معضلة السكن تؤرق ملايين العراقيين والحكومة تواجه الأزمة بـ 52 مدينة

يحتاج العراق إلى إنشاء 3 إلى 3.5 ملايين وحدة سكنية للحد من الأزمة المزمنة في هذا القطاع، وفي محاولة لتقليص الفجوة باشرت الحكومة بإنشاء 52 مدينة سكنية في المحافظات الوسطى والجنوبية، إلى جانب مجمعات سكنية وقروض متنوعة لبناء وترميم وشراء الوحدات السكنية، في حلول وصفت بـ”الجذرية” لحل المعضلة التي تؤرق الملايين في البلاد.

وتحاول السلطات، جاهدة منذ نحو 5 سنوات، معالجة أزمة الإسكان عبر إطلاق خطط تتلاءم مع التعداد السكاني الذي يتجاوز 43 مليون نسمة، إضافة إلى الاعتماد على إجراءات لتسهيل حصول المواطنين على القروض بفوائد مقبولة.

وتم الشروع بخطط تستهدف بالأساس الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، إذ يصطدم الكثير من السكان وخاصة الطبقتين المتوسطة والفقيرة بالعراقيل في سبيل الحصول على مسكن جراء الأسعار الخيالية، والتي كانت نتائج سياسات تخطيط خاطئة على مدار عقدين، فضلاً عن استشراء الفساد.

أسعار خيالية

وفي هذا السياق، يقول المواطن أبو حسين (55 عاماً) الذي يسكن الإيجار في محافظة بابل، إن “أغلب المواطنين لا يستطيعون شراء السكن بسبب ارتفاع الأسعار، سواء قطع الأراضي التي ارتفعت بشكل غير طبيعي أو المجمعات السكنية التي ارتفعت أسعارها أيضاً بصورة مبالغ فيها”.

ويضيف أن “المواطنين أصحاب الدخل المحدود وحتى أصحاب الطبقة الوسطى لا يستطيعون شراء شقة سكنية بسبب الأسعار الخيالية وأقساطها غير المعقولة التي تصل إلى أكثر من 50 مليون دينار كدفعة أولى”، داعياً الجهات المعنية إلى توفير أقساط ملائمة ومريحة تناسب المواطنين من أصحاب الطبقتين المتوسطة والفقيرة.

وفي محاولة منها للحد من أزمة السكن وارتفاع أسعار العقارات في العراق، كشفت وزارة الإعمار والإسكان العراقية عن اتخاذها عدة إجراءات لخفض الأسعار، من خلال إنشاء 52 مدينة سكنية جديدة في عموم أنحاء البلاد.

وينوّه المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان، استبرق صباح، في بداية حديثه إلى أن “أزمة السكن لن تنتهي خلال عام أو عامين، لكن البرنامج الحكومي الحالي وفيما يخص وزارة الإعمار والإسكان وضع المدن السكنية الجديدة محوراً أساسياً”.

52 مدينة سكنية جديدة

ويوضح صباح “حيث تم وضع الحجر الأساس لمدينة الجواهري في 27 كانون الأول 2023 في منطقة أبو غريب ببغداد، وهي مدينة مستدامة فيها أكثر من 30 ألف وحدة سكنية (عمودي وأفقي)، وفيها 10 آلاف قطعة أرض مخدومة، وهي سوف تكون متكاملة من ناحية الخدمات والمرافق والتعليم والصناعة والتجارة والصحة وكل استعمالات الأرض فيها، وكذلك ستشمل بمترو بغداد مستقبلاً، وستكون أسعارها مدعومة نوعاً ما ووفق ما قدمه المقاول أثناء مرحلة التفاوض فيما يخص الدراسات الفنية والجدوى الاقتصادية، فالحكومة لن تسمح بحدوث مضاربات كما يحصل في المجمعات السكنية”.

ويضيف، “كما ان هناك مدينة علي الوردي في بغداد، ولم يقتصر ذلك على العاصمة، فقد تم وضع الحجر الأساس لمدينة الغزلاني السكنية في محافظة نينوى في 4 شباط 2024، لإنشاء 28 ألف وحدة سكنية على مساحة 4 آلاف و800 دونم، كما هناك مدينة الجنائن في محافظة بابل، ومدينة ضفاف كربلاء في محافظة كربلاء، كما هناك في النجف والعمارة والأنبار وصلاح الدين، إذ هناك بحدود 52 مدينة سكنية لوزارة الإعمار”.

نسب مجانية للفقراء

ويوضح المتحدث باسم وزارة الإعمار، أن “الحكومة اشترطت فيما يخص مدينة الجواهري السكنية اعطاء 10 آلاف قطعة أرض مخدومة بشكل مجاني للحكومة، لتقوم الأخيرة بتوزيعها على الفقراء (الفئات الهشة والمتوسطة)”.

أما في الغزلاني، فقد فرضت الحكومة 15 بالمائة من مجموع 28 ألف من الوحدات السكنية، أي سوف يعطي المستثمر أو المقاول 4200 وحدة سكنية مجاناً للحكومة، والأخيرة سوف توزعها بشكل مُيسّر أو مجاني على الفقراء، يقول صباح.

ويتابع، “وكذلك في باقي المدن السكنية، فقد تم وضع استراتيجية للتفاوض مع المستثمرين بأخذ نسبة مئوية مجانية، وهذه النسبة إما تكون قطع أراضي مخدومة، أو وحدات سكنية بمختلف أنماطها سواء كانت عمودية أو أفقية”.

وعن دور هذه المجمعات السكنية بالحد من أزمة السكن في العراق، يبيّن صباح، أن “هناك قرابة 190 ألف وحدة سكنية في مدن (الجواهري وعلي الوردي والغزلاني) فقط، أما عند احتساب عشرات المدن الأخرى في باقي المحافظات الوسطى والجنوبية فإنها سوف تحد من أزمة السكن”.

كما أن الحد من أزمة السكن لا يقتصر على المدن السكنية، بحسب صباح، بل هناك مجمعات سكنية تقوم بها دائرة الإسكان، وهناك آلاف القروض للبناء والترميم التي يصرفها صندوق الإسكان العقاري شهرياً، بالإضافة إلى آلاف القروض التي تُطلق من المصرف العقاري التابع لوزارة المالية شهرياً لشراء الوحدات السكنية.

“لذلك، أن هذه القروض إلى جانب صندوق الإسكان والمجمعات التي تقوم ببنائها دائرة الإسكان، إضافة إلى المدن السكنية الجديدة، جميعها تعد حلولاً جذرية على أرض الواقع تُساهم وبشكل فعّال في تقليص الفجوة السكنية بالعراق البالغة بحدود 3 ملايين إلى 3.5 ملايين وحدة سكنية، بحسب التقديرات”، وفق المتحدث باسم وزارة الإعمار.

ويؤكد، أن “هذه المشاريع سوف تسد من هذه الحاجة تباعاً، وهي تتطلب تخطيطاً قصيراً ومتوسطاً وبعيد المدى، وعدا التخطيط المتوسط والبعيد المدى، فهي تحتاج إلى سنوات”.

لكن لا ينبغي تجاهل النمو السكاني الذي يزداد باستمرار، وفق صباح، “ففي ظل الحاجة إلى إنشاء أكثر من 3 ملايين وحدة سكنية، فإن النمو السكاني يزداد مليون إلى مليون و200 ألف نسمة سنوياً، وهذا عند تقسيمه على حجم الأسرة يظهر إضافة نحو 160 ألف وحدة سكنية هي احتياج سنوي للرصيد السكني”.

وينوّه، “لذلك، أن تغطية الحاجة السكنية البالغة أكثر من 3 ملايين وحدة سكنية ليست بالأمر السهل، بل تحتاج إلى سنوات طويلة، لكن هناك إجراءات حقيقية وملموسة على أرض الواقع من قبل الحكومة الحالية بأقصى ما تستطيع من إمكانيات مادية وفنية وتخطيطية”.

المضاربات التجارية

من جهته، يشدد الخبير الاقتصادي، كريم الحلو، على ضرورة “منع شراء الوحدات السكنية لمن لديه منزلاً في الأساس لكن يرغب بالمتاجرة فيها، إذ لن تحل الأزمة في ظل بقاء المضاربات التجارية”.

ويضيف الحلو أن “حل أزمة السكن يتم وفق طرق عديدة، ففي ألمانيا على سبيل المثال، هناك ما يسمى بالسكن الاجتماعي للطبقات الفقيرة، وهذه تكون بلا تكاليف عالية لتناسب الفقير، ويسكن فيها ومن ثم يبدأ بتسديد إما الإيجار أو أقساط البيع”.

ويوضح، أن “أراضي المجمعات السكنية تُعطى مجاناً للمستثمرين، لذلك ينبغي توزيع الوحدات السكنية للذين لا يملكون سكناً حصراً، ومنع مداورتها، لأنها عندئذ تخضع للمضاربات وترتفع أسعارها”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here