مجموعة السبع… عالم الازدواجية الأخلاقية

للمرة الأولى منذ عامين، يلتقي وزراء خارجية دول مجموعة السبع في لندن، في مهمة تستهدف تبيان حال العالم المأزوم والمنقسم، ولتحضير قمة زعماء الرؤوس السبع الكبرى في يونيو (حزيران) القادم.

اللقاء الذي جرى الثلاثاء الماضي على وقع المخاوف من فيروس «كورونا»، والذي أصاب بعض أعضاء الوفد الهندي، بدا كأنه محاولة استشرافية للنظر في الملفات الساخنة التي تهم دول المجموعة، بأكثر من كونه فرصة للتفكير في استنقاذ الكوكب الأزرق، حجراً وبشراً، وهو أمر يتسق مع ملامح ومعالم عالم براغماتي، تجلّت نزعته الفوقية وصحوته القومية في زمن «كورونا» بنوع خاص.
حين تشكلت مجموعة السبع والتي تضم الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا واليابان وإيطاليا وكندا، عام 1976 كان الهدف الرئيسي من وراء نشوء وارتقاء هذا الكيان الأممي الغربي بامتياز، هو تنسيق السياسات والحفاظ على مكانتها العالمية في مختلف المجالات، ووقتها كانت الحرب الباردة قائمة على أشدها. خمسة عقود تقريباً، اختلف فيها المشهد الأممي، وطَفَت على السطح مستجدات، وحَلّت بالبشرية نوازل، حُكماً تجعل الخرق يتسع على الراتق، وبخاصة في ضوء تحرك قلب العالم شرقاً لجهة آسيا، بعد أن استردّت روسيا الاتحادية الكثير جداً من الإرث السوفياتي القديم، وإنْ بميكانيزمات متباينة، بينما يوماً تلو الآخر يرتفع ويعلو نجم الصين التي بدت في لقاء لندن كأنها محور اجتماع وزراء خارجية الدول السبع. ولعل السؤال المحوري الذي يتردد على الألسنة: هل جرى اتخاذ أي قرارات عاجلة وفورية لدعم مواجهة العالم الفقير لفيروس شائه، يتحور يوماً تلو الآخر، ويهدد بفناء ملايين البشر؟
شيء ما من الازدواجية الأخلاقية نلمسه في البيان الختامي لمجموعة السبع، والذي أكد في عبارة بلاغية تقليدية، لا تسمن ولا تغني من جوع، ضرورة الوصول العادل للقاحات ضد فيروس «كورونا».
لكنّ الواقع يفيد بأن نظام «كوفاكس» لمشاركة اللقاحات مع البلدان الفقيرة، والذي يوفر بشكل أساسي لقاحات «أسترازينكا»، لم يقدم حتى الآن سوى 49 مليون جرعة فقط في 121 دولة وإقليماً، بينما الهدف المعلن هو ملياران في عام 2021.
ولعل الوضع المأساوي وغير الإنساني الحادث في الهند يشير إلى فشل المجموعة، وغيرها من التكتلات الدولية، في إظهار ملمح وملمس للتعاون والتعاضد الإنساني، ما سوف تترتب عليه لاحقاً حين تنتهي الجائحة، مشاعر عدائية تكون قد تكرست وتكدست على أسس من القوميات والشوفينيات، الأمر الذي سيهدد سلام العالم. ما يهم مجموعة السبع هو وضع حد للنمو الاقتصادي الصيني، وتعطيل تزايد قوتها العسكرية، الأمر الذي جعل دهاقنة السياسة الأميركية من نوعية هنري كيسنجر، وجنرالات الأربع نجوم من فصيلة الجنرال لويد أوستن وزير الدفاع الأميركي، يحذّرون وينذرون من الصدام الأميركي الصيني القادم لا محالة.
حاول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، مدارة ومواراة النيات الأميركية الحقيقية تجاه بكين بقوله: «هدفنا ليس محاولة وقف الصين»، وأضاف: «ما نحاول القيام به هو فرض احترام النظام العالمي الذي يستند إلى قواعد، والذي استثمرت فيه بلادنا كثيراً في العقود الماضية، ليس فقط بما فيه مصلحة مواطنينا، بل أيضاً شعوب في مختلف أنحاء العالم وبينها الصين».
غير أن حقيقة المشهد الأميركي، وهو في غالب الأمر سوف ينسحب على بقية دول مجموعة السبع، يتجلى بعض منه في تحذيرات الجنرال الأميركي ستيفن تاونسند، قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، والذي حذر قبل بضعة أيام من أن التهديد المتزايد للصين قد لا يأتي فقط من مياه المحيط الهادئ، ولكن من المحيط الأطلسي أيضاً، وهذه قصة قائمة بذاتها ربما يكون لنا معها عودة ذات مرة.
ولعل متابعة مدققة ومحققة لمجريات اللقاء الأخير تُبيِّن لنا أن روسيا – بوتين، لا تزال هدفاً أميركياً، حتى وإن تم تسريب أخبار عن لقاء بين بايدن وبوتين الشهر المقبل.
بعد نهاية لقاء الثلاثاء، توجه بلينكن مباشرةً إلى العاصمة الأوكرانية، كييف، لكي يؤكد دعم الولايات المتحدة «الثابت» للدولة المواجهة لروسيا، آيديولوجياً ولوجيستياً، ما يجعل الملف الأوكراني فتيل اشتعال قادراً على تفجير الأمن والسلم الدوليين لا الأوكرانيين فقط.
وكعادة بيانات جماعة السبع، كان اللعب على المتناقضات متمثلاً في قضايا حقوق الإنسان؛ فقد هاجم المجتمعون في لندن بقوة موسكو بسبب اعتقال المعارض الروسي أليكسي نافالني، وأبدوا غضبهم من جراء تدهور حالة حقوق الإنسان في روسيا بشكل عام، والاختصام من مساحة وحقوق المجتمع المدني ووسائل الإعلام، أما حقوق الإنسان من حيث توفير اللقاحات والأمصال للعالم النامي، والشعوب الفقيرة، أو التنازل عن براءات الاختراع لصالح المعذبين في الأرض، فقد اكتفى البيان بالحديث عن: «الاستثمار في النظم الصحية، ما سوف يحقق تعزيز النمو الاقتصادي وقدرة دول السبع على الاستجابة للتهديدات الوبائية في المستقبل»، أي الدوران حول الذات إلى حد عبادتها، ما يجعل التنديد باعتقال مواطن في روسيا، مسألة عبثية تثبت تهافت تلك التجمعات الدولية، مهما كان اسمها أو وسمها.
بقية بنود البيان، والتي يضيق المسطح المتاح للكتابة عن تناولها، ليست إلا رطانة لغوية، وعبارات إنشائية، يستطيع المرء كتابة ما يبزّها، في حين أن الحقيقة الواضحة تتمثل في محاولة الحفاظ على قواعد النظام الدولي الرأسمالي بركائزه النيوليبرالية، واستمرار العمل بمناهج التجارة العالمية التي تحقق الفوقية للغرب. الخلاصة… عالم مزدوج أخلاقياً على هذا النحو لا مستقبل له.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here