويقول جاسم الحلفي، 58 عاما، وهو عضو في قيادة الحزب الشيوعي العراقي المنضوي في تحالف سائرون إن”هذا التحالف مناوئ لجميع الكتل السياسية الاخرى التي شكلت من قادة ذوي مصالح سياسية. هذا التحالف بنى من عموم الجماهير، حركة احتجاج ضد الفساد.”
من جانب آخر قال العبيدي، المتحدث باسم التيار الصدري إن”محاربة الفساد هي ليس شعاراً انتخابياً، إنه برنامج. نحن نريد أن نطبّق هذا البرنامج لتحسين الوضع في العراق… إذا نبقى كما كنا فهذا ليس بالأمر الجيد، وان حكومة بدون تغيير تعتبر فاشلة بالنسبة لنا.”
وأضاف العبيدي قائلا إن”التحالف ليس فيه شخصية محددة تسعى لتكون رئيس وزراء ولا أحد آخر فيه يطمح لذلك. الباب مفتوح لجميع المرشحين، هذا يعطينا القدرة على التفاوض للبرنامج الذي نطمح إليه، وليس لمنصب رئاسة الوزارة بالذات.”
الكتلة الفائزة لها الفرصة لتشكيل الحكومة ولكن عليها ضمان موافقة بقية الكتل في البرلمان لتحقيق ذلك، وبإمكانها أيضا تسمية من سيكون رئيسا للوزراء.
كلّ من العبيدي والحلفي يقولان إن تحالفهما يتبنى برنامجاً تكنوقراطياً يخطط للابتعاد عن المحاصصة الطائفية التي ميزت الحكومات السابقة.
النتائج تمثل خيبة أمل بالنسبة لرئيس الوزراء حيدر العبادي الذي قاد البلاد بعد سلفه المالكي لإلحاق الهزيمة بداعش، وقائمته تعتبر الوحيدة التي حوت مرشحين من كل المحافظات. كتلته حققت فوزا في الموصل ولكن جاءت بالترتيب الخامس في بغداد.
انتخابات السبت شهدت أدنى نسبة مشاركين بالتصويت منذ العام 2005 بمعدل 44% فقط من مجموع 24 مليون عراقي لهم الحق بالتصويت.
وقال ريناد منصور، باحث من مركز جاثام هاوس للدراسات في لندن:”بالتاكيد إن حالة العزوف لهذه الانتخابات تعكس الوضع الراهن في العراق. العبادي كان من دفع ثمناً غالياً لهذا الفتور. أما الصدر فكان يتمتع بقاعدة واسعة لم يتمتع بها العبادي، رسائله (العبادي) الوسطية لم تكن كافية لإقناع هؤلاء المصوتين المغرَّر بهم.”

عن: صحيفة”لوس أنجلوس تايمز”

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here