إيران ( إسرائيل اليوم في العراق ) بقرة مقدسة ممنوع المس بها أو بأتباعها ؟

الكاتب : د . خالد القرة غولي

ردود الفعل المستنكرة لهجوم « الحرس الثوري » الإيراني على أربيل بإقليم كردستان في شمال العراق فيما بررت طهران عملية إطلاق الصواريخ ، قائلة إنها تدافع عن سيادتها وأمنها في مواجهة الإرهاب ، وتستخدم « حقها المشروع والقانوني لردع تهديدات الأمن القومي » لا نحتاج أدله أو وثائق ، جديدة أو قديمة ، لكي يعرف الشرفاء في هذا العالم حجم الدمار الذي لحق بالعراق ، من جراء حرب ظالمة ، غير أخلاقية ، علاوة على كونها غير قانونية , لا نحتاج إلى تسريبات موقع إعلامي لكي يقول لنا أن هناك فرق اغتيالات , وأقبية تعذيب , ونهب المال العام بالجملة . وإخفاء الأرقام الحقيقية حول إعداد الضحايا الأبرياء من أبناء الطائفتين السنية والشيعيةو الكردية , جميع هذه الحقائق نعرفها ، وما هو أكثر منها ، مثلما يعرفها كل مواطن عراقي ، ولكن الجديد ان هؤلاء الأطهار الذين مارسوا كل هذه الموبقات ، وتفننوا في تعذيب الأبرياء وسحلهم في عراقهم الجديد ، لا يستطيعون إن يشهروا سيف الإرهاب الذي مارسوه بفاعلية طوال السنوات
( 20 ) الماضية ، باتهامنا ، وكل من عارض حربهم الأمريكية والإيرانية معا ، بمساندة المقابر الجماعية التي ظهرت للتو تحت السدة في بغداد السلام ، وحكم الطائفية الجديد , لم نؤيد الديكتاتورية يوما ، وانتصرنا دائما ، وسنظل ننتصر ، للحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وعندما عارض العراقيين الحرب الأمريكية الفاجرة على العراق ، وقبلها الحصار الدموي الذي أزهق أرواح مئات الآلاف من الأطفال وذويهم ، لم يملك هؤلاء بلورة سحرية لقراءة الغيب ، ولم نكن نحن أبناء الرافدين الاصلاء نضرب بالرمل ، فقد كنا نعرف مثل عشرات الملايين الذين تظاهروا في عواصم العالم ، إن هذه الحرب ظالمة ، تستهدف تمزيق بلد آمن مستقر محاصر، وتقطيع أوصاله ، وكسر شوكة شعبه العزيز الكريم ، وتدمير نسيجه الاجتماعي ، وإغراقه في حروب مذهبية ، وطائفية ، وعرقية ، وتحويله إلى دولة فاشلة فاسدة ، يتدخل الجميع في شؤونها , المؤامرة لم تكن على العراق وحده ، وإنما على امة من خلاله ، لتعميق الخلل الاستراتيجي لصالح إطراف غير عربية ، ولإسرائيل على وجه الخصوص ، حتى تظل هذه الأمة ذليلة ، فاقدة كل جينات العزة والكرامة ، مستسلمة لمحاولات النهش التي تستهدف أراضيها وثرواتها من مختلف الاتجاهات , الآن يأتون ألينا بالوثائق الهامشية ، لتأكيد ما هو مؤكد ، تحت عنوان إظهار الحقائق ، ووضع النقاط على الحروف ، والقول بان عمليات إعدام الأبرياء وقعت إمام حواجز جيش المليشيات دون داع ، وان مدنيين قتلوا بعد استسلامهم ، وأطفالا تيتموا لان والدهم لم يتوقف على بعد مسافة كافية من نقاط التفتيش، أو معتقلين تعرضوا للصعق الكهربائي في أجزاء حساسة من أجسادهم ، وآخرين جرى حرقهم في مراكز اعتقال سرية وعلنية , كلها حقائق بائسة مؤلمة معروفة ولكن ماذا بعد ! هل ستعيد هذه الوثائق الآباء الشهداء إلى أطفالهم اليتامى ، وهل سيعود الأزواج إلى أراملهم الثكالى ، أو العلماء الأفاضل إلى معاملهم للمساهمة في إعلاء شأن عراقهم العظيم وامتلاكه أسباب القوة , هل , وهل , أسئلة كثيرة نطرحها ونعرف إجاباتها مسبقا , نحن في انتظار الوثائق الحقيقية التي نعلم أنها موجودة ، وتكشف لنا عمق المؤامرة ، وجميع المتورطين فيها من العراقيين والعرب , وثائق تؤكد لنا الصلة بين حرب تدمير العراق وإسرائيل ، وبتحريض من الصهيونية العالمية ورجالاتها في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأوروبا وإيران , هذه الوثائق قد لا نراها ، قريبا أو بعيداً ، على موقع ويكيليكس أو غيره . بل قد لا نراها أبداً ، لان إيران إسرائيل اليوم بقرة مقدسة ممنوع المس بها أو بأتباعها , فمنذ أن اصدر البروفسور برنارد لويس المؤرخ اليهودي الأبرز فتواه التي تقول بان العراق دولة مصطنعة مفبركة ، ومنذ أن خرج علينا جوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكي بأخرى تطالب بتقسيم العراق على أسس طائفية وعرقية ، أدركنا أن المؤامرة قادمة ، وان الأمة مستهدفة ، فقررنا الوقوف في الخندق الآخر، خندق الأمة في مواجهة هذا المخطط الجهنمي وكل المتواطئين معه ، ونالنا من اجل ذلك الكثير , أحد الذين مارسوا التضليل الإعلامي ، وسقط في المصيدة الأمريكية ، وتفنن في تشويه صورة كل المعارضين للحرب عبر إحدى الشاشات الطائفية الحاقدة التي كان يعمل فيها ، سألنا في أحد الأيام ، وبعد أن زالت الغشاوة عن عينيه بعد زيارة لبلده المدمر ، أو هكذا قال ، كيف حسبتموها صحاً ! فكل شيء توقعتموه حصل بالفعل : الدمار ، القتل ، التمزيق ، القتل على الهوية ، نهب المليارات ! لم نحسبها صحا أو خطأ ، وإنما اهتدينا ببوصلة العقل والمنطق والوطنية ألحقه ، وسرنا خلف حدسنا العربي الإسلامي الذي قال ، ويقول لنا ، إن أمريكا لا يمكن أن تقف في خندق الحق عندما يكون صاحبه عربيا أو مسلما ، ولا تخوض حروبها ضد المسلمين ألا لنصرة إسرائيل , هناك انتقائية متعمدة في نشر هذه الوثائق , نعم , هناك توقيت تم اختياره بعناية لتسريبها , أمر مؤكد , هناك محاولة تسييس متعمدة لتحقيق أهداف معينة بتجريم إطراف لصالح أخرى , لا خلاف على ذلك مطلقا . فالوثائق أمريكية ، ومن سربها أمريكي ، ولا بد إن هناك غرضاً ما من وراء كل ذلك إلى جانب نشر الحقيقة . فإيران اليوم مستهدفة ، والقيادات السياسية العراقية اليوم في العراق ابرز الأهداف وتعتبرهم إيران رجالها الأقوياء ، تربوا في حضنها ، ورضعوا من ثديها ، واتخذوا منها مقرا وراعيا عندما كان أقطاب وزعماء للأحزاب المعارضة , أمريكا كانت تعرف أن رجالات إيران هم عماد المعارضة التي مولتها وتعاملت معها للإطاحة بالنظام السابق ، واعتقدت أنها تستطيع توظيفهم لخدمة مصالحها ، ولكن الطبع يغلب التطبع ، وجاءت النتائج عكسية تماما، وصبت كل الجهود الأمريكية في خدمة إيران , لقد نجحت إيران في خداع أمريكا وحلفائها العرب ، وجنت النتائج كلها دون إن تطلق رصاصة أو تخسر تومان إيرانيا واحدا فهنيئا لها , عندما يختلف اللصوص تظهر السرقات ، وتتكشف معالم الجريمة ، والمتورطون فيها ، الواحد تلو الآخر، ومن الخطأ التعاطف مع أي من هؤلاء الذين ولغوا في الدم العراقي ، أو الانحياز إلى طرف ضد الآخر , جميعهم كانوا فاعلين في مخطط تدمير بلادهم لأسباب طائفية أو عرقية أو مصلحيه ذاتية ، وأعمتهم أحقادهم وثاراتهم وتعطشهم لسفك الدماء عن رؤية مصلحة البلاد العليا ، وهل نسينا أيضا مجزرة الفلوجة التي ارتكبتها القوات الأمريكية بضوء أخضر منه ، وبمشاركة قوات حكومته قنوات الكفر والإلحاد الفضائية التي ظلت على مدى سنوات تبث الوثائق الأخيرة ، وتستضيف المحللين للنبش فيها ، وكشف المستور من الجرائم البشعة من الذي أغلق مكتبها في العراق ، وطرد العاملين فيه ! على هذه الخطوة القمعية للتغطية على الجرائم الأمريكية في العراق ومنع وصولها إلى العراقيين والعرب والعالم ! الم يفعل ذلك بمباركة أمريكا زعيمة العالم الحر وأم الحريات الإعلامية وهنالك وثائق تدين دعم القنوات الفضائية التي تعتبر نفسها عربية بدعم الإرهاب ! تقول الوثائق إن إيران تتدخل في الشأن العراقي الداخلي وتدعم ميليشيات مسلحة ، وتهرب أسلحة إلى العراق . انه تفسير للماء بالماء بعد جهد جهيد , فهل كان الأمريكان وحلفاؤهم العرب يتوقعون غير ذلك , ثم لماذا لا تتدخل إيران وتعزز نفوذها انتقاما من بلد حاربها لثماني سنوات ، وشكل سدا منيعا في وجه مخططاتها التوسعية ، وتصدير ثورتها إلى الشاطئ الآخر من الخليج العربي . وهل من الذكاء أن ترفض هدية أمريكية جاءتها برأس هذا العراق العظيم على طبق من الذهب !
إيران ليست سويسرا ، وتاريخ المنطقة حافل بالصراع بين هضبتها والسهل العراقي ، وطموحاتها الإقليمية معروفة ، المشكلة لا تكمن فيها، وإنما في قصر النظر العربي ، والعمى الأمريكي ، الناتج عن رؤية العالمين العربي والإسلامي من المنظور الإسرائيلي فقط ، وها هو السحر الإسرائيلي ينقلب على الساحرين العربي والأمريكي معا ، فالعرب يخسرون العراق ، وقد يتحولون إلى سبايا لإيران وأمريكا تخسر أربعة تريليونات دولار وآلاف القتلى ، وسمعتها فوق ذلك، بسبب هذه السياسات الخرقاء العوراء.
نسمع دعوات ومطالبات هنا وهناك بإجراء تحقيقات أممية أو غربية في جرائم الحرب هذه التي كشفت عنها الوثائق المذكورة .
لا نشعر بالتفاؤل مطلقا ، ولا نتوقع إن نرى هذه التحقيقات تأخذ مجراها في زماننا، وإذا بدأت فعلا ، فلن يكون لها أي جدوى ، لان الأمم المتحدة ومنظماتها عبارة عن مستعمرات أمريكية ، تأتمر بأمر البيت الأبيض ، وجميع لجان التحقيق التي تشكلت في بريطانيا وأمريكا حول حرب العراق لم تجرم أحدا ، ودليلنا إن توني بلير اكبر مجرم حرب في التاريخ ما زال مبعوثا للسلام في الشرق الأوسط ، وتفرش له حكوماتها السجاد الأحمر، وتغرقه بالأموال مقابل استشارات , إما جورج بوش الابن فيتمتع ، وأركان حكومته ، بتقاعد هادئ مريح في مزرعته بتكساس ! نتطلع إلى محاكمة عراقية ، نأمل إن نعيش وقائعها ، يمثل إمامها في قفص الاتهام كل الذين تورطوا في تمزيق بلادهم ، وإغراقها في حمامات الدم التي نراها، وحولوا العراق كله إلى مقبرة جماعية ، وأقبية تعذيب، سواء كان هؤلاء من أعضاء مجلس حكم بريمر ، أو رؤساء وزراء وقادة أجهزة وميليشيات ، أو من رهط الأدباء والمثقفين و المفكرين و نجوم الفضائيات الذين برروا وسهلوا العدوان . هؤلاء يجب أن يقدموا إلى محاكم عادلة نزيهة تستدعي الشهود ، وتتعزز بالوقائع والقرائن على التواطؤ وهناك أطنان منها ، وهي قطعا ستكون محاكم مثيرة ومشوقة في آن نتطلع إلى اليوم الذي نرى صحوة عراقية عابرة للطوائف ورئيساً عراقياً منتخباً ووطنياً وعادلاً ، يوقع مراسيم تنفيذ عقوبة الإعدام في حق كل من سفك قطرة دم عراقية واحدة ، فمن قتل نفسا بدون حق كأنه قتل الناس جميعا ، وليس ذلك على الله بكثير .. ولله – الآمر

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here