عقدة الزعامة والرئاسة عند العرب؟!

علاء كرم الله

حقيقة لا أعرف من الذي قال ( أعطني أمارة حتى على كومة من حجارة)! ، ولكن كم كان مصيبا وصادقا في قولته، التي جّسد فيها حب الذات والزعامة والرئاسة والسيطرة والقيادة لدى الكثير من الناس! ، ومن الطبيعي أن تلك الزعامة والسيطرة لا تخلوا من زرع الخوف والرعب لدى الأخرين! ، وتلك هي أحد مكونات الشخصية الأنسانية بشكل عام! ، ولكن هذه الشخصية تظهر بكل نوازعها المريضة وجبروتها وعنفوانها وقسوتها في الشخصية العربية تحديدا!، وتلك أصبحت سمة لغالبية القادة العرب على مر تاريخهم القديم والحديث!. وأذا كانت شعوب العالم قد تخلصت من هذه النزعة والعقدة الأنسانية ، عن طريق التربية والتعليم وتثقيف الفرد أسريا ومجتمعيا ومن خلال سني الدراسة ، فنحن العرب فشلنا في ذلك فشلا ذريعا بل والى حد كبير! ، والأسوء من ذلك هو أن الفرد العربي أصبح وعاء لأنتقال أمراض قادته وزعمائه أليه حتى بعد رحيلهم من حيث يدري ولا يدري! ، لأن ( الناس على دين ملوكهم وقادتهم وزعاماتهم)! كما يقال . فعلى سبيل المثال هناك الكثير من العراقيين لا زالوا مهوسين بشخصية رئيس النظام السابق! ، وبطريقة كلامه ووقفته ونظرته وحتى في قسوته! ، والحقيقة هو أننا لازلنا مرضى وأسيري تلك الجينات الجاهلية اللعينة المعجونة في دمائنا العربية والتي توارثناها أب عن جد وجيل بعد جيل! والتي تحب السيطرة والزعامة والقوة والأستبداد والقسوة!. والملفت للآنتباه أننا نرى تلك النزعة وحب الذات والزعامة والسيطرة حتى عند الأطفال ! ، فطالما نرى أن هناك بين الأطفال من يريد أن يتزعمهم ويقودهم ويفرض نفسه عليهم! ، والكل تسمع وتطيع بدون أعتراض ونقاش ، فينساقون لآوامره ويسمعون كلامه أكثر من سماع كلام أبائهم وأمهاتهم في البيت؟!. وهنا لا بد من أن أذكر ((بأني عشت هذا الأحساس والشعور والأنقياد عندما كنت صغيرا! فكان (ثامر) أبن منطقتنا وجيراننا والذي كان يكبرنا بسنة أو سنتين هو رئيسنا وقائدنا في المحلة! ، حتى أن أمهاتنا كن يطلبن منه أن يقول لنا كذا وكذا! ، وعند ذلك سيكون السمع والطاعة لأننا جميعا كأطفال كنا ننظر الى (ثامر) كنصف أله!، فكل الألعاب هو من يقرر وقتها وموسمها! ، أن كان الدعبل او الجعاب أو المصرع أو الطوبة وما الى ذلك ، ويا ويله من يخالف ( ثامر) وكم سيكون ذلك اليوم حزينا على أحدنا أذا قرر (ثامر) ان يبطله من اللعب!!.)) . وكذلك نرى نزعة السيطرة والقيادة والروح الأنانية عند الرياضيين أيضا ! ، ولربما يتذكر الكثير من العراقيين المشادة الكلامية القوية التي حدثت بين لاعبي المنتخب الوطني ( يونس محمود ونور صبري) في أحد البطولات الكروية عام 2008 على (شارة الكابتن)!! . ومن المؤسف حقا أن موضوع الزعامات والرئاسة أنسحب حتى على بعض الزعامات الدينية لقادة الأحزاب والتيارات الدينية والسياسية!. وكذلك تتجلى روح الزعامة وحب السيطرة ووجاهة المنصب مهما كان بسيطا وتافها في دوائرنا التي يغطيها تراب الكسل والفساد ، حيث تحاك المكائد والدسائس بين الموظفين ويصل النفاق بينهم الى ذروته وبلا أدنى درجة من الكرامة والخجل من أجل الظفر بمسؤولية شعبة! بائسة في وزارة أو دائرة ، لا يوجد فيها أي عمل ولا أي أنتاج!، والتي أجتاحها تسونامي الفساد الذي يعصف بكل دوائر ووزارات الدولة منذ الأحتلال الأمريكي البغيض في 2003 ولحد الآن ، وغالبية موظفيها يقضون دوامهم بالقيل والقال والثرثرة الفارغة والنفاق !. وبعد أن استبشرنا خيرا بخروج العراق وتحرره من سطوة النظام السابق وزرعنا الأمال والأحلام الكبيرة والعريضة بقادة العراق الجدد ، بأنهم سيضعون العراق على سكة الحرية والديمقراطية الحقيقية وسينعم المواطن برغيد العيش ، ألا أن فرحتنا لم تدم طويلا! ، فسرعان ما تحرك فايروس! حب الزعامة والتسلط والتمسك بالسلطة وعدم التنازل عنها مهما كلف الأمر! ، لدى غالبية قادتنا وزعمائنا السياسيين! (نقصد هنا المحاصصة السياسية)! ، رغم أن غالبيتهم عاشوا لسنوات طويلة في اوربا وتشربوا بالكثير من العادات والتقاليد هناك ، وعاشوا وشاهدوا الكثير من التجارب الديمقراطية والأنتخابات الحقيقية والصادقة في تلك البلدان ، ولكن الجينات العربية المريضة والمصابة بحب الجاه والسلطة ، النائمة بين أضلعهم وعقولهم سرعان ما أستيقظت وبقوة لتفرض نفسها على واقع الحياة السياسية في العراق من حيث حب السلطة والتملك وأزاحة المنافس بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة! ، وكما قال الرشيد لأبنه (انه الملك يا ولدي لو نازعتني عليه لفقأت عينيك!) . وفي الحقيقية كنا نريد من قادتنا وزعمائنا الكبار ورؤوساء حكوماتنا من بعد سقوط النظام السابق ، أن يتخلصوا بصدق وثقة ومن دواخل أنفسهم من مرض وعقدة حب الزعامة والرئاسة ، وأن يكونوا أقوياء لا تغريهم حلاوة المنصب وكرسي الحكم والرئاسة !. كما أن القائد السياسي والوطني والصادق يستطيع أن يخدم وطنه وشعبه من أي موقع وظيفي كان ، وليس من خلال رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية فقط!؟. المؤسف أن الكثير من قادتنا السياسيين ، يتكلمون عن الحرية والديمقراطية وما الى ذلك وينتقدون الدكتاتورية والأستبداد ، ولكنهم في واقع الحال وفي الحقيقة ، يعشقون الدكتاتورية ويتمسكون بالسلطة !؟ في تناقض غريب وعجيب!!. ولا أدري متى ستتغلب الثقافة الديمقراطية والشفافية وقبول الآخر، على عقدة الزعامة وشهوة السلطة والأستبداد والرئاسة الموجودة لدى غالبية السياسيين؟! الذين لا يرون أنفسهم ألا من خلال المنصب ليس غير!. أخيرا نقول: هل يستطيع زعمائنا السياسيين وقادتنا بل وكل القادة العرب الشفاء من عقدة حب الزعامة والمنصب التي وصفها المورخ العربي الكبير أبن خلدون بأنها آفة العرب! ، الذي قال ومنذ مئات القرون ، بأن ( آفة العرب الرئاسة)! . نتمنى وندعوا الى ذلك ، والله من وراء القصد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here