حكومات بعد 2003نست نفسها وتبعت دستور ابليس ففاقت بضحالتها وزيفها !!!

أ.د. سلمان لطيف الياسري

لقد عرفنا عن حكومات العالم شيئاً ليس بالقليل! ولكن لم نعرف حكومة في هذا العالم تعمل في بلدها لمحافظات معيّنة دون أخرى! حكومة فئات دون غيرها. تسعى، تلملم مشاكل، لا علاقة لها بالعموم، بالفقراء، بالمسحوقين، بالمظلومين الذين بلغ عددهم وفق الاحصائيات الدولية قرابة ثمانية ملايين أو أكثر من هم تحت خط الفقر وفق تقرير لوكالة CIA، وهذه الاحصائيّة كانت في عام 2008 وتجدها في الموقع التالي:

https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/iz.html
Middle East :: Iraq — The World Factbook – Central Intelligence Agency
Iraq’s largely state-run economy is dominated by the oil sector, which provides roughly 85% of government revenue and 80% of foreign exchange earnings, and is a major determinant of the economy’s fortunes. Iraq’s contracts with major oil companies have the potential to further expand oil exports and revenues, but Iraq will need to make …
www.cia.gov

وتقول الاحصائيّة أنّ 25% من نفوس العراقيين تحت خط الفقر وفق إحصاءات ذكرها الموقع التابع) ويقول التقرير أنّ هناك عاملان مهمّان يؤديان الى حصول عمليّة تحفيز النشاط الاقتصادي، هذا العاملان هما: بيئة الامن والاستثمار المناسب. ونسأل منذ عام 2008 الى الان، ماذا قدمت الحكومة للعراقيين من تحسين بيئة الأمن أو استثمار مناسب يتناسب مع القدرة المالية المتنامية في العراق كثروة، كي يقال أنّ هناك تحفيزا اقتصاديا في البلد ذلك الذي ذكره التقرير، كعنصرين اساسيين لتحفيز النشاط الاقتصادي! ويشير التقرير المذكور كذلك الى انّ (العراق يحقق تقدما بطيئا في سنّ القوانين وتطوير المؤسسات اللازمة لتنفيذ السياسة الاقتصادية، ولا تزال هناك حاجة الى الإصلاحات السياسية لتهدئة مخاوف المستثمرين بشأن مناخ الأعمال غير المؤكد، والذي قد تضرّر من نوفمبر 2012 أثر المواجهة بين بغداد وأربيل، و إزالة محافظ البنك المركزي في أكتوبر 2012. كما أنّ الحكومة العراقية حريصة(هكذا!) على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، لكنّها تواجه عددا من العقبات بما في ذلك النظام السياسي الضعيف(!!) ومخاوف بشأن الأمن والاستقرار المجتمعي، الفساد المستشري في دوائر الدولة، والبنية التحتية التي عفا عليها الزمن، والخدمات الأساسية غير الكافية، ونقص العمالة الماهرة، و القوانين التجارية العتيقة كلّها أدّت الى خنق الاستثمار والاستمرار في تقييد نمو القطاع الخاص، غير النفطي). ونحن نضيف الى ذلك التقرير، الاهمال المتعمّد للكفاءات الموجودة في الداخل والخارج والدفع بها بعيدا عن دوائر العمل والتطبيق وتقريب مجاميع المنتفعين والوصوليين الذي يحملون صفة التحزّب والانتماء الى التكتلات الحاكمة والتي جرّبتها ساحات العمل في كلّ جهاته فكانت النتيجة هي تلك التي تراها وتسمعها!

ويقول التقرير(لا زال القادة العراقيّون غير قادرين على أن يترجموا مكاسب الاقتصاد الكلي إلى تحسين مستوى المعيشة لسكان العراق. ولا تزال مشكلة البطالة في جميع أنحاء البلاد مستشرية على الرغم من وجود قطاع عام متضخم). لقد سعت هذه الحكومة والحق يقال! الى ان تجعل القريب والبعيد يتصارع من اجل ان تحكم هي وتسيطر، لا أكثر! لقد ضمّت هذه الحكومة منذ بدايتها عناصر غريبة عن خدمة المجتمع العراقيّ المسحوق منذ اكثر من ثلاثة عقود. نحن لا نبخس حقّ من يعمل من الفعّالين والنشطين، فيها وفي أيّ مكان، لا أنال الله نوال من يتكلّم عنهم بسوء أو عيب، عاملون مخلصون. لكنّ الكلام عن الآخرين وهم الأغلب في هذه الحكومة. لو زار أحدكم زيارة لا أكثر، دائرة من دوائر خدمات الناس في وزارة الداخلية مثلاً والتي تمثّل عصب السيطرة على الشارع أو هي كما ينبغي لها! هذه الدائرة هي دائرة (شهادة الجنسيّة!)، سترى ما لا تتمناه عيناك! سترى مجموعة تعيش في القرن الثامن عشر خارج التأريخ وداخل الجغرافية. حيث الجغرافية ضمن جغرافية العاصمة المتألمة مستصرخة الضمائر التي تركتها تعجّ بالأصوات المستغيثة ولا مناد ولا مجيب! دائرة يجيء اليها المواطن ليساء اليه، ولتحطّم إنسانيّته، ولا فرق في التحطيم في هذه الدائرة (للانصاف!) بين الرجل والمرأة!، بين الكبير والصغير، بين الكفيف والبصير، فالكلّ هناك متساوون بحيث لم يتركوا لمنظمات حقوق المرأة مجالاً للإعتراض على معاملة النساء وتفريقهم عن الرجال!! فالتدافع للجميع على حدّ سواء، والإنتظار يشمل الجميع والرشى منتشرة لا تفرّق بين رشوة من رجل او إمرأة، والأصوات العالية وشبابيك المراجعين كأنّها زنزانات السجون! لا فرق بين أحدٍ وأخر إلاّ ممّن له واسطة من الواسطات أو ملأ الجيوب بمال السحت!

هل قام السيد الوزير (بالوكالة!) بزيارة الى هناك!؟ ام إنّ هذه الدائرة خارج نطاق المسؤولية؟! هل ذهبت كاميرات النقد وبرامج التسويق الاعلاميّ الكاذبة لتكشف هذه الصور؟! أم الخوف من النقد الذي لا تعرف نتائجه! يوم دخولك وساعة بداية معاملتك من الباب الى ان تغادر الدائرة تشعر بأنّك فقدت شيئاً ثميناً بل هو الأثمن! إنّها كرامة الإنسان وعزّته! (ولقد كرّمنا بني آدم)، أهكذا التكريم أيّها الاسلاميون الحاكمون؟! أهكذا يعامل أبناءنا وأهلونا، أما يكفي الناس من ظلم وتهديد ليدخلوا دائرة القرون الماضية فيمضون منكسرين خائبين، لما جرى عليهم! حيث يفتخر عدد من العاملين هناك أنّه داس على كرامة انسان من اجل ان يخرق قانوناً ويهين امرأة او رجلاً من اجل صديق او قريب له قادم لإتمام اجراءات شهادة جنسية عراقية لم يشهد بها الاّ من هو يحتاج الى شهادة من الآخرين على أنّه عراقيّ ويحمل كرامة العراقي!

هل زار السيد رئيس الوزراء دائرة من الدوائر البائسة هذه ليطّلع على ما يحصل؟! أم نسي السيد الهالكي ما كان يقال به على المنابر عن خصال وسياسات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (في فلسفة حكمه سلام الله عليه في رسالته لمالك الاشتر النخعيّ حين ولاّه مصر((بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أمر به عبد الله أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر، في عهده إليه حين ولاه مصر، أمره بتقوى الله، وإيثار طاعته، واتباع ما أمر به كتابه)) ثمّ يقول سلام الله عليه(( ثم اعلم يا مالك، إني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وإن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه إلى أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح)(@) ويقول سلام الله عليه:(أشعر قلبك الرحمة لهم فإنّك فوقهم. أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصّة أهلك، ومن لك فيه هوى من رعيّتك وليكن أحبّ الامور اليك اوسطها في الحقّ، واعمّها في العدل واجمعها لرضى الرعية، فإنّ سخط العامّة يجحف برضاء الخاصّة، وإنّ سخط الخاصّة يغتفر مع رضا العامّة، وليكن أبعد رعيتك منك أقربهم لمعايب الناس). هلاّ قست ما تملك من هذه الصفات أيّها الاخ الكريم يا سيادة رئيس الوزراء ويا وزراء الحكومة الاسلاميين؟!

هل نسي الاخوة الاسلاميون هذه القصص والدروس؟! أهكذا تصل بالحاكم السلطة الى اماكن لا يعلمها الا الجبّار. اذا قام احد بالنقد اللازم لاجل التصحيح في المسار يقال انّه يريد ان يخرّب العملية السياسية؟ لا بارك الله بهكذا عملية سياسية قد إستمرّت ودانت للآن على دماء المحرومين والمظلومين واسسها من هو الظالم الاكبر على مستوى العالم! نرجو ان يعي هذا الكلام ذلك الذي يغلّف الاعمال بسلوك اسلاميّ! والذي كان يظهر في مجالس الحسين عليه السلام بربطة حمراء! لمحاولة الضحك على الفقراء والعامّة. هؤلاء الفقراء والعامّة المظلومة ايها السادة باتوا يسخرون ممّن يسخر منهم. انّهم عراقيّون ابناء هذه التربة المغمّسة بدماء الشهداء الذين سقطوا، منهم من كانوا قادة قبل القواعد، شهداء من الجنوب والشمال يشهد لهم السهل والهور والصحراء والجبال لتلك الدماء الزكية، بالأثر تلو الاثر. هذه التربة ما زالت تضمّ رفات الكثير من الشباب والكهول الذين لم يعثر على رفات الكثير منهم الى الآن! نعم لقد نسيتم! أركضوا واملأوا صناديق الانتخاب القادم لتستوزروا وتتسيّدوا وابدلوا بدلاتكم ببدلات الديباج والاربطة اللامعة وحاولوا أن تصلّحوا من الاجساد المتهاوية المستمتعة بما تبقّى من قوة! إنّها الحياة التي إشتراها غيركم بآخرته! وكان ما كان! اتقوا الله حين خلوّكم لانفسكم ولو قليلاً وتذكروا القول الكريم(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(@@). ولا نقول أنتم منهم! ولكن نقول لا تكونوا كذلك!

كنا نرى الحثالة في قعر فنجان الشاي أما اليوم فقد صرنا

نعم انهم الحثالة بعينها . و لم يتغيروا و صاروا رؤساء جمهورية و مجلس نواب و مجلس وزراء لكنهم بقوا حثالة. يقيمون حكما اسلاميا طائفيا عنصريا مليئا بالألوان القبيحة و مليئا بالعمائم و الفتاوى الزائفة لكنهم بقوا حثالة . سرقوا مئات المليارات من قوت الشعب و ملأوا بها البنوك الأجنبية و اشتروا الممتلكات و الجزر و المنتجعات .. لكنهم بقوا حثالة . وضعوا مئات الالاف من الخدم و الحشم و الحمايات و المليشيات التي تحمي وجودهم لكنهم بقوا حثالة .ركبوا أحسن السيارات و سكنوا أحسن القصور و اكلوا و شربوا أحسن ما يؤكل و يشرب لكنهم بقوا حثالة . تظاهروا بالوطنية و الجهادية و تحدثوا عن الحق و العدل و الحرية و محاربة الفساد و أسسوا عشرات الفضائيات التي تنشر كذبهم و دجلهم بين الناس لكنهم بقوا حثالة . أسسوا أحزابا تنهق و تزعق أوجدوا لأنفسهم طبقة أحثل منهم من المؤيدين من أصحاب الأقلام و الشهادات تلمع صورهم و أحذيتهم ليل نهار لكنهم بقوا حثالة . حصلوا على تأييد بعض الدول التي كان لها الفضل في وجودهم و بقائهم لكنهم بقوا حثالة .

انهم حثالة مهما فعلوا و بأي مظهر ظهروا . و تبقى المهمة الوحيدة للشعب الان هي غسل فنجان العراق من الحثالة التي دورت نفسها مرات و مرات فلا يصح أن يستمر كل هذه السنين زمن الحثالة …

لم ينصف أي مخلوق الناس ، رغم حث رب العالمين على ذلك ، فقصة نبي الله ابراهيم عليه السلام .. مع الشيخ الطاعن بالسن ، الذي صادفه وهو يهم بتناول طعاما كان يحتفظ به بصرة .. فطلب الشيخ منه أن يتناول بعض الطعام حيث أنه لم يذقه منذ ثلاثة أيام وهو يسير على قدميه .. فوافق نبي الله ابراهيم عليه السلام بمشاركة الشيخ ، طالبا منه أن يسمي باسم الله .. فرفض الشيخ ذلك مستنكرا ذلك الطلب .. فزجره نبي الله ومنعه من الأكل .. فانصرف الشيخ مخذولا .. فنزل الوحي مبلغا عتاب الله لنبيه .. قائلا : لقد صبرت أنا عليه أكثر من ثمانين عاما .. ألم تستطع أنت أن تصبر عليه دقائق ؟ .. فركض نبي الله وراء الشيخ معتذرا منه .. فسأله الشيخ عن سبب الاعتذار ، فبلغه ، فما كان من الشيخ الا ان قال آمنت برب ابراهيم وسمى باسم الله و أكل ..
أما نحن فان كنا علماء دين أو علماء فكر أو شيوخ عشائر ، فلا نكف عن الغمز بجانب من ليس معنا ! حتى وان كان يمشي على الطريق الذي نمشي عليه .. فكثير من التيارات السياسية التي تعتمد المنهج الديني في أداءها .. لا تكتفي بالمساس بأصحاب الفكر من التيارات التي لا تعتمد الدين كأساس لطريقها السياسي ، بل تتعداه الى تيارات تتشابه معها باعتماد الدين كمنهج .. فمن خلال الاطلاع على تجارب خمسة أحزاب أو جماعات اسلامية .. يظهر للعيان ان كل من تلك الأحزاب له ملاحظات تصل لحد العداء مع الأربعة الأخرى ..
ومن بين تلك الأحزاب ، حزب ينادي بعودة الخلافة منذ أكثر من نصف قرن ، يتسم أعضاءه بالثقافة العالية والقدرة على المحاججة .. ومن يستقرئ تاريخ هذا الحزب ، لن يجد أنه قدم شهيدا واحدا طيلة حياته .. رغم سعة سوح الجهاد في بلاد المسلمين ..
ان تلك الأحزاب التي تتمسح بالحرص على تطبيق الدين .. قد أضافت جوا الى حركات التحرر .. من المناكفة السجالية مما عطل ويعطل من تقدم الحركة الجماهيرية التي تنشد التغيير .. فقد أضيف لتراث الأحزاب والحركات السياسية فلم يعد أحد يتميز عن الأخر في الطعن بجهد الآخرين ..
ان من يتأمل تلك الظاهرة ، لا يكاد يميز بينها وبين الخلافات القبلية التي كانت سائدة قبل الاسلام ! وما زالت في كثير من بقاع الوطن العربي الكبير .. وصدق الله العظيم اذ قال : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين } الحجرات آية 17 ..َ

عندما تتسع جهة الهدف تتباطأ الخطى:::في أرياف بعض البلاد العربية ، تقوم النسوة بصناعة أطباق من قش القمح ، من خلال حبكه مع بعض باستخدام ألوان زاهية ، وعندما يكتمل الطبق الدائري ، تظهر لوحة جميلة كانت تعلق لتزيين جدران الغرف ، أو تستعمل كأحد الأواني المنزلية .. لم تكن المرأة التي تقوم بتلك المهمة على دراية كبيرة بالتقنيات الحديثة أو نظرياتها ..
كل ما هناك أن تضع في مخيلتها شكل الرسمة بعد نهايتها ، ثم تقوم بصبغ القش ، وتحضيره ، ومن ثم تقوم بعمل عقدة متينة متقنة ، يتوقف على متانتها مستقبل عملها .. كان يطلق على تلك العقدة اسم ( بدوة ) أي منها سنبدأ ..
ان أي مشروع سياسي ، أو اقتصادي ، أو قصصي الخ ، يحتاج لقدر من الخيال ويحتاج الى ( بدوة ) متينة .. لن يكون الخيال الذي يفقد متانة البدوة ، محكوم عليه بالنجاح .. فتحديد جهة سفرك أو زيارتك ، يحتم عليك تحضير لتلك الزيارة ، فان كانت زيارتك لمريض ، تستوجب أخذ نسخة من القرآن الكريم أو باقة زهور لتلك الزيارة .. وهي تختلف عندما تذهب لمنطقة صخرية لاقتلاع بعض الأحجار .. فستصحب معك عدة من نخل وفأس .. لا باقة زهور ..
ان من سيقوم باعلان خطاب سياسي ، ووسيلة التغيير فيه من الناس ، المسلمين الذين يعدون أكثر من مليار مسلم ، عليه أن يتدرب أن يكون مقبولا في أوساط أسرته ومن ثم حيه ومن ثم قريته أو مدينته ومن ثم قطره وهكذا ..
فلا يعقل أن تقوم مجموعة ما ، مغمورة وتعتقد أنها مشهورة .. بدعوة في السودان مثلا .. وتنهال عليها الوفود من السنغال وسوريا و إندونيسيا ..لتكون أتباعا مطيعة ومنفذة لما تطلب تلك الجماعة .. فكل قطر به من الجماعات المشابهة ما يكفيه ..
من هنا نقول ، اننا عندما ندعو للتحرك داخل الوسط القومي ، لم نسفه الدعوة للدعوة الاسلامية ، كما اننا لم نستسهل الدعوة القومية نفسها ، لكننا نذكر بأهمية التدرج بتعريف الأشخاص والمجموعات والتدرب على الحياة العامة ..و اننا لم نذكر ذلك ، الا لكون تلك المسألة أسهل للرسم ( كلوحة الطبق في المثال السابق )
ولنفرض جدلا أننا حققنا وحدة إسلامية ، قوامها سكان الكرة الأرضية ال 6 مليار نسمة .. الا نحتاج أسس تعتمد المنطقة واللغة و الجغرافيا لتسهيل إدارة تلك الدولة العملاقة .. ولنا بالتاريخ أمثال كثيرة .. فعندما أوكل الخليفة العباسي ولاية أفريقيا ( تونس الآن ) ل ابراهيم ابن الأغلب .. اقتطع تلك الولاية وحصرها بالوراثة لأبناء ابراهيم الأغلب الذي امتد حكمهم 99 سنة .. كما ان إنشاء الدولة الصفارية واليعفرية كان إجراء ، ابتدعته الإرادة الراهنة ( الحكم ) في وقتها ..
اننا نخشى أن نستفز أخوة لنا في الطرح داخل منتدى ، قد يكون من يقرأ هذا الموضوع عشرة او عشرون شخصا .. فكيف نضمن أن يتفق مليار على فكرة؟

ليس هناك مشكلة في تقديم من يريد على الآخرين :
اذا توفرت النوايا بالتحرك نحو تغيير حال الأمة فلا أظن أن العاقلين سيجدون مشكلة ما في تقديم أي كان عليهم ليقودهم لعبور جسر التغيير .. هذا اذا تساوت فيما بين حلفاء التغيير الرغبة على التغيير ، وقبول من يشاركهم في تلك العملية ، أما فيما لو كانت الرغبة بالتفرد بالتغيير للإستحواذ على السلطة ، بعد نيلها ، فليبشر من أراد التفرد بتكرار أزمات الأمة الى مالا نهاية

ان تلك الحالة جعلت من الادعاء بأن الجماهير تصطف خلف المعارضة مقولة كاذبة .. كما ان إدعاء السلطات بأن أغلبية الشعب معها هي مقولة كاذبة أيضا.

رأس الحكم و الهالة المحيطة به .. من يحرس من ؟لقد تكلمنا عن القوى المسئولة عن تغيير أي نظام حكم ، واقترحنا لها ، مصطلح تسمية و هو ( الإرادة الراهنة ) .. وهي التي تفوض شخصا ما بأن يمارس بعض صلاحيتها و يتكلم باسمها ، وهو فيما بعد يصبح رأس الحكم ..
ان رأس الحكم ، عادة ما يكون أكثر شخص مؤهل في وقت التغيير لتسلم مقاليد الحكم ، و ان كانت الإرادة الراهنة تخطئ في تسمية هذا الرأس ، فانها بالتأكيد ستقع في مأزق قد يكلفها رأس الحكم ، ورؤوسا أخرى معه أقل أهمية منه .. وهذا كان واضحا منذ أيام الحكم الأموي .. وحتى اليوم ..
لكن كيف يختار رأس الحكم أعوانه من الصف الأول و كيف يتعامل معهم ؟ . لا شك أن أحد الخصائص التي جعلت رأس الحكم يحظى بموقعه الجديد ، هو درايته بمراكز القوى الفاعلة في الدولة التي سيرأسها .. سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو دينية .. أو عشائرية واجتماعية ، أو سياسية .. فالأشخاص الذين سيكونون حوله منذ اللحظة الأولى ، كانوا على علم بساعة الصفر من قوى الإرادة الراهنة .. أو أن يكون هؤلاء الأشخاص هم أنفسهم القوى الراهنة .
سيكون على هؤلاء الأشخاص ، مسئولية اختيار من يليهم من صفوف حماية النظام ، ورأسه .. و من هنا تبنى التشكيلات الأولى منذ اللحظة الأولى للتغيير .. و لكن يبقى رأس الحكم ، في وضع غير مطمئن في البداية .. فيسعى الى توطيد قبضته على مقاليد الحكم ، و إثبات قدرته كرأس قوي للحكم ..
ان صياغة العقود بين الشركاء في الحكم الجديد هي أشبه بصيغة تعاقد مهربي المخدرات .. لن يستطيعوا الاحتكام الى القضاء عندما يختلفوا ، لأن عملهم كله خارج القضاء و القانون .. فان أكل أحدهم جزءا من حق الآخر ، على الآخر أن يصمت أو يقتله !
لذا فان الأثمان عادة ما تقبض أولا بأول بين الشركاء في الحكم .. وهي تتمثل بتعيينات رفيعة لكل من الشركاء ليزيد من عزوته و أنصاره ، لضمان ديمومته في هذا النعيم الجديد .. وهؤلاء يرتبون مسألة اقتسام القطاع الاقتصادي فيما بينهم وبشرف ! .. وهذا الشرف كالذي يلتزم به من يسطو على كنز ، يقتسمه مع شركاءه بشرف !
لكن ، هل يستطيع رأس الحكم أن يستأثر بكل مقاليد الحكم ؟ . الجواب بالتأكيد لا .. ليس لشيء ، فان وضع رأس الحكم كمن يحمل في الصندوق الخلفي لسيارته حملا ثقيلا .. يتمنى أن يجلس الى جانبه في المقعد الأمامي أحد الركاب ليسليه في مسيره ، و يحفظ توازن السيارة !
لكن ، لماذا هذا الولاء الشديد ممن يحيطون برأس الحكم ؟ هل هو خوف منه؟ أم ماذا ؟ .. ان الخوف ليس آت من رأس الحكم كشخص ، بل آت من كون رأس الحكم هو من يمثل الارادة الراهنة التي تمنح لمن يسمح لنفسه بالتفكير بتغيير هذا الواقع الراهن !
إضافة ، الى ان من هم في موقع الهالة لرأس الحكم قد عرفوا وزنهم ، و تفحصوا حدود إمكانياتهم .. و عرفوا أن مصلحتهم تأتي من حماية رأس الحكم الذي يمثل الإرادة الراهنة .. و رأس الحكم من مصلحته أن يحمي تلك الهالة التي حوله التي تجعل بينه وبين الجماهير المحكومة مسافة إضافية تبعد الاحتكاك بهم بصورة مباشرة !!

هل يمكن للحكومات العربية أن تتصالح مع شعوبها ؟؟يكثر الحديث هذه الأيام عن الإصلاح للنظم العربية .. وفضل أمريكا بذلك ! ويصفن الرجل العاقل و المرأة العاقلة طبعا .. ليتأمل ما يجري . ويقطب حاجبيه ويبتسم .. هل أن كل هذا الحراك يدل على إصلاح أو رغبة بالإصلاح ؟ .. وهل فعلا أن أمريكا تود الإصلاح في المنطقة ؟ أو هل هي صالحة أصلا حتى تتمنى لغيرها الإصلاح ؟
لقد وصلنا في المقالات السابقة ، الى أن السلطات العربية ذات الرأس القوي والهالة المستفيدة من الرأس ، هي أشبه بشركات تستثمر شعوبها و أوطانها .. وان كانت كذلك ، فهي شركات على درجة من الثراء .. وان كانت كذلك ، فإنها لا ترغب بإدخال شركاء جدد لها ليقتسموا معها هذا النعيم ..
وهي كما ننظر لها بأنها شركات مؤلفة من شركاء أثرياء .. فانهم ينظرون لمجموعات المعارضة ، وحتى الشعب .. بأنها شركات مفلسة رصيد كل منها صفر .. وان جمعت صفر مع صفر أو مليار صفر مع مثله .. فالنتيجة تكون صفر .. هكذا هو منطق السلطات ( الشركات ) العربية ..
وان كانت تلك الحكومات أبنية متصدعة .. فهل الإصلاح يفيدها ؟ هل ينفع معها تغيير الدهان والأبواب .. أم لا بد من ردمها وتسويتها بالأرض ، ومن ثم إقامة أبنية بطرز حديثة ومواد أكثر ملائمة ؟
أم هي رجل تكالبت عليه الأمراض ، في القلب والدماغ و الأطراف .. والكلى ويشك بوجود السرطان .. وان كل المحاولات الجارية .. ما هي الا إطالة كاذبة لعمر هذا الرجل الآيل للسقوط ..
تبين أن هذا الرجل أكل لحم أبناءه ، فأصيب بالنقرس ، وما عادت ركبه ، تستطيع حمله .. فهل القتل الرحيم هو الحل .. أم الإبقاء على المراهنات في أن يعود هذا الجسم للوقوف كرجل عفي واردة ؟
لقد فهمت أمريكا الفاسدة .. المصير الذي سيؤول اليه مصير هذا الرجل المريض ، فحاولت أن تملي عليه كتابة وصية لأحباءها من أبناءه ..ليرثوا ما كان لديه .. وما كان لديه لم يكن بعيدا عن متناول يد أمريكا .. وان كانت تمن على الكثير أنها تعطي .. لقد كانت تعطي كسرة خبز لتأخذ المحصول كله !
اذن فالرغبة غير موجودة عند هذه الحكومات ( الرجل المريض) في إصلاحات حقيقية .. وان كانت تبث رسائل مفادها أنها والإصلاح على موعد . وعلى الجميع الانتباه فأنصاف أو أرباع الحلول ، ما هي الا الصيغ الجديدة لكتابة وصية الرجل المريض .. كما كتب مسودة نصها محامي نصاب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here