بعد عجزها تنفيذ الاصلاحات تعمد الحكومة العراقية سياسة الهروب إلى الامام

بعد عجزها تنفيذ الاصلاحات تعمد الحكومة العراقية سياسة الهروب إلى الامام

لسنا بحاجة الى مقدمات لشرح اوضاع العراق منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 حتى هذه اللحظة. فالامور تسير من سيء إلى اسوء في جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والإقتصادية والخدمية. لا بد اذن من وضع النقاط على الحروف واعلام شعبنا بالحقائق دون تخديره والضحك عليه. فالسياسات الاستعراضية إلاعلامية التي تمجد هذا الشخص أو ذاك. أو ممارسة سياسة العطاءات والهبات الفردية أمام الاعلام لن تغني عن الحق شيئا. ان معالجة الأمراض العضال التي يعاني منها الشعب كثيرة وكبيرة. الهروب من معالجة الملفات التي سأم الشعب العراقي من تاخيرها أو المتجارة فيها أمام الراي العام العراقي والعالمي لا تلغيها بل تفاقمها. نعم تحاول الحكومة الهروب إلى الامام لربح الوقت بانتظار الانتخابات المبكرة. علما بأن عودة الصراعات الحزبية والطائفية إلى سابق عهدها واضحة المعالم في الساحة العراقية. فالمليشيات الطائفية تفرض هيمنتها على مفاصل الدولة والحكومة.
لعل اهم الملفات التي انطلقت من اجلها انتفاضة تشرين ورفعت شعار مصيري ينادي (نريد وطن) تراوح مكانها. ان اهم المعطيات لقيام وتكوين الوطن الذي يريده المنتفضون هو الحفاظ على هويته واسعاد اهله وبناء صرحه. لكن الحقيقة التي يراها المواطن لا تبشر بخير رغم التفائل الحذر اثر وصول رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. فالهوية الوطنية لا تزال مفقودة إذ لا يزال الدستور الطائفي سيء الصيت مرجع دستوري للبلاد من خلال المحاصصة وإدارة البلاد. ان مراكز القوى الفاعلة بالداخل والخارج مصممة على ابقاء البلد بلا هوية. لقد توافقت قوى الشر والظلام الخارجي الأمريكي الاسرائيلي الايراني على هذا المطلب بالتعاون الوثيق مع قوى الداخل المتمثلة في القادة الاكراد الشفونيين والطائفيين الشعوبيين في بغداد. لقد تعمد اذناب الاحتلال ليكون العراق بلدا ذليلا تابعا لايران. لقد ساهموا أيضا بصورة حثيثة لتمزيق نسيجه الاجتماعي من خلال تعزيز الخيار الاديولوجي الديني الطائفي المتعصب الذي أنتج الحرب الاهلية والتطهير الطائفي الذي اهلك الحرث والنسل.
بعد ذلك بدأ التدمير المنهجي لمؤسسات الدولة الصناعية والزراعية والعمرانية فتراجع البلد الى عصر ما قبل الحداثة. فقد كان العراق يعتمد على نفسه في تلبية حاجياته الزراعية والحيوانية. خصوصا في فترة الحصار الظالم على الشعب العراقي في فترة تسعينات القرن الماضي حتى مطلع هذا القرن. لكن التخريب الممنهج والمتعمد بعد عام 2003 لخدمة دولة الولي الفقيه حول العراق الى بلد يعتمد على الجار الشرقي في سد حاجياته التجارية من كل اغلب انواع المنتجات الزراعية والحيوانية والصناعية والطبية. تحولت الطبقة الحاكمة في العراق الى مدافعين مبتذلين لخدمة مصالح ايران على حساب بلدهم الذي يهيمنون عليه. تمكنت ايران من فك عزلتها وازمتها الإقتصادية على حساب تدمير المنتج المحلي العراقي. اما الصناعة فقد بيعت المصانع العسكرية والمدنية كخردة وبثمن بخس إليها. عملت من جهة اخرى كل من أمريكا واسرائيل وإيران من تصفية الكوادر العلمية والعلماء المتخصصين كي لا تقوم للعراق قائمة.
منذ الغزو الأمريكي المسلح تم تخريب البنى التحتية للبلد واهملت بصورة متعمدة قيام وبناء العشوائيات وانتشار الفوضى الاعمارية داخل المدن. شوهت الكثير من اثار بغداد. فشارع الرشيد حولته الحكومة باصرار إلى مكان للنفايات لأسباب طائفية تتعلق باسمه. باتت الكثير من الأسماء الشخصية كابو بكر وعمر وعائشة محرمة على العراقيين لنفس الأسباب الطائفية الاستئصالية. الكثير من القصور التي لا يقطنها اذناب الاحتلال هدمت كي لا يستفيد منها المكون الاخر (اهل السنة والجماعة). هذا المكون العراقي الاصيل بات غريبا في وطنه في ظل تخاذل واستسلام قادته من الإخوان والعشائر والمتحزبين وبات هؤلاء السياسيين السنة يدافعون عن مصالح أمريكا وإيران اكثر من الطائفيين الشيعة انفسهم.
بالمحصلة النهائية فإن الحكومة تراوح في مكانها واضاعة البوصلة ولا تعلم حتى اولوياتها. انها لا تستطيع دمج المليشيات مع القوات ولا تستطيع بالتأكيد حلها. انها ايضا عاجزة عن حل الأحزاب الدينية الطائفية أو القومية المتعصبة. انها لا تستطيع مس دستور بريمر الممزق للوطن أو تغيير معادلات المحاصصة الطائفية العرقية التي أنتجت مافيات الرئاسات الثلاث الجمهورية والوزراء والنواب. لا يزال الحل الربط بيد أمريكا من جهة وإيران من الجهة الأخرى. مع مرور الوقت بعد اكثر من 17 سنة ونصف لا يزال الشعب العراقي مهمش يعيش بضنك وضيق وفقر. لم تغير انتفاضة تشرين الكثير من اوضاع العراقيين لان تيار سياسي واحد فرض هيمنته عليها. لا تزال الحكومة تتخوف من الولوج في خضم الاصلاحات الكبرى ولا تهمها سوى الدعايات الاعلامية ورضى أمريكا مرة وإيران أخرى. لا يدري احد ما المخرج ومتى الفرح فلا يزال شعبنا يتجرع الامرين بين واقع مزري لا أفق له وبين طبقة سياسية ظالمة لا تعير شعبها أي اهمية وعاجزة عن فعل أي شئ.
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here