السعودية تعترف بضعفها ومستعدة للحديث مع العدو الايراني

هآرتس – بقلم تسفي برئيل – 4/10/2019

رئيس حكومة العراق عادل عبد المهدي لم يكد يفتح حقائبه بعد أن في الشهر الماضي من زيارته للصين وسارع للطيران الى جدة من أجل اللقاء مع وليالعهد محمد بن سلمان. إن الاستعجال في الزيارة في 25 سبتمبر بعد 10 أيام من العملية في منشآت النفط السعودية مرتبط كما يبدو بالتقارير وللتقديرات من أن الصواريخ والطائرات بدون طيار التي شاركت في الهجوم خرجت من قاعدة للحرس الثوري الايراني او لميليشيات شيعية على الأراضي العراقية. وسائل اعلام عراقية استندت الى معلومات من مكتب عبد المهدي ابلغت حينئذ لأن رئيس الحكومة خشي من اندلاع حرب جديدة في المنطقة والذي من شأن العراق فيها أن تكون هدف وسارع لمحاولة التوسط بين ايران و السعودية و ربما حتى لتنظيم لقاء في بغداد بين بن سلمان و الرئيس حسن روحاني.

على ما يبدو بدت هذه المبادرة كمبادرة غير واقعية حيث أنه فقط قبل شهرين من ذلك اقترح الرئيس العراقي صالح برهم مبادرة مشابهة رفضها السعوديون. ولكن في هذه الآن تغير الظروف. إن ادلاع حرب ضد العراق أو على ارضها ضد القوات المؤيدة لايران هي الشيء الاخير الئي يحتاجه رئيس حكومة العراق الغارق في الايام الاخيرة في صراع عنيف ضد آلاف المتظاهرين الذين يطالبون باقصائه على خلفية الازمة الاقتصادية التي تسود الدولة. المتظاهرون لا يكتفون فقط باسماع شعارات ضد نظام الحكم الفاسد و هدر الاموال الضخم. هم أيضاً يطالبون بابعاد الوجود الايراني عن أراضي العراق و حل الميليشات الشيعية العاملة تحت الحماية العسكرية الايرانية وبالمقابل تحظى بتمويل عراقي.

من ناحية السعودية فإن العصيان المدني في العراق يبدو كفرصة لتعزيز نفوذها في الدولة المجاورة. علاقاتها مع الحكومة العراقية حدث بها هذا العام انعطاف هام عندما سمح بن سلمان للمرة الأولى بفتح المعبر الحدودي ما بين الدولتين وتعهد بأن يستثمر في البنية التحتية للكهرباء في العراق. السعوديةليست غارقة في وهم أن العراق تستطيع أو توافق على الانفصال عن ايران وجعل ايرانتسحب قواتها من أراضيها.

بين العراق وايران هنالك تجرة بحجم حوالي 12 مليار دولار. بغداد تعتمد على تزويد الكهرباء والغاز الايراني وكلا الدولتين تجريان علاقات دينية يستند الى الهوية الشيعية لهنّ ولكن يبدو أن السعودية أصبحت تدرك أنه في الصراع على الهيمنة الاقليمية فإن وضعها متدني، والآن هي تتوجه الى استراتيجية جديدة تكتفي بشراء نفوذ وإمكانية وصول من أجل موازنة النفوذ الايراني. كجزء من هذه الاستراتيجية أعلن بن سلمان للمرة الاولى في مقابلة شبكة “سي بي إس” أن المشاكل مع ايران ومسألة أمن الملاحة في الخليج لا يمكن أن تحل بوسائل عسكرية وأنه يؤيد حلاً دبلوماسياً.

هذه الأقوال والتي استقبلت بالترحاب في ايران وحظيت بالثناء، ليست وحياً سماوياً هبط على بن سلمان. إن مهاجمة منشآت النفط أثبت بصورة محرجة الضعف العسكري للسعودية ودرجة هشاشتها. بعد ثلاثة اسابيع من الهجوم فليس هنالك دليل حقيقي على الطريقة التي نفذ فيها الهجوم، ومن أين خرجت ومن كانت الجهات المباشرة التي شغلت الطائرات بدون طيار وصواريخ الكروز. نظام الدفاع ضد الصواريخ الذي اشترته السعودية بمئات الملايين من الدولارات لم يؤدي دوره، القوى البشرية السعودية غير مؤهلة بما يكفي لمواجهة هجمات من هذا النوع و سلاح الجو السعودي اضطر للاعتماد جزئياً على طيارين باكستانيين حتى في المهام الجارية مثل الحرب في اليمن. خلافاً للادارة الامريكية التي سارعت في القاء التهمة المباشرة على ايران فإن السعودية اقترحت الانتظار الى أن تتضح نتائج التحقيق وفيما بعد اتهمت ايران بمسؤولية عامة، ولكن ليس بتنفيذ الهجوم فعلياً.

لو كان لدى السعودية شكوك فيما يتعلق باستعداد الولايات المتحدة للعمل ضد ايران، وهذه تعززت عندما أوضح وزير الخارجية الامريكي “مايك بمبيو” في لقائه مع بن سلمان أن القرار بالرد على ايران سيكون سعودي وليس أمريكي، وأن واشنطن ستكون مستعدة للمساعدة وليس للمحاربة بدلاً من الرياض. رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب أضاف من جانبه أنه اذا احتاجت السعودية لمساعدة فإنه سيكون مستعداً بالطبع أن يمد يده، ولكن المملكة ستضطر للدفع مقابل المساعدة.

الخيار الوحيد

المسار الدبلوماسي تحول الآن الى الخيار الواقعي الوحيد الذي من شأنه أن يرسسم خارطة الشرق الأوسط، ويبدو أن السعودية تتوجه للبحث عن الوسطاء المحتملين وصياغة شروطها للمفاوضات مع ايران. بعد وقت قصير من الاجتماع السنوي للجمعية العمومية للامم المتحدة قال رئيس حكومة باكستان “أمران خان” بأنه تلقى طلباً من بن سلمان ومن الرئيس ترمب لمحاولة التوسط بين السعودية وايران. بموازاة ذلك فقد أورد المتحدث باسم حكومة ايران علي ربيعي أن طهران تلقت رسائل من بن سلمان بواسطة دولة ثالثة دون ذكر اسمها. في حين أن رئيس حكومة باكستان يتحدث عن مهمة الوساطة التي القيت عليه نشر موقع “ميدل ايست آي” في يوم الثلاثاء هذا الاسبوع مقابلة مع عباس حسناوي والذي وصف كشخصية كبيرة في مكتب رئيس حكومة العراق.

في المقابلة كشف حسناوي عن أن (بن سلمان أعطى ضوءاً أخضر لوساطة عراقية مع ايران) وأن رئيس حكومة العراق نقل بين الطرفين شروط كل طرف لاجراء المفاوضات. حسناوي أضاف بأنه في الأيام الاخيرة مكث المستشار العراقي للأمن القومي فالح الفياض في واشنطن من اجل تنسيق مسار المفاوضات. وأضاف بأنه نقل للعراق رسالة تقول (اذا كان هنالك امكانية لصفقة تشمل السعودية ، ايران واليمن والعراق – الولايات المتحدة لن تعارضها). في اليوم التالي لنشر المقابلة، وعلى خلفية الردود الايرانية الايجابية، اعلن رئيس البرلمان الايراني علي لاريجاني “حواراً مباشراً بين ايران والسعودية من شأنه أن يحل مشاكل سياسية وعسكرية عديدة في المنطقة). صحيح انه لايدور الحديث عن موقف ايراني جديد، حيث أن ايران حاولت في السنة الماضية ان

تفحص عدة مرات امكانية المفاوضات مع الرياض- بواسطة عمان و باكستان و كذلك عبر مندوبين اوروبيين- ولكن ازاء الخطاب الاعلامي الذي يدور بين كلا الدولتين، فإن اقوال لاريجاني تكتسب اهمية خاصة.

يفضل ألا نحبس الأنفاس. وزير الخارجية السعودي عادل الجبير سارع لنفي ما نشر وأعلن أن “دول شقيقة (يقصد العراق) حاولت التوصل الى تهدئة وابلغناها أن السعودية تسعى دائماً للأمن والاستقرار في المنطقة”. الجبير وضع ستة شروط لاستعداد السعودية للمفاوضات من بينها “وقف تدخل ايران في شؤون دول أخرى، وقف الدعم لمنظمات الارهاب، التخلي عن سياسة التدمير وزرع النزاعات وتجميد خطة تطوير السلاح النووي وبرنامج الصواريخ البالستية”. ولكن الجبير امتنع عن القول هل هذه شروط مسبقة على ايران تطبيقها قبل أن يكون بالامكان الحديث عن مفاوضات أو أن هذه هي المبادئ التي ستستند اليها السعودية اذا تطورت مفاوضات بينهما. على كل الاحوال يبدو ان السعودية تضع شروطاً ضبابية جداً. والتي توفر لها هامشاً واسعاً للتفسيرات وللتفاهمات العامة. ليس فيها رفض مطلق للمفاوضات ولا تهديدات بهجوم عسكري، ووزير الخارجية ثانية كان حذراً ألا يتهم مباشرةً ايران بمهاجمة منشآت النفط و”فقط” اتهم ايران بتسليح اتباعها بصواريخ تضرب مواطني اليمن وتمس أمن المملكة.

ربما أن احتمالية المفاوضات بين السعودية وايران تكمن بالتحديد في ملف مليء بالاخفاقات السياسية والعسكرية مسجل بإسم بن سلمان- المقاطعة والحصار على قطر التي بادرت بها السعودية، المهزلة في لبنان ، حيث هناك حاول التسبب بإقالة رئيس الجكومة سعد الحريري ، مقتل الصحفي جمال خاشقجي، الذي أدخل السعودية الى مستنقع الدول المنبوذة في الغرب. الفشل العسكري في اليمن وتخلي اتحاد الامارات عن الساحة اليمنية، والآن مهاجمة منشآت النفط. كل هذه تصنف بن سلمان كزعيم فاشل، غير قادر على الدفاع عن مصالح بلاده. حوله هنالك امراء طردوا من مراكزهم. مليارديرات سعوديون ابتز منهم اموال واضطروا لدفع مليارات لخزينة الدولة بعد ان اعتقلوا في 2017، ينتظرون اللحظة التي يستطيعةن فيها الانتقام لاهانتهم.

موت او مقتل الحارس الشخصي للملك سلمان “عبد العزيز الفغم” هذا الاسبوع، حظي برواية رسمية جنائية تقول أن صديقه هو الذي قتله على خلفية خلافات في الرأي شخصية، ولكن في السعودية يفضلون الرواية التي نشرها المغرد المجهول (مجتهد)، والتي تقول أن الفغم قتل في القصر وليس في بيت صديقه. حسب أقوال المغرد الذي اعتاد أن ينشر تقارير تثير الخلاف عما يحدث في البلاط الملكي، فإن بن سلمان رأى في الفغم شخص غير مخلص له و سعى الى ان يعيّن أحد مقربيه بدلاً منه. وهكذا مكان الحارس الشخصي للملك يشغله الآن سعد القحطاني، ابن عم سعود القحطاني المستشار السابق لبن سلمان والذي برز اسمه كمتهم بتخطيط قتل الخاشقجي في العام الماضي.

إن ادارة جبهتين ضد خصومه و في الساسحة الاقليمية والدولية، اضافة الى دعم امريكي متردد، من شأنه أن يدفع بن سلمان الى مسار دبلوماسي جديد امام ايران من اجل ان يقلل التهديد على المملكة و يقلص عدد

الملفات القابلة للتفجر المطلوب منه معالجتها. في حين أن الولايات المتحدة تدفع نحو مفاوضات مباشرة مع ايران فإن بن سلمان سيضطر لأن يتواأم مع ذلك من أجل أن يكون جزء من العملية و أن لا يبقي السعودية خير دائرة التأثير.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here