التبعية والقبَعية!!

قبَعَ في منزله: إنزوى فيه وتوارى عن الأنظار.

فالقبَعية هنا المقصود بها الإنزوائية (إنزوى: إعتزل).

يبدو من العبث الإمعان بالكلام والكتابة عن التبعية , فهذه من المصطلحات التي إخترعناها لنعزز شللنا الحضاري , ونديم تيبسنا وتحنطنا في أفران الأيام الصاخبة المتجددة الأنوار.

فالمجتمعات البشرية متداخلة منذ الأزل , ودرجة التداخل تتناسب طرديا مع قدرات التواصل فيما بينها , فكلما تطور التواصل تعزز تشابهها , وتمازجت رؤاها وتصوراتها وآليات تفاعلها مع التحديات والتطورات.

أي أن الثقافات البشرية متشابكة ومؤثرة ببعضها , ففي كل مجتمع مهما كان شيئ من مجتمع أو مجتمعات أخرى , فعلى سبيل المثال لو فتشت عن ثقافة العرب والمسلمين ستجد ما يمت بصلة إليها في معظم مجتمعات الدنيا , ولو فتشت عن ثقافة أي مجتمع آخر لوجدت شيئا منها في مجتمعاتنا , وهكذا تمضي المسيرة البشرية.

وفي الزمن المعاصر ستنطبخ الثقافات في وعاء واحد , وسينجم عن ذلك ولادة ثقافة إنسانية واحدة , لها دورها المؤثر في حياة الناس أجمعين.

ولهذا من العبث تكرار أو إستعمال مصطلح التبعية لتجريد مجتمع ما من دوره الحضاري المعاصر , ففي كل مجتمع شيئ من ثقافة عصره , لكن بعض المجتمعات تمتلك عيبا خطيرا هو الإذعان للمصطلحات التخديرية , فتتنازل عن دورها وتلغي عقلها بإرادتها , مما يدفعها إلى الإنزواء في حالات متخيلة أو متصورة لا وجود لها في الحاضر والمستقبل , وتتوهم بأنها موجودة في ماضيها , فتقبع فيه وتبتعد عن مفاعلة عقولها مع الحاضر , وتعجز عن إستحضار رؤية مستقبلية تؤهلها للإنطلاق الواثق المُجيد.

ففي مجتمعاتنا برغم حضور الثقافة المعاصرة وهيمنتها على الواقع المُعاش , لكن العقول في إجازة أو أنها معطلة وممنوعة من التواصل الإبداعي الخلاق مع هذه المعطيات , التي تؤهلها للعطاء الأصيل والمتميز.

ويبدو أن هناك الكثير من الخطوط الحمراء والحواجز النكداء التي تحيل بين البشر وتفعيل عقله , ويأتي في مقدمتها أجندات وتابوات المتاجرين بالدين والمستعبدين للناس والقابضين على وجودهم بأصفاد المحرمات والممنوعات , والخوف من العقاب والحرمان من الثواب.

ولكي تكون هذه المجتمعات وترتقي إلى جوهر ما فيها من الطاقات , عليها أن تتخلص من قيود الإستلاب العقلي والفكري , وتقتحم ميادين العصر بعقول حرة متفاعلة مع معطيات الثقافة العالمية المتنورة بالعلوم والتكنولوجيا الفائقة الإبتكار والنماء.

فلا توجد تبعية بالمعنى الحرفي للكلمة , وإنما هذه أساليب لتشديد القبضة على العقل وتأكيد مستلزمات الإعماء الحضاري , لكي يتمكن المتاجرون بمصير المجتمعات تحقيق أعظم الأرباح.

ولا بد للعقول الحرة أن تنطلق وتحطم بإرادتها المستنيرة جدران الإنزوائية , وصناديق القبعية , والإنهمادية (هامد: بلا حراك) في ظلمات الأجداث وأحابيل الضلال والبهتان المعشعش في رؤوس الأجيال المبتلاة بمن يجعل من النور نارا!!

فقل إن العقل ميدان نور!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here