الفيسبوك كمرايا عاكسة لنرجسية مفرطة وعظمة جوفاء !..

بقلم مهدي قاسم

تصلح صفحات التواصل الاجتماعي أن تكون مرآة ساطعة لدواخل
أصحابها، ذخرا زاخرة لدراسات سيكولوجية مختلفة أوجه و جوانب : لكشف ومعرفة ذلك الهوس القهري و الخفي المتأجج نحو مديح و تعظيم وتمجيد ذاتي ليلا ونهارا ، صبحا وعشيا ، يوما بعد يوم على مدار24 ساعة و زيادة عبر شهور و سنين ولكن بلا أي شبع أو اكتفاء ..

فمن خلال هذه الصفحات سيكتشف المرء أنه ليس للوهم سدا
نهائيا أو مدا محدودا ، لأناس يستحمون في بحيرة نرجسيتهم البراقة وينفشون ريشهم الطاوويسية معتقدين أنهم من يجب أن يكون في الواجهة دوما و أبدا ، ومحط أنظار و انتباه و تركيز ..

يلهثون وراء لايك وكلمات إعجاب أو إطراء ، حالهم بذلك
كحال شحاذ جشع وطمّاع عنيد لا يعرف للشبع حدودا رغم حصوله على الكثير، فينتشون حينذاك ، مثل مَن يعّب نفسا عميقة من خشخاشة حشيشة ، ولكن بدلا من الاكتفاء يطالبون بمزيد ومزيد : فالمديح أو الإطراء نفسه قد استحال إلى إدمان شديد ..

يوجد بينهم من يعرض صورته مرتين أو ثلاثا في يوم واحد متباهيا
، متبخترا كطاووس ، وفي أوضاع مختلفة ، وكأني به عارضة أزياء أو ممثلة مسلسلة شعبية ــ من نوع بلدي ــ واسعة الانتشار ..

ومن خلال صفحات التواصل الاجتماعي يمكن أن نعرف و ندرك
كم ميال البعض إلى طاووسية ونرجسية ونجومية بأي شكل من أشكال ، و كأنه يريد أن يعوّض عما فاته من شهرة نجومية لم تُشبع في غابر الأيام ..

في حين أن الروائي و الشاعر و الكاتب يُفترض أن يكون بضد
من النجومية لأنها لن تصلح له وبضد من رسالته ، هذا إذا كانت عنده رسالة ما ..

إلى جانب هذا يجد المرء بعضا من هؤلاء ” النرجسيين ” لا
يعجبه عجب ، فالنسبة له ما من مبدع خلاّق و عظيم غيره ، كل ذلك ،لأن ما يكتبه يحصد بعض لايكات قد لا تتجوز عشرة أو عشرين لايكا ، وبعضهم الآخر يبتز أصدقائه الفيسبوكيين بأنه سوف يحذف بعضا من قائمة اصدقائه ، بذريعة عدم تفاعلهم مع منشوراته ، يعني لا يعطون دائما
لايكا لما يكتبه !!..

أنه ابتزاز بائس و مبعث على شفقة ..

ذات مرة كتبتُ ما معناه : عندما يقترب العرب من أي منجز
غربي تقني عظيم حتى يدب فيه الفساد والانحطاط ، لأنهم يحولونه أما وسائل نشر أفكار و قيم و عقائد تخريبية و شريرة تلحق الأذى بالناس أو إلى ابتزازلتكسب مالي بوسائل وضيعة ، فضلا عن اختلاق و تلفيق أخبار وفيديوهات مضللة و تسقيطية مقصودة ومفبركة .حتى وصلت قلة الذوق
عند بعضهم إلى حد أخذوا يعرضون الموتى أو المرضى وهم
في أوضاع مزرية في أكبر إعتداء سافر على خصوصية الآخرين

بينما في المجتمعات المتحضرة فعلا ، نجد وسائل التواصل
الاجتماعي تتحول إلى وسائل اتصال لتجمعات بشرية لقيام بأعمال خير و إحسان ، وتنظيف غابات وأنهار وحقول وغيرها من أوجه ونواحي الطبيعة ، طبعا بشكل تطوعي و مجاني بهدف حماية البيئة والحفاظ عليها من أثار التلوث و التصحر، و كذلك مساعدة المحتاجين ، أو تعميم خبر ــ
لغرض الإطلاع ــ عن إقامة حفلات ترفيهية ، و ترويج لمسرحية أو فيلم و أوبرا تعرض لأول مرة ، فضلا عن ندوات ومحاضرات و أنشطة اجتماعية وفنية أخرى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here