دراسات الترجمة (من منظور اللغة الفرنسية)

دراسات الترجمة (من منظور اللغة الفرنسية)
ترجمة: هاشم كاطع لازم – أستاذ مساعد – كلية شط العرب الجامعة – البصرة
[email protected]
تأليف: د.ميري ميكلوكلين * Dr. Marie McLaughlin

تعتبر (دراسات الترجمة) Translation Studies من الفروع المعرفية الجديدة نسبيا كما اشارت منى بيكر Mona Baker ، والتي (أزدهرت بسرعة كبيرة للغاية) منذ فترتي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وتشير مقدمات هذه الدراسات الى مايتمتع به هذا الحقل المعرفي من حيوية تمثلها الأعداد المتزايدة من المجلات العلمية الأختصاصية في مجال دراسات الترجمة وتأسيس مراكز لدراسات الترجمة واستحداث أصدارات متسلسلة جديدة خاصة بالترجمة. كما شهدت تلك الفترة بروز الأهتمامات الشعبية الأولى في دراسات الترجمة كما يتبين في الكتاب الذي أصدره ديفيد بيلوس David Bellos. وكانت هناك أيضا تطورات مماثلة في فرنسا رغم أن هذا الحقل المعرفي قد تطور على نحو أبطأ قياسا بالأقطار الأخرى الناطقة باللغة الفرنسية. وقد تم أصدار أثنين من أهم المجلات في هذا السياق هما: (ميتا : مجلة المترجمين)  Meta: journal des traducteurs (1955–) و(الترجمة وعلم المصطلحات الفنية والكتابة) TTR: traduction, terminologie, rédaction (1987–) في كندا حيث كان التقدم في مجال دراسات الترجمة كبيرا منذ البداية. ومن المجلات التي تشجع البحث في مجال الترجمة واللغة الفرنسية نذكر كلا من (بابل: المجلة الدولية للترجمة) Babel: revue internationale de la traduction (1955–) و (الطلس) ، اللوح الذي كتب عليه أكثر من مرة واحدة (المترجم) Palimpsestes (1987–), اللتان ظهرتا في فرنسا.ثم أن عدد مراكز البحوث الخاصة بدراسات الترجمة في كل من فرنسا والدول الناطقة باللغة الفرنسية مايزال في تزايد مستمر مثل (مركز دراسات الترجمة) في جامعة باريس ديدرو باريس – 7 the Centre d’études sur la traduction at the Université Paris Diderot-Paris 7 الذي تأسس في عام 2011 والذي يعتبر الأحدث من بين تلك المراكز. ولاغرابة أن نرى بعض المراكز الرئيسية لبحوث الترجمة قد أنشأت في كندا ، على سبيل المثال جامعة كونكورديا في مونتريال Concordia University in Montreal وجامعة مونتريال University of Montreal وجامعة أوتاوا University of Ottawa. ويعتبر (مركز دراسة البحوث الخاصة بفن الترجمة) the Centre d’études et de recherche en traductologie de l’Artois (CERTA) الذي يصدر السلسلة الموسومة (ترجمات) Traductologie من أهم المراكز في فرنسا. كما أن بعض الكليات المهنية مثل (كلية الترجمة الفورية العليا للمترجمين) École supérieure d’interprètes et de traducteurs (ESIT) قد ساهمت في تطوير هذا الحقل المعرفي. ومن المراكز الأخرى التي أسهمت في تعميق الأهتمام بالترجمة الفرنسية (مركز دراسات الترجمة) the Centre for Translation Studies (CETRA) في كولوفين في بلجيكا KU Leuven in Belgium ومركز دراسات الترجمة في جامعة ألينوي في الولايات المتحدة.
ودراسات الترجمة في وقتنا الحاضر حقل معرفي متداخل بشكل واسع مع حقول علمية أخرى تمتد من الفنون والأنسانيات الى العلوم الأجتماعية الى علوم الحاسبات. ومثل هذه الحالة القائمة تدعو الى دراسة الحقول العلمية الفرعية التي تهم كثيرا قراء (الدراسات الفرنسية). أضف الى ذلك أن هذا الحقل المعرفي يركز على وجه الخصوص (على نظرية الترجمة والترجمة الأدبية وتاريخ الترجمة والمناهج اللغوية لدراسات الترجمة والحقول المعرفية الفرعية البارزة التي تم أستبعادها من هذا الأستعراض والتي تشمل المجالات الأكثر تطبيقية للترجمة الآلية وترجمة الحقول العلمية الأختصاصية والتوطين localization والدراسات ذات الصلة بالترجمة الفورية. وقد تم حذف الأبحاث الحديثة في مجال دراسات الترجمة المعرفية والأعمال ذات الصلة بمكانة الترجمة في التعليم وهو موضوع يحتاج الى المزيد من الأهتمام.
نظرية الترجمة والترجمة الأدبية
نناقش هنا البحوث الجارية في الوقت الحاضر بخصوص الترجمة الأدبية والتطورات النظرية ذات الصلة مع التأكيد على اللغة الفرنسية. ولمحدودية المعالجة في هذه المقالة لبيان التطورات في حقل نظرية الترجمة فأنني أحيل القاريء الى دراسة أنطوني بيم Anthony Pym المتميزة الموسومة (أستكشاف نظريات الترجمة) Exploring Translation Theories التي تسلط الضوء على سبعة نماذج نظرية مختلفة هي: (المرادف الطبيعي) و (المرادف الأتجاهي) directional equivalance و (الأهداف) و (الأوصاف) و (الشك) و (التوطين) و (الترجمة الثقافية). ورغم ذيوع الصيت النسبي لمنظري الترجمة الأوائل الناطقين بالفرنسية مثل جان – بول فينيه Jean – Paul Vinay و جان داربلنيه Jean Darbelnet فأن حقول معرفة الترجمة الفرنسية العامة والخاصة تظل مستقلة عن بعضها البعض في أيامنا هذه. وهناك الكثير من التفسيرات لمثل هذا الأمر منها العقبة اللغوية حيث ظلت أعمال بعض الكتاب والباحثين في هذا المجال ، ولفترة طويلة ، باللغة الفرنسية، دون أن تترجم الى اللغات الأخرى. ويطرح مايكل شرايبر Michael Schreiber في مقالة مهمة حول نظرية الترجمة الفرنسية سببا آخر يتمثل في عدم توفر قواعد ومعايير حقيقية للدراسات النظرية ضمن التقاليد الفرنسية.
أن الفصل النسبي للحقول المعرفية العامة والحقل المعرفي الفرنسي يعني أن هناك تنوعا كبيرا في التعاطي مع نظرية الترجمة. وفي حين يعمد بيم الى أستخدام سلسلة من التحولات الجدولية لدراسة مختلف النظريات بتمعن فأن العلماء الفرنسيين غالبا مايستخدمون تقسيما ثلاثيا في مابين النظريات التي تتسم بكونها توجيهية ووصفية ومحتملة. ويبين كتاب آينيس أوسيكي – ديبريه Ines Oseki – Depres القيمة الكافية في النظريات الفرنسية المستقبلية حيث أن سائر تلك النظريات تنشأ من خبرة الترجمة ذاتها والتي يمكن النظر أليها بأعتبارها مبرمجة من منظور المؤلف. ويوضح هذا الكتاب أيضا مدى تأثير كل من هنري ميسشونك Henri Meschonnic وجين – رينيه لادميرال Jean- Rene Ladmiral وأنطوني بيرمن Antonie Berman في ضوء السياق الفرنسي. ورغم أن لادميرال لم يطرح نظرية ترجمة متكاملة تماما فأنه تمكن من معالجة الكثير من الأمور في الكتاب الموسوم (عملية الترجمة: نظرية الترجمة) Traduire: théorèmes pour la traduction.. وقد طور ميسشونك شعرية الترجمة حيث لم تعد الترجمة تشتمل على نقل المعنى فحسب أنما ينظر أليها بكونها (نهج حياة ولغة وتحول وتقرير حول قيمة المعنى والبنية وحقل التاريخ). أما بيرمن فيحظى بمعرفة أفضل قليلا خارج فرنسا ويعود سبب ذلك في جانب منه الى وجود أوجه شبه بين عمل لورينس فينوتي وطرح بيرمن فيما يخص اخلاقيات الترجمة وكذلك ممارسة الترجمة الى اللغات الأجنبية.
ورغم أن بيير بوردو Pierre Bourdieu لم يتعامل مع الترجمة بذاتها بشكل مباشر فأنه ترك تاثيره على حقل دراسات الترجمة من خلال ألهام المنهج الأجتماعي الذي يحظى بالشعبية في ايامنا هذه. وفي ضوء التوجه ذاته تم تطبيق أعمال جاك ديريدا Jacques Derrida في الترجمة في أطار المنهج التفكيكي ، لكن شرايبر اشار ألى أننا في مستهل فهمنا للتطبيقات الحقيقية لنظرياته لدراسات الترجمة. وكان فينوتي قد لفت الأنتباه كثيرا لمقالة كتبها ديريدا عن الترجمة من خلال ترجمتها في البدء ومن ثم نشر مقالة عن ترجمته ذاتها وفيها يوضح أستراتيجيته الأبداعية التي أستخدمها في التوصل الى ترجمة تقاوم توقعات الطلاقة والشفافية ليتسنى (للترجمة تسليط الضوء على أستراتيجياتها الأستطرادية ومن ثم تطلب بأن تقرأ بصفة ترجمة ونص يتمتع بالأستقلالية النسبية من النص الذي تعتمد عليه).
أضف الى ذلك أن هناك بعض التفرعات الجديدة التي تربط نظرية الترجمة بالترجمة الأدبية التي تشمل دراسة أنواع خاصة من الترجمة ، على مايبدو ، مثل أعادة الترجمة re-translation والترجمة الذاتية self-translation والترجمة في الهوامش وهي في مجملها تسهم في التقليل من شأن بعض المعارضات المالوفة. وقد أثار كل من لادميرال ويفيس غامبير Yves Gambier تساؤلات تخص بعض الأفتراضات التي تثار في الغالب حول أعادة الترجمة منها على سبيل المثال أنها تثار من جراء الأيمان من أن بعض الترجمات تهرم مع مرور الوقت أو أن (الترجمات العظيمة) لاتهرم أبدا ، أو الفكرة التي تذهب أن الترجمات المعادة تكون أقرب الى النص الأصلي مقارنة بالترجمات الأولى (فرضية بيرمن بخصوص الترجمة المعادة). وقد تركت البحوث والدراسات الحديثة حول الترجمة الذاتية أيضا تأثيرا ادى الى تعقيد الأمور. ويسلط مايكل أوستينوف Michael Oustinoff الضوء على التناقض الظاهري في هذا الشأن ، فالترجمة الذاتية تبرز مشكلة نوعية يمكن أن تؤدي الى التقليل من شأن التمييز التقليدي بين الترجمة والكتابة. ثم أن مفهومي اللغة الأصل واللغة الهدف قد أهتزا بفعل الحركة العامة من المركز الى المحيط الخارجي ، وهذا دفع الباحثين لمواجهة الأشكال الجديدة للتعددية اللغوية والأشكال المختلفة للتباين اللغوي. ويتضح ذلك بجلاء من خلال البحوث التي تتناول الترجمة في فترة مابعد الأستعمار حيث تشكل الدول الأفريقية الناطقة باللغة الفرنسية أحدى أقوى مراكز الأهتمام في الوقت الحاضر.
أن التوسع بعيدا عن القوانين والمباديء التقليدية التقليدية التي تشمل أجناس أخرى يمكن النظر أليه بأعتباره جزءا من التحرك من المركز الى المحيط. وقد برهن روجر بينس Roger Baines على قيمة دراسة الترجمة المسرحية بلحظتي التحول ذات الصلة بها أي الترجمة النصية وتكييف النص لأداءه على المسرح. وهناك أيضا بحوث كثيرة عن الترجمة السمعية البصرية التي تدرس في الوقت الحاضر بكثافة من وجهات نظر متداخلة مع حقول معرفية أخرى وبضمنها وجهات النظر الأدبية – النظرية والأجتماعية الثقافية. ويسلط عدد جديد من مجلة (ميتا) Meta الضوء على التلاعب الأيديولوجي الذي يحصل في هذا الخصوص. وقد بدأت اشكال الترجمة الجديدة التي بدأت بالظهور جنبا الى جنب مع الثلاثي التقليدي: الترجمة في أسفل العرض السينمائي subtitling والدبلجة dubbing والأستعلاء الصوتي voice – over تحظى بأهتمام الباحثين في الفترة القادمة ويشمل ذلك الترجمة التي ينتجها مستخدم الكمبيوتر وكذلك الترجمة المخصصة لذوي الأحتياجات الخاصة. ومن الواضح أن هناك فرصة متاحة لتزايد البحوث الخاصة بالترجمة السمعية البصرية واللغة الفرنسية مثلما هناك أهتمام كبير في الحقل العام. يقول ألين ريميل Aline Remael أن التحول القادم في دراسات الترجمة سوف يكون (التحول السمعي البصري).
أن تطبيق النظرية الأجتماعية الثقافية على دراسة الترجمة يعني أن مجموعة برمتها من المواضيع الفردية قد تم الخوض فيها في سياق الترجمة. وفي أطار الحقل المعرفي العام ، على سبيل المثال ، تورد جوديث ودزورث Judith Woodsworth مصادر مهمة عن الترجمة والقوة والترجمة والهوية والترجمة وفترة مابعدالأستعمار. وقد حرر مايكل بالارد عددا من النشرات المتسلسلة لموضوعات باللغة الفرنسية تتناول بعض تلك المواضيع. وعرفت شيري سايمون Sherry Simon بدراساتها عن الترجمة والمدينة. وفي الوقت الحاضر بدأت البحوث التي تتناول الرقابة على المطبوعات والقوة والأيديولوجيا تنشط كثيرا في هذا الشأن. ويلفت بالارد في المجلد الموسوم (الرقابة على أعمال الترجمة) Censure et traduction  ، الذي قام بتحريره ، النظر الى نوعين من الرقابة لايمكن ملاحظتهما في بعض الحيان هما: الرقابة الذاتية التي يفرضها المترجم وأنواع مختلفة من الرقابة غير المرئية الموجودة في الغرب في وقتنا الحاضر. ومن المتوقع أن تجري بحوث أخرى حول الجنس (من حيث التذكير والتأنيث) والترجمة في السنوات القادمة وبالأخص في أطار المناهج الأجتماعية البنيوية التي تعمل على التقليل من شأن مفاهيم الجنس الثنائية.
تاريخ الترجمة
أدى التوسع والتنوع في حقل دراسات الترجمة الى بروز أهتمام متجدد في البعد التاريخي. وكان للبحوث التي تناولت تاريخ نظرية الترجمة الفرنسية دورا مهما في تقديم النصوص النظرية التي تسبق الأصول الرسمية للحقل المعرفي الأكاديمي. وقد أسهمت كتابات كل من ليفين دولست Lieven D’hulst وبالارد ، على وجه الخصوص ، في تعزيز فهمنا لنظرية الترجمة في مستهل العصر الحديث. وقد لفت بالارد الأنتباه الى نصوص مهمة من القرن السابع عشر كتبها باشيه دوميزرياك Bachet de Meziriac وغاسبرد دو تيند Gaspard de Tende ، فيما عمد دولست الى رسم صورة أكثر دقة للقرن الثامن عشر من خلال تجاوز فكرة الأدعاء البسيط من أن الأخلاص للنص المترجم كان مركز الأهتمام الرئيسي.مع ذلك تظل هناك فجوات في فهمنا لتطور نظرية الترجمة الفرنسية سواء ظهر ذلك بكل جلاء في النصوص النظرية أو من خلال تقديم الدعم للتطبيق والمواقف بشكل أعم. لذا من المتوقع في هذا الخصوص أن يحصل التطور مع صدور الكتاب متعدد المجلدات الموسوم (تاريخ الترجمة في اللغة الفرنسية)Histoire des traductions en langue française.
ويتوقع مساعد المدير كل من يفيس شيفريل وجين – يفيس ماسون Jean-Yves Masson أمكانية ان يؤدي الأمر الى أعادة التفكير بالفترات الخاصة بتاريخ الترجمة حيث من المتوقع أن تتعقد بعض التعميمات التي تستخدم في ربط قرون فردية بحركات نظرية معينة.
وقد شهدت الفترة منذ تسعينيات القرن الماضي أهتماما كبيرا بتاريخ الترجمة الفرنسية المكتوبة. أن وجود الكثير من المواد المطبوعة يعني أن هناك وجهات نظر تاريخية محددة فيما يركز الباحثون والعلماء على فترات وأجناس أدبية ومترجمين محددين. وقد ركزت الكتب الصادرة عن المؤتمرات والكتب الصادرة عن دار نشر (بريبولس) Brepols البلجيكية المعروفة للطباعة والنشر ،والتي صدرت تحت عنوان (المترجم في العصور الوسطى) Translations médiévales على الجانبين النظري والعملي في فترة العصور الوسطى. كما أن البحث المتقدم نسبيا بخصوص اللغة الفرنسية يظهر أيضا ذات المشروع الكبير الذي تبنته دار النشر المذكورة في أعلاه الذي يغطي الفترة التاريخية المذكورة والذي يتضمن تفاعلا أكبر مع التطورات النظرية في دراسات الترجمة المعاصرة. ومن بين الدراسات الكثيرة الحديثة عن الترجمة في عصر النهضة وبدايات العصر الحديث ركزت العديد منها على ترجمة الروايات الأنكليزية في القرن الثامن عشر. وقد اهتمت أليزابيث دوروت – بواس Elizabeth Durot – Bouce ، اضافة الى دراساتها التي تناولت الجنس (قواعد اللغة) وترجمات آن رادكليف Ann Radcliffe ، على سبيل المثال ،بدراسة رقابة المطبوعات الذاتية في ترجمات كل من رادكليف وجوناثان سويفت Jonathan Swift. وحققت كل من آني كوينتغيهAnnie Cointre وآني ريفارا Annie Rivara أنجازا مهما من خلال المقدمات التي كتبتاها لترجمات للروايات الأنكليزية اضافة الى تحرير مجلد حول الأجناس غير الأدبية في القرن الثامن عشر. أما العمل الذي انجزه جيوفاني دوتولي Giovanni Dotoli فقد ساعد على تعزيز فهمنا لتلك القرون كلها من خلال بيان الأهمية المتواصلة للترجمة من اللغة الأيطالية بعد فترة النهضة بزمن طويل.
ومع تطور هذا الحقل المعرفي بدأنا نلاحظ تواريخ تأخذ آفاقا أوسع ، وهذه التواريخ تشمل العرض العام الذي كتبه دوتولي عن الترجمة بشقيها النظري والتطبيقي أبتداء من العصور الوسطى الى وقتنا الحاضر. ويتصف التاريخ الذي كتبه كل من شيفريل Chevrel وماسون بأنه أوسع من سابقيه حيث يبيّن ين – ماي تران – جيرفات Yen – Mai Tran – Gervat بأنهما يعتبران الترجمة بمثابة (ظاهرة معقدة) un phénomène complexe et pluriel بحيث يدعى المساهمون للأهتمام بالترجمة الى اللغة الفرنسية لا الترجمة الجارية داخل فرنسا وأن يأخذوا في الحسبان المزيد من أنواع الترجمة في الهوامش. كما ساهم جين ديلايل Jean Delisle بهذا التوسع الحاصل في وجهات النظر من خلال التركيز ليس على الترجمة بصفة نصوص أو منتجات أو عمليات أنما على المترجمين أنفسهم. أن النظر الى تاريخ الترجمة من منظور الموضوع الترجمي يفيد في تجسير العلاقة بين كل من النظرية والممارسة. ومن المتوقع أن يزداد هذا الحقل توسعا ليفسر لنا التقاليد العابرة للقومية وكذلك الأجناس غير الأدبية ويتقصى مجالات عملية جديدة مثل دور الترجمة في التاريخ العام. ويحدونا الأمل بأن تكون مثل هذه التوجهات الجديدة مصحوبة بتفكير وتأمل متزايدين حول مكانة تاريخ الترجمة وتطبيقه وفق نظرة كل من ثيوهيرمنز Theo Hermans و ودزورث.
المناهج اللغوية لدراسات الترجمة
خضعت المناهج اللغوية لنقد قاس من جانب المنظرين الذين يناصرون المناهج التوجيهية أو المستقبلية للترجمة والمهتمين كثيرا بالترجمة الأدبية والفلسفية والشعرية. أما الأشخاص الذين يعملون على التقليل من أهمية مثل تلك المقاربات فأنهم يميلون الى التركيز على عيوب المنهج الوصفي ، كما تم أتهام الباحثين والكتاب المهتمين بالمنهج التجريبي empiricism وهم بذلك يعكسون حوارات أوسع حول أستخدام الأدوات الرقمية في الأنسانيات رغم قدم مثل هذه الرؤية. من جانبه لعب أندرو تشيسترمان Andrew Chesterman دورا مهما في تحدي الباحثين الذين يستخدمون المناهج التجريبية ليتوثقوا من أن عملهم يساهم بشكل فعال لتطوير هذا الحقل المعرفي. كما لم يعد بالأمكان الأدعاء أن المناهج اللغوية تمثل وظيفة وصفية خالصة. وقد أشارت سارا لافيوسا Sara Laviosa الى العديد من مجالات البحث التي تستند على التحليل اللغوي ، ألا أن ذلك عصيّ على الوصف وبضمنه أهتمام متنام في الأيديولوجيا والحقل المعرفي الفرعي الجديد المتمثل ب (أسلوبية الترجمة).كما أنها شجعت أيضا على القيام بالبحوث من خلال التواصل مع المعارف الأخرى وبالتنسيق مع الباحثين الذين يعملون على تحليل الترجمة من منظور أدبي أو فلسفي أو ثقافي – نظري. وتدل الأعداد الهائلة من المنشورات عن دراسات الترجمة وعلم اللغة على ان مثل هذا الحقل المعرفي يحظى بأهمية كبيرة في الدول الفرانكفونية.
هناك، في الواقع ، مناهج لغويو مختلفة لدراسة الترجمة غير أن دراسات الترجمة التي تعتمد على النصوص (المتن) corpus-based (CTS) قد برزت من بين تلك المناهج لما حققته من نتائج باهرة. وقد تطور هذا المنهج من رغبة لتطبيق طرق علم لغة المتن corpus linguistics لدراسات الترجمة الوصفية. وفي ضوء المنهج الذي يعتمد على المتن يتم أستخدام نصوص ألكترونية ضخمة لأختيار الفرضيات حول مقومات اللغة المترجمة كما أن الميدان الوصفي – النظري قد أستخدم للتقصي عن (عموميات الترجمة) translation universals. ورغم أن مثل هذا التعبير قد أستلهم أسمه من العموميات اللغوية linguistic universals فأنه لم يعد يفهم على العموم على أساس المعنى المطلق. وتقر لافيوسا بأعادة هيكلة المفهوم على يد تشيستيرتن حيث ينظر الى عموميات الترجمة في الوقت الحاضر بصفة (منشأ وصفي) أي فرضية فاعلة مفتوحة حول (أوجه الشبه والقياسات والأنماط التي تشترك بها حالات معينة أو مجاميع من الحالات). وتظهر قيمة عموميات الترجمة في المساعدة على التوقف عند التعميمات المتعلقة باللغة المترجمة والتي تبين لنا أختلافها عن اللغة غير المترجمة. وتشتمل السمات المالوفة للغة المترجمة على تأثير اللغة الأصلية وقلة تمثيل الجوانب التي تميز اللغة الهدف والتفسير وتقليص التنوع اللغوي.
لقد شهدت الفترة الأخيرة أجراء بحوث مكثفة حول الترجمة الفرنسية من منظور لغوي صحبه ظهور الكثير من الدراسات التي تعتمد المتن في بلدان شمال أوربا أو البلدان الناطقة باللغة الفرنسية. وتتناول المنشورات الحديثة عن الترجمة وعلم اللغة بشكل مباشر مسألة العلاقة بين هذين الحقلين المعرفيين. ويمثل الكتاب الذي حررته تاتيانا ملياريسي Tatiana Milliaressi مقدمة متميزة لمثل هذا الحوار لأن الكتاب في قسمه الأول ، عن المناهج مابعد النظرية ، يضم أوراقا بحثية كتبها منظرون من وجهات نظر متباينة: فرانكو راستير Francois Rastier ولادميرال وبيم Pym. ثم أن مثل هذه الكتب تروج لبحوث تشدد على قيمة المناهج اللغوية ، ففي الكتاب الذي حرره كل من بالارد والخالدي Al-Kaladi ، على سبيل المثال ، يستخدم عددا من الأوراق البحثية في علم اللغة لأعادة النظر في مشاكل الترجمة التقليدية مثل المجاز وعلامات التقمص العاطفي والزمن وحالات الفعل. من جانب آخر قامت دراسات حديثة أخرى تناولت الترجمات الى اللغة الفرنسية بأيضاح فوائد تجسير الفجوة بين المناهج الأدبية – النظرية واللغوية – الوصفية. ومن هذه الدراسات ماانجزته شارلوت بوسو Charlotte Bosseaux حول وجهة النظر وميري ميكلوكلين Marie McLaughlin حول البنى المنزوعة وكريستينا تايفالكوسكي- شيلوف Kristiina Taivalkuski – Shilov عن الكلام غير المباشر.
أن دراسات الترجمة سوف تتواصل في توسعها المعهود ، دون شك ، مع تزايد التداخل مع الحقول المعرفية الأخرى مصحوبة بتحول التوازن من المركز الى المحيط ومن مجموعة القواعد والمباديء الى جوانب غير قانونية. ومع حصول مثل هذا التقدم في كل حقل معرفي ثانوي فأن هناك لحظات للتفكر حيث سبق أن حصلت صدمة حيال الترجمة في فترة العصور الوسطى. وسوف يشهد هذا الحقل المعرفي لحظة حاسمة لدى بلوغ هذه المرحلة في عدد من المجالات المعرفية المختلفة لأنه سوف يفسح المجال أمام تعميمات عالية المستوى يتم التوصل اليها. ورغم أن عملية التأسيس الطويلة لدراسات الترجمة بدأت بصفة حقل معرفي أكاديمي لايزال هناك مع ذلك شك فيما يتعلق بمكانة هذه الحقل العلمي. ويحصل مثل هذا الشعور بكل قوة في البلدان أحادية اللغة مثل فرنسا والتي كانت تقليديا أقل تقبلا لدراسة الترجمة. أما فيما يتعلق بدراسات الترجمة واللغة الفرنسية فأن الأمل يحدونا بأن تخف حدة مثل هذا التوجه أذا ماأدركنا أن أحادية اللغة هي الأمر الأستثنائي.
———————————————————————————————
* أستاذة مشاركة للغة الفرنسية تعمل عضوة تدريس في قسم اللغة وقسم الدراسات الأيطالية في جامعة كاليفورنيا – بيركلي بالولايات المتحدة. وهي أختصاصية بعلم اللغة وصلته باللغة الفرنسية ودراسات الترجمة. (المترجم)

https://academic.oup.com/fs/article/68/3/377/2962632

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here