قائد القطيع

حمزة الحسن

لكي تروض جماعة، إخلق لهم عقيدة حارة ،
إربطهم بأهداف علنية مغرية وبراقة، وأخرى سرية لا يعرفون عنها شيئاً لأن القطيع يرى الأمام .
إخلق لهم أسطورة ملهمة، Yزرع فيهم فكرة النخبة المختارة الناجية،
روضهم على المشي والصمت والكلام،
ثم إختر لهم عدواً أو أعداءً:
عندما لا تتحقق أهدافهم في الارض، سيجدون المكافأة في السماء. اخرج بهم الى البرية بين وقت وآخر، لكي ترعب عدوك ،
مع الوقت سيخلع التابع ذاته، ويذوب في المريد.
أخطر ما ينساه قائد القطيع ان هناك “شريحة ” من البشر في كل زمان ومكان تبيع وتشتري وتخلع صاحبها كخاتم في أوقات الشدة وتلبسه كنعل في أوقات الهدوء والتاريخ البعيد والقريب زاخر بالامثلة من دون تعميم قطعاً:
أمثال هؤلاء من استدعوا الامام الحسين الى كربلاء ومن انقلبوا عليه، وهم من خرجوا مرحبين بغزو الكويت، ثم ثاروا على صدام بعد الهزيمة،
وهم حرس صدام حسين الاجلاف الذين خلعوا بدلاتهم العسكرية
وهربوا بالسراوبل الداخلية عبر جسر الجمهورية،
عند دخول الجيش الامريكي القصر الجمهوري،
وهم من سحل الملك والوصي ورئيس الوزراء، واليوم يتباكون عليهم،
وهم من بصقوا بوجه الزعيم النبيل عبد الكريم قاسم بعد الإعدام علناً على شاشة التلفاز وأقاموا له التماثيل اليوم،
وهم من حاربوا ولعنوا صدام حسين،
وصاروا يترحمون عليه لان قطيعة معرفية مع الماضي لم تحدث، والعقل نفسه الذي أنتج الكوارث، والقطيعة لا تعني الانفصال بل التصفية والتنقية من الشوائب حفاظاً على العناصر الحية في التاريخ من الخلط والتأويلات.
العقل المنتج للكوارث ينتج غيرها في دورات مكررة.
ينسى قائد القطيع أن الاتباع قد لا تربطهم به عقيدة ،
بل مصلحة أو بحث عن هوية فردية في جماعة،
وقد يكون بينهم بلا ضمائر أو مرضى ساديين، يجدون في الجماعة والسلاح فرصة لاثبات ذات محقرة،
ونحن نعطي هوية سياسية أو دينية لكل معاق عقلياً أو مشوه نفسياً،
وهؤلاء ليسوا أكثر من ممثلين في مسرح مفتوح.
ما لا يعرفه قائد القطيع إن الذئاب المدجنة تأكل صاحبها لو جاعت،
وعليه أن يعلف بهم دائماً نوعين من العلف:
واحد في الأرض وآخر وعد آخروي في السماء.
هذا لا يكفي بل عليه ان يذكرهم في كل مناسبة وبلا مناسبة،
في أنهم مذنبون بجرائم التاريخ لان أجدادهم تخلفوا عن نصرة الحق
في ساحة وغى في صيف قائظ:
ليس هناك أفضل طريقة لقيادة جماعة من جعلهم يشعرون بالاثم،
لأن الآثم يريد الغفران لا الحرية ولا العدالة، يريدون الموت وليس الحياة.
الآثم سهل الانقياد من المريد الملهم،
لكن ما لا يعرفه قائد القطيع ان الآثم كائن مشوه ومجمع شخصيات في جسد واحد يتنقل بينها بسلاسة بلا شعور،
كائن متشظي نصفه غاطس في ذوات حفرت فيه على مدى سنوات،
وهو في الشكل ليس في المضمون وفي الكلام عكس ما يفكر، وما يقوله ليس هو ما يحلم به.
كل الاحزاب في اليسار واليمين قادت قطعانا في الماضي والحاضر
القديمة والاحزاب الجديدة وكلها تقوم على مبدأ: التلقين.
من يلقن باسم ايديولوجيا ومن يلقن باسم يوتوبيا
لذلك فشلت في انتاج ثقافة او في نخبة مثقفة بالمعنى المعرفي.
وانتجت ببغاوات مغردة دون فحص ولا شك ولا سؤال.
على قائد القطيع أن يتذكر ان الانسان طبقات وليس سطحاً، قاع عميق ولغز يستعصي على نفسه وعلى العلماء، جبل جليد غاطس لا تظهر منه غير القمة.
وعليه أن يفهم أخيراً ، اذا كان يريد أن يفهم، قبل أن تصدمه الأحداث يوماً، أن القطيع الذي لا يعرف هويته الفردية الانسانية ويعيش بهوية مزورة،
لا يمكن أن يكسب معركة لا في حرب ولا في سياسة،
بل يصنع هزيمة مدوية كما حدث في كل التاريخ.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here