طوق أمني يحاصر البتاوين.. هل أصبحت بقعة الجريمة والعقاب في بغداد؟

مسيجة بطوق أمني، لا أحد يخرج منها ولا يدخل، هكذا يبدو المشهد في البتاوين قلب العاصمة بغداد غير النابض بالحياة، أو “العالم السفلي” للدعارة وصناعة وتجارة المخدرات، والجريمة المنظمة، بعد عملية أمنية وخدمية هي الأوسع منذ سنوات.

عجلات أمنية هنا وهناك، تنقل عشرات المتهمين من داخل أزقتها العتيقة، لما تضم من دهاليز وأماكن خفية، تجاوزت أحدث حصيلة للموقوفين 400 شخص، لكن هذه العملية ما هي إلا غصن أمني رئيسي ستتفرعُ منه عمليات مشابهة لمناطق متفرقة من العاصمة، وفق تقارير استخبارية الهدف منها ملاحقة بؤر الجريمة.

بقعة بغداد العريقة

وتقع منطقة البتاوين وسط بغداد، على بُعد بضعة أمتار من نصب الحرية، بين شارع “أبو نواس” الشهير ونهر دجلة غرباً، وتحدها ساحة التحرير شمالاً، ومنطقة الكرادة جنوباً، وتتمركز في وسطها أشهر دور السينما والفنادق والمحال التجارية والشركات الضخمة بمختلف أنواعها، القائمة على جانبي شارع السعدون الذي يقطعها ممتداً من ساحة الفردوس الى ساحة التحرير، وتتوسطها ساحة النصر التي تمثل أكبر تجمع للاختصاصات الطبية في البلاد.

وكان حي البتاوين يمثل أيقونة التنوع السكاني المتعايش في المجتمع العراقي، فاليهود إلى جانب المسيحيين والمسلمين والكرد شكّلوا ملامحه. لكن سرعان ما أخذ سكانه الأصليون بالهجرة بداية تسعينيات القرن الماضي، حين بدأ الحصار يعصف بالعراق. فتحولت المنطقة إلى سكن للشباب الوافدين من بقية المحافظات بحثاً عن العمل، بعدما لم يتبقّ فيها سوى بعض سكانها الأصليين.

خفايا العملية

بناء على ما تقدم، عزا الخبير الأمني والستراتيجي العميد المتقاعد، عقيل الطائي، السبب الرئيسي لانطلاق عملية البتاوين هو “وصول معلومات استخباراتية للأجهزة الأمنية تفيد بوجود كميات كبيرة من المخدرات سيتم إخراجها من المنطقة خلال الأيام المقبلة، تزامن ذلك مع ورود مقطع فيديو لشاب يقوم بتشخيط نفسه مستخدماً أنبوبة زجاجية ومتعاطي كمية كبيرة من المواد المخدرة”.

وأكد الطائي أنه “على إثر ذلك قررت الأجهزة الأمنية تنفيذ العملية بعد أن أصبح الوضع خارجاً عن السيطرة، خاصة وأن الشاب المتعاطي كان يهدد باقتحام المنازل ونحر كل من يراه”. وأوضح، أن “تنفيذ العملية كان بشكل مفاجئ حتى على القوة الماسكة للأرض، فلم تعلم بوجود عملية أمنية إلا بعد دخول وزير الداخلية إلى المنطقة موجهاً بانطلاق العملية التي تعتبر ملاذاً آمناً لعصابات الخطف وتجار المخدرات والدعارة والاتجار بالأعضاء البشرية، كما تعد مقراً لتجمع المتسولين”.

وأضاف أن “المخالفين من الجنسيات الأجنبية يقصدون هذه المنطقة لعدم وجود أية رقابة عليهم من ناحية البحث عن الإقامة أو الفيزا، وبهذا يكون الفندق والمبيت متاحاً لهم مقابل مبالغ مالية”، مردفاً بالقول: “هذه المنطقة تحتوي على سراديب وأماكن مخفية تُستخدم بعضها كمكاتب للدعارة أو لتجارة الأعضاء البشرية، وبعضها مكاتب وورش لصنع وبيع المواد المخدرة بأنواعها”.

وتعتبر المنطقة – بحسب الطائي – مختلفة عن باقي المناطق بـ”توفر فيها المشروب الكحولي حتى في المناسبات الدينية التي تُغلق فيها محال بيع الخمور، فضلاً عن المخدرات وشقق للسهر وممارسة البغاء، وكل ما هو ممنوع، حتى المتحولين جنسياً لهم مكان في هذه المنطقة، بل هو المكان المفضل لهم للاختفاء والمتاجرة فيه”.

وزاد بالقول: “كما تعتبر هذه المنطقة مكاناً آمناً للأحداث والهاربين من ذويهم من كلا الجنسين، من خلال توفير المال لهم بعد تعليمهم السرقة وترويج المخدرات والتسول”.

ورأى الطائي أن “هناك عناصر أمنية في منطقة البتاوين متعاونة مع أصحاب محال بيع المشروبات الكحولية، وعلى دراية بمن هو مطلوب ومن يتاجر بالمخدرات، وتسمح لهم بالعمل مقابل مبالغ مالية زهيدة”.

عاصمة الجريمة

تعتبر منطقة البتاوين، ملاذاً آمناً لعصابات الخطف وتجارة المخدرات والدعارة والاتجار بالأعضاء البشرية أيضاً، بحسب ضابط رفيع: “تحتوي المنطقة على سراديب وأماكن خفية، هذه الأماكن تستخدم بعضها كمكاتب للدعارة أو لتجارة الأعضاء البشرية، وبعضها مكاتب وورش ومطابخ لصنع وبيع المواد المخدرة بأنواعها”.

وأشار إلى أن “القيادات الأمنية العليا، أمرت بتنفيذ العملية فجر يوم الخميس، بشكل مفاجئ، ولم تخبر القوة الماسكة للأرض بالموعد، وجرى اعتقال أكثر من 435 متهماً توزعت تهمهم بين متعاطي وتجار للمخدرات مخالفين لشروط الإقامة من الجنسيات الأجنبية، وآخرين متهمين بتجارة الأعضاء البشرية والدعارة”.

وبين ، أن “الأجهزة الأمنية ضبطت أيضاً مكاتب وهمية للتهريب إلى خارج العراق، من خلال عمل تأشيرات مزورة للذين يرومون الخروج من البلاد، إضافة إلى مكاتب للتجارة بالعملة المزورة، فضلاً عن شقق بداخلها فتيات قاصرات يُتاجر بهن إجباراً، ومن ترفض تقتل وتعرض أعضاؤها للبيع”.

وأكد المصدر، أن “العملية مستمرة لأيام عدة، وتوجيهات صدرت مؤخراً، بنصب كاميرات حرارية في المنطقة وبعد انتهاء الحملة الأمنية، سيتم إدخال الجهد الخدمي لإعادة الحياة إلى المنطقة”. الخبير في الشأن الأمني اللواء المتقاعد، عماد علو، ذهب إلى أبعد من التأويل، وأشار إلى أن أسباب تحوّل منطقة البتاوين لبؤرة جرائم، تعود لـ”الطبيعة الاجتماعية، وتعدد الجنسيات غير العراقية الموجودة فيها، وصعوبة طرق المواصلات الداخلية وتشعبها وعدم انتظامها، فكل ذلك يهيئ لبيئة اجتماعية تساعد على انتشار الجرائم”.

وحذّر علو، من احتمالية عودة البؤر الإجرامية إلى منطقة البتاوين بعد انتهاء العملية الأمنية الجارية فيها “في حال لم يتم نشر سيطرات وجهد أمني شرطوي فيها لمراقبة انتشار هذه البؤر، ومن يدخل ويخرج منها، ومتابعة البيئة الاجتماعية لمنعها أن تعود مرة أخرى لتكون بيئة حاضنة للجريمة”.

وتابع: “كذلك اتخاذ إجراءات لتنظيم السير في داخل هذه المنطقة الستراتيجية التي ينشط فيها حراك تجاري بمختلف أنواع السلع التي تستثمر في داخل العاصمة، وهذا يعد عامل جذب أيضاً لانتشار العصابات فيها”.

خدمات إلى البتاوين

من جهته، أوضح مدير عام دائرة العلاقات والإعلام في أمانة بغداد، محمد الربيعي، أن “حملة البتاوين الخدمية يشارك فيها أكثر من 100 آلية ساندة ما عدا جهد بلدية الرصافة، وبإسناد 8 دوائر بلدية، وبمشاركة 500 عامل لكل وجبة عمل صباحاً ومساءً”.

وأوضح الربيعي، أن حملة البتاوين ليومي الخميس والجمعة في أقسام (النظافة، الطرق، الزراعة، المجاري، الماء)، لتحويلها بشكل اخر، يكون ملائماً لموقعها وتاريخها.

بدوره، أكد رئيس كتلة ائتلاف دولة القانون في مجلس محافظة بغداد، د.علي الازيرجاوي، أن “هذه المنطقة تقع مسؤوليتها على عاتق أمانة بغداد، لكن نحن كمجلس محافظة بغداد نتابع عمل الأمانة وسنجري خلال الأيام المقبلة جولة تفقدية لها للاطمئنان على سير العمل لتكون هذه المنطقة بأبهى صورة”.

وأضاف الأزيرجاوي، أن “منطقة البتاوين تعتبر مركز العاصمة، وأول من تقع عليها عين الزائر إلى بغداد، لذلك في وقت ندعم القوات الأمنية لبسط الأمن في هذه المنطقة الحيوية، لا بد من توفير خدمات مكثفة لها”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here