بوتين لم يستغرب سائلا : ” حتى أنت يا بريغوجين “

بوتين لم يستغرب سائلا : ” حتى أنت يا بريغوجين ”

بقلم مهدي قاسم

لعلنا قد لا نضيف شيئا إذا كررنا ما قيل قبلنا مرارا ، ما معناه وفحواه : كل شيء قابل للثقة ، ربما حتى الثقة بعض قوادين أحيانا ــ نقول هذا مجازا طبعا ــ ولكن ما عدا الثقة بصداقة الساسة وقادة ميليشيات ارتزاقية ، وهي الصداقة الوحيدة محفوفة دوما بمكامن غدر ومطبات تآمر وخيانة ، طعنا بالظهر ، في أي وقت ومناسبة ، بشكل مباغت و صاعق ..

ربما أن أفكارا وخواطر من هذا قد القبيل دارت في رؤوس كثير من المتابعين لتمرد قائد قوات فاغنر للمرتزقة يفغيني بريغوجين الذي بفضل الرئيس الروسي الحالي بوتين انتقل بقفزة جبارة من مجرد طباخ إلى أشهر قائد ميليشيا جرارة ومدججة بأخطر أسلحة ، عندما قرر الزحف نحو موسكو لإسقاط سلطة من كان يعمل عنده طباخا ذات يوم !..

لولا تدخل وواسطة الرئيس روسيا البيضاء الكسندر لوكاشينكو لإقناعه بالعدول والتراجع والانسحاب إلى القواعد وذلك درء لسفك أنهار من الدماء ، مقابل حصوله على ضمانات بعدم المحاسبة والمساءلة بتهمة التمرد والانقلاب ، ثم الخروج حرا إلى روسيا البيضاء ..

ولكن هل حقا أن يفغيني بريغوجين هو وحده قد أخطأ ؟ ..

لا أبدا ..

إنما بوتين أيضا قد أخطأ كثيرا حاله في ذلك حال من يدجن و يربي الثعابين التي فجأة تنتفض ضده و تلدغه وتنقلب عليه لتعصره حتى الموت ..

فلو لا الفردية المطلقة في ممارسة السلطة ، لكان من المفترض أنه لا يجوز تشكيل قوات مسلحة موازية ـــ ذات تكوين ارتزاقي ــ خارج قوات حفظ النظام ومؤسسة الجيش المسلكي العادي ، وخاصة تحت ظل أنظمة ومؤسسات دستورية افتراضية ، لأستخدامها ، فيما بعد ، لأغراض وأهداف معينة ، فهناك أمثال كثيرة على تحول هكذا قوات ارتزاقية إلى معضلة أمنية خطيرة في بعض الأحيان ، قد تكون سببا مباشرا في احتمال اندلاع حرب أهلية أيضا ..

و هذا ما كاد أن يحدث في العراق بين سرايا السلام وميليشيات الإطار مثلا ..

ولعل من سخرية القدر وأعاجيب السياسة وتقلباتها الغريبة أن الرئيس الشيشاني رمضان قديروف ــ حليف بوتين ــ الذي سابق له ــ أي بوتين ــ أن قاد حربا شعواء ضد تمرد الشيشان سابقا بهدف الاستقلال عن روسيا الاتحادية ، هو نفسه قديروف الذي وقف الآن إلى جانب بوتين حليفا مخلصا و صديقا وفيا ، دافعا بقواته لسحق قوات فاغنر في حالة تقدمها نحو موسكو لإسقاط سلطة بوتين !..

و إذا به ــ أي بريغوجين ــ في آخر لحظات حرجة و خطيرة حاول طعن صديقه بوتين من الخلف بشكل لم يكن يتوقعه حتى أعداء بوتين من ساسة وزعماء الغرب ..

بل و حتى بوتين نفسه لم يكن يتوقع هذا التمرد والعصيان و بهذا الحجم والخطورة ..

فبهذا المقدار عن الثقة أو الصداقة بين ساسة و اًصحاب سلطة و بين قادة ميليشيات طموحين إلى ما هو أبعد من مجرد قائد ميليشاوي يمكث في الظل ..

ولا من أحد يتذكر أول صرخة تنبيه و تحذير في مسرحية شكسبير” يوليوس قيصر ” لشكسبير تجسيدا للغدر والنكث بالثقة :

ـــ ” حتى أنت ، يا بروتس؟ ”

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here