أخطر ظاهرة في الحكم و السياسة أنصاف ألمُثقّفين – القسم الثالث

قضية المحاصصة ليس مطلباً للأحزاب و القوى المختلفة و من ورائهم أنصاف المثقفين و المرتزقة فحسب؛ إنما بآلأساس مطلبٌ إستكباري قبل ما يكون مطلبهم لإدامة تسلطهم و تبعيتهم, لذلك تدافع عنها(عن المحاصصة) كل القوى من خارج الحدود لتحقيق منافعها, بوجود حكومة متحاصصة ضعيفة على ساحة الشعب المشتتة, لذلك لا تريد تلك القوى تحقيق الوحدة التي تمنع أياديهم من السرقة, لهذا تفسح المجال للطبقة السياسية و تدافع عنهم لادامة الفساد بسرقة الناس!؟

وحدة الشعوب باختلاف أنواعها ومكوناتها وألوانها و معتقداتها اساس بناء الدول والحضارات والمغزى من وجود الحكومة؛
هي لأجل محو الفوارق الطبقية وتحقيق العدالة و الرفاه للشعب, لهذا تعتبر الوحدة أخطر ظاهرة على مصالح المستكبرين وحكوماتهم العميلة, و ليس العكس كما هو واقع بلاد العالم, و التي ولّدت الفوارق الطبقية بين الناس و الحكومات!؟

فالدولة عبر(الحكومة) التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع شعبها وتكسب حبهم و ودهّم وتحميهم من كل أنواع الظلم والفساد والفقر والفوارق الطبقية والحقوقية وتجعلهم كتلة واحدة وتتعامل معهم بسواسية, أي على قدم المساواة والعدالة الاجتماعية وتحاول تضييق الفجوة والفروقات بينهم؛ هي الدولة العادلة مهما كانت مبادئها و دينها و مدّعياتها وهي الدولة التي ستبقى و إن كانت كافرة بينما الدولة الظالمة لا تبقى و إن كانت مسلمة!؟

ألمهم في المعادلة هو عدم فقدان الثقة بين الشعب و الدولة, بل وعليها ان تزرع في قلوبهم حب الوطن والكرامة والحرية والعدالة واحترام الذات والمقدسات والانسانية والانتماء الوطني كي لا تقف على حافة الهاوية و تكون اقرب الى الانهيار, و هذا ما تعيشه شعوبنا و حتى شعوب العالم, خصوصاً عندما ترى الحاكم و المسؤول يضرب بآلملايين و يسرق بكل وسيلةإلى جانب الفروقات الكبيرة في الحقوق و الإمتيازات, وحكومة كهذه لا قيمة لها مقابل شعبها و ستنهار في أية فرصة ممكنة!

الشعب المخلص هو الذي يقاتل من أجل وطنه ويضحي بكل شيء لبقائه شامخاً ولنا في التاريخ أمثلة كثيرة لشعوب وقفوا وناضلوا حتى النصر ورفعوا وطنهم تاجاً على روؤسهم خاصةً في اوقات الحروب والأزمات والكوارث ومنعوا الانهيار ان يقترب منهم, و صمدو بوجه الخونة الذين باعوا وطنهم للأجانب مقابل بناء بيوتهم و أحزابهم.

فكم من دولةٍ وحضارةٍ كانت ضحية لخيانة أحد أبناءها والمسك بيد اعدائها الذين مسحوها من الوجود مهما بلغت قوتها، واحتلال الصين لثلاث مرات على الرغم من بناء سورها العظيم لخيانة الحراس خير مثال.

إذاً بناء الإنسان على قيّم الإخلاص و حب الوطن والدفاع عنه والوفاء للتاريخ والتضحيات والتمسك بالأرض والمقدسات والعَلَم خير سند لديمومة الدول واستقرارها من الاهتزازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتعددة, و يحتاج هذا لعمل توعوي – فكري مشترك من قبل النخبة المثقفة و فوقهم الفلاسفة, لا انصاف النخبة المثقفة!

– إن الحياة صراع من أجل البقاء, حتى بدون هدف كوني, وما بناء الجيوش والملاجئ العسكرية والأجهزة الأمنية والبنية التحتية الاقتصادية والمجتمع السليم ؛ إلّا أدوات من أجل البقاء و تحقيق المزيد من الاستقرار والازدهار, أما في أوطاننا فهي العكس حتى في هذا؛ حيث مهمة الفصائل المسلحة و الجيوش لقهر الشعب وليس العكس, خصوصاً قتل المفكرين والمثقفين.

الشعوب والدول التي تحمل في نفسها أهدافاً كبيرة وطموحات أكبر تضع برامج ومخططات بمستوى اهدافها، فالدولة التّي لديها افكاراً عالمية وتحلم ببناء الإمبراطورية تكون قادرة على البقاء اطول ومواجهة التحديات الكبرى بصلابة وقوة، أما الدولة التي لا تحمّل أهدافاً كبيرة تبقى رهينة للغير يفعل بها ما يشاء! وفي الحالتين تعتبران دول غير إنسانية و كونية.

لأن الدولة الأنسانية في (الفلسفة الكونية العزيزية) بعكس الدولة التي أشار لها (إبن خلدون) في تأريخه؛ أنها الدولة التي تسعى لنشر الأمن و السلام و العدالة و التواضع, و ليس لا العكس! كما لا يتحدّد هذا الأمر داخل شعبها فقط بل تشمل كل الشعوب, فكم من شعب غيّر أهدافه من اهدافٍ سماوية إلى الرضا بالقليل ولقمة العيش، فكان نصيبه الزوال والنهاية.

الصراع لا يرحم وبين الأقوياء يكون أشد وأشد ويصنّع الكبار والقادة القادرين على التغيير والتغلب ويميزهم عن الصغار الذين لا همّ لهم سوى الاتباع والتقليد الاعمى و يبقى الرأي الخالد بهذا الشأن للعلي الأعلى الذي حدّد زوال الدول بإربع:
ed
بناءً على رأي الإمام علي (عليه السلام)، هناك أربعة أسباب رئيسية لزوال الدول :
. قلة الغفلة :عدم اليقظة والانشغال باللهو والتفرغ للأمور العابرة يؤدي إلى ضعف الدولة
. الظلم : إذا ارتكب الحكام الظلم و أذواقوا رعاياهم، يمكن أن يؤدي ذلك إلى زوال الدولة
الظلم يؤدي إلى الهزيمة : عندما يظلم الحاكم رعيته، يجد أعداؤه فرصة للتمرد والهجوم، مما يؤدي إلى ضعف الدولة.
ألظلم يُدمّر الديار : الظلم يؤدي إلى تدهور الأمور وتراجع الازدهار و تدمير الديار ، مما يؤثر على استقرار الدولة.
إليكم النصائح الأساسية العامة و التي تعكس حكمة الإمام علي (ع) في الحفاظ على الدولة وتجنب الأخطاء التي تؤدي إلى زوالها, و هي بإختصار جملة أسباب تؤدي لذلك أهمّها :

أوّلاً : تضييع الأصول : و هي فقدان حقوق الفرد و المجتمع, و لعله أهمّ عامل من بين كل العوامل.
ثانياً : ألتمسك بآلغرور : و هو الإستبداد و التفرّد بآلسلطة, بسبب أنصاف المثقفين الذين يحسدون المثقفين الحقيقيين.
ثالثاً : ألأستئثار : التكالب على المنصب بكل وسيلة ممكنة و يؤدي إلى الحسد و البغضة و الفقر و الضعف.
رابعاً : سوء الظن ببقاء الدّولة : عدم ثقة أنصاف المثقفين بديمومة الدولة مما يؤدي لزوالها و فقدان النعمة.
خامساً : تقديم الأراذل : حيث يتقدّم أنصاف المثقفين على المثقفين والمفكرين بشكل مقصود بتشجيع الرؤوساء و إنانيتهم .
سادساً : تأخير الأفاضل, ويُمنع المثقف و المفكر الحقيقيّ والفيلسوف من الحكم, لخوف الرئيس والمسؤول خسارة مكانه.
في الختام، يجب أن يكون للدولة قيم و معايير كونيّة لتبقى و تدوم و أهمها تلك التي وردت في النقاط أعلاه, و التي تؤدي
لسياسية و خلق نظام يحقق العدل والاستقرار، و أن يكون للحكام الحذق واليقظة في الإدارة.

اتمنى أن أكون قد وفقت وتمكنت بفضل الله تعالى من إيصال الرسالة الى كل من يعنيه الموضوع ليستفيد منها و ليكون محركاً هادئاً للأفكار والرؤى التي تُخلصنا من الفساد الذي دبّ في كل مرافق الدّولة و في شخصية العراقي و أخلاقه, بحيث بات لا يعرف حتى معنى و فلسفة الحب و قوانين الجمال للأسف .. لنتخلّص منها و نرتقي بمجتمعاتنا نحو الأفضل.

ليبقى وطننا آمناً ومزدهراً ونجماً لامعاً في سماء الدنيا، لأننا أصحاب تاريخ وحضارة عظيمة .
عزيز حميد مجيد

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here