ثقافة فن الحياة – اطعمتنا غير صحية، تعرضنا الى امراض! (اقتباس)

د. رضا العطار

لقد غدت مائدتنا بفضل وسائل العصرالحديث مجهزة بعدة كاملة بما نحتاج اليه من سكين وشوكة وملعقة, كما اصبح لكل منا طبقه الخاص به، لكن مطبخنا لا يزال كما كان عليه قبل ألف سنة، يقدم طعاما غير صحيا, يسبب لنا السمنة ويعرضنا الى امراض مختلفة ويعجل علينا الشيخوخة المبكرة, فإننا ما زلنا نختزن الدهن في بيوتنا كأننا نخشى قحطا، ثم ان اختزانه يشجع الطباخ على الاسراف من استعماله, وهو يخفي به عيوب فنه. مع ان حوانيتنا في اصغر الشوارع تبيع الزبدة والدهن والزيت النباتي, والأخير احسنها واصحها, لأنه لا يحتوي على الكولسترول الحيواني الذي يسبب لنا المشاكل الصحية وفي مقدمتها السمنة، مسببة لنا ارتفاع ضعط الدم ومرض السكر وتلف المفاصل وحصاة المرارة والكلية وتصلب الشرايين وامراض القلب والسكتة الدماغية.

نُشر في شهر آب عام 2010 احصائية علمية بمناسبة – اليوم الصحي – في الولايات المتحدة الامريكية شملت 2500 من الاشخاص الذين يراجعون المستشفيات و الذين يعانون من السمنة. فقد تبين ان 70% منهم لا يعتقدون ان زيادة الوزن عندهم تشكل خطرا على صحتهم – – – واني اتسائل : لو كان الامر هكذا في مجتمع حضاري متقدم في خدماته الطبية، فكيف يكون الحال في المجتمعات الاخرى ؟

لو امعنا النظر في طبيعة اطعمتنا نجد ان معظمها مالحة دسمة. تؤدي الى تضخمنا واستكراشنا، بل هي ترهقنا عقب الغداء حتى ان كثيرا من الشباب ينامون كأنهم شيوخ متهدمون. بل الواقع ان وجبة الغداء الثقيلة المالحة و الدسمة تحدث دوارا لكل منا، ومن هنا يظهرهذا الخمول الذي نحسه بعدها. لكننا نقاوم هذا الخمول في كسل وتثاوب او نستسلم له وننام. وفي كلتا الحالتين نفقد النشاط والحيوية.

واول اصلاح يحتاج اليه مطبخنا هو تجنب اختزان الدهن في البيوت، وليس هذا تكليفا باهظا لربات البيوت العراقيات. ويجب ان يتعلمن كيف يطبخن بالدهن النباتي دون استعمال الكثير من السمن المخزون، ومن العيوب المألوفة في طعامنا كثرة الخبز والرز ومواد نشوية اخرى وقلة الخضروات. وهذا يؤدي الى تضخمنا وانتقاص نشاطنا, تعرضنا للأصابة بالامراض . اذ لا يكاد تخلو اسرة عراقية من الطبقة الوسطى لا يكون احد افرادها المتضخمين مصابا بمرض السكر نتيجة استهلاكهم لطعام غير صحي, لوفرة وجود الدهن و كثرة الخبز والرز على مائدة طعامنا. ان هذه الامراض تسببها طبيعة غذائنا والتي تختصر حياتنا او تورقها وتشقيها بألوان من العجز . كل ذلك نتيجة افتقارنا لثقافة التغذية.

ان استهلاكنا للألبان ومشتقاتها شحيح نسبيا بالمقارنة مع استهلاك الاوربين لها. هذا على الرغم مما قالوا عنا بأننا امة زراعية. صحيح اننا هكذا ولكننا لا نكاد نعرف شيئا عمّا لمنتوجاتنا الزراعية من فوائد، ان اولئك الذين زاروا اوربا وخاصة المانيا وفرنسا يعرفون جيدا ان هناك يوجد اكثر من خمسين نوعا من الاجبان. فاللبن ومشتقاته خير الاطعمة لأي انسان في اي سن. ومن المرجح ان تكون في حوزة العائلة الفلاحية بقرة.

فالمعروف ان وجبة الغداء عندنا هي الوجبة الاصلية مع ان النهار للنشاط, يكفيه طعام خفيف لا يرهق اما الوجبة الاصلية فتوزع بين الفطور والعشاء. وهذا الذي قلناه بشأن الطعام لا يقتصر طبعا على الصبي او الشاب دون الشيخ والكهل انما الجميع فيه سواء . واذا نحن اتبعنا في بيوتنا الاقلال من السمن والمواد النشوية واكثرنا من الخضروات واللبن ومشتقاته فأن صحتنا العامة سوف ترتقي, ويكون لهذا أثره الايجابي بعد الخمسين من العمر حيث الوفرة في الصحة والنشاط .

يحتاج المسنون عامة الى وجبات خفيفة قد تكون اربعا بدلا من ثلاثة , بعيدة عن الدسم مع الاقلال من المواد النشوية والاكثار من الخضروات المطبوخة.
كثيرون عقب الخمسين يميل الى زيادة ضغط الدم. فعلى هؤلاء الاستفادة من استشارة الطبيب, والاقلال من استعمال الملح في الطعام مع ايثار لحم السمك والدجاج على اللحم الاحمر. واذا لم يكن ميسرا للمسن اكل اللحم فعليه بالبقليات كالفاصوليا واللوبيا والعدس الذي يكون غزيرا بمادة البروتين النباتي.

تتسم صالة المائدة العصرية لدى المتمدنين بتزيينها بالورد والرياحين و صور جدارية حلوة, مثلما تتجمل المائدة بالاقداح الانيقة والاواني الفاخرة، يسمع فيها موسيقى خفيفة هادئة، كل شئ تجده نظيف انيق يطفح بالذوق الجميل, والغاية من مائدة العشاء ليس ملئ الجوف انما الغاية تهيئة الفرص لأذكاء النفس وبث السرور بين الضيوف وهم يتبارون بالملاحظات العابرة فضلا عن اطعام الجسم واروائه, ان هذا الاسلوب الحضاري صحي و مفيد. على عكس اسلوب الانكباب والالتهام ونهم الطعام، فانه اسلوب مقيت مشمئز ومضر. ان المائدة المؤطرة بأنواع الطعام الشهي، تتناثر عليها شذرات الزهور تطفح بالعبق الفواح تفضي على الحضور احساس السرور يزيد من لهفة الجلوس. يأكلون لكن بتأني وتأدب وعلى مهل, يتحدثون بين اونة واخرى لكن دون ان تكون اللقمة في فمهم, حتى يجعل صاحب الدار يشعر ان ضيوفه يتمتعون بسُفرته ويتلذذون بطعامه, بهذه الصورة فقط نعطي لحياتنا وصحتنا رونقا حضاريا.

* مقتبس من كتاب حياتنا بعد الخمسين للعلامة سلامة موسى مع التصرف.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here