البيئة العائلية والثقافة !

البيئة العائلية والثقافة ! بقلم الدكتور رضا العطار

اسوأ الأحوال الأجتماعية في بلداننا العربية ان التكافؤ الثقافي بين الزوجين نادر او معدوم. فالزوج احيانا متعلم مثقف والزوجة لم تحصل من التعليم الا على نصيب ضئيل. وهي لم تتعود الثقافة. وبعض التبعة في هذا يعود الى تقاليدنا التي نزلت بالمرأة الى مركز اجتماعي دون مركز الرجل.

وقد نشأ هذا الاهمال كون ان البيت العربي لا يزال الى الان يفتقد الى المكتبة، فان افراده يجهلون الكتاب والصورة والتحفة، وانها لا تعتبره من اثاثه. وليس من شك ان الاكثار من المدارس وانتشار التعليم منذ بدايات القرن العشرين قد عالجت هذه الحالة بعض الشئ. وليس اليوم ببعيد حين يعيش الزوجان متكافئان يتحدثان بلغة واحدة على مستوى راق من الفهم والتفاهم.

وما دامت الزوجة جاهلة في حالة الامية او لم تحصل الا على الدرجات الاولى من التعليم فانها تعارض زوجها فيما ينفق من وقت او مال على الكتاب. وهو لظروف المعيشة الزوجية وتكرار الالحاح او التوبيخ قد يضر في النهاية الى مسايرة زوجته فيكف عن شراء الكتب ! او يرضى بتجميد ذهنه ايثارا للسلام العائلي. ولكنه اذا كان على شئ من المتانة الاخلاقية استطاع ان يتغلب على جهل زوجته ولو في مشقة.

وبديهي ان خير الوسائل لهذا التغلب هو التعليم للزوجة حتى ترتفع الى مستوى زوجها. ولكن هذه الوسيلة شاقة اذ من البعيد ان تتعود امرأة عادات الثقافة بعد ان قضت نحو عشرين سنة في الجهل او ما يقاربه. وكثيرا ما يجد الزوج ان التفاوت الثقافي بينه وبين زوجته قد استحال الى هوة فاغرة، حتى لتعود الحياة الزوجية معاشرة غايتها التعارف البيولوجي التناسلي وضمانة الراحة في الطعام والمأوى فقط. لان لكل من الزوجين اتجاها فكريا يمنع الاشتراك في الحديث، وسلوكا معيشيا يحول دون تحقيق المثاليات.

،

ولكن الزوجة على وجه العموم حتى حين تكون متعلمة نوعا ما تبخل بثمن الكتاب وتجد في التفات زوجها الى الدرس اهمالا لها او قصورا في العناية بها. فهي تغار من الكتاب كما لو كان ضرتها. وسوف تبقى على هذه الحالة الى ان تتحطم التقاليد السوداء ونجعل تعليم المرأة مثل تعليم الرجل سواء في الكم والكيف. لاننا بهذه التسوية نرفعهما الى مستوى مشترك حيث يتحدان ويفكران ويتجهان في غير انفصال.

والى ان نصل الى هذه الحالة يجب على الزوج ان يعالج زوجته المعالجة الايجابية البنائية. فانه يسهل عليه مثلا ان يوضح لها ان القراءة تسليها فضلا كونها تجذب الزوج الى البيت. حيث يكون مع زوجته واولاده يقضي فراغه معهم بدلا من ان يقضيه في المقهى او النادي. حيث يكون عرضة لغوايات مختلفة.

والفراغ اذا لم يملأ بالكتاب سوف يملأ باي لهو آخر قد يضر بالصحة الجسمية او النفسية او المالية، ثم الكتاب مع ذلك يمكن ان يكون من الاثاث الفاخر للبيت، اذا عنينا بتجليده واقتنينا الخزانة اللائقة او الرف الانيق الذي يحمله.

والى الكتب يجب ان تضاف تحف اخرى مثل الصور وبعض الطرف الجميلة. وفي هذه الحال يزداد الصالون المخصص للضيوف بالكتب والتحف والصور كما يزدان بالكراسي او المناضد وعندئذ نقدر الكتب كانها من ادوات المنزل الضرورية التي تتنافس ربات البيوت في اقتنائها بل ربما في قرائتها.

ليس مفر للزوج اذا شاء ان يعيش سعيدا في بيته مثقفا في ذهنه مربيا لنفسه، ان يرفع مستوى زوجته وان يجعل الثقافة جوا مألوفا في البيت. فاذا كانت الجريدة والمجلة تصلان الى البيت في نظام لا ينقطع فان حديث اعضاء الأسرة يرتفع من القيل والقال الى السياسة العامة وطنية او عالمية.

وصحيح ان معظم مجلاتنا لا تسموعلى القيل والقال لكن الزوج البصير يمكنه ان يناقش اعضاء عائلته في الشؤون الخطيرة ويوجههم. فينتفع هو في النهاية بهذا التوجيه. وعندئذ يجد العطف بل التقدير. حين يقبل في حماسة على ترقية ذهنه وترقية نفسه بثقافة عميقة قد لا تصل اليها الزوجة ولكنها لا تنكر قيمتها. فلا تعارض فيما ينفق عليها من مال ووقت. وعندئذ يكون الزوج قدوة للأبناء مثلما يكون قدوة لزوجته.

* من اعمال سلامة موسى !

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here