الكرامة أهم من القانون وأهم من الحقيقة

حمزة الحسن

ــــ أمنحوهم حرية فكرية طالما أنهم مجردون من القدرة على التفكير.
*جورج أورويل
ما جدوى المطالبة بحرية التعبير بعقل مشلول وعاطل وعاجز عن التفكير؟ ما معنى أن يُطالب الأخرس بالغناء في حفل عام؟ كيف يمكن لطائر أن يحلق بجناح مقصوص؟
كيف يمكن لشجرة أن تثمر بلا جذور؟ وكيف يمكن لماكنة طحين أو معصرة فواكه أن تُنتج شيئاً وهي فارغة؟
يمكن الحصول على حرية التعبير لكن المشكلة الأهم هي ماذا سنقول؟
عندما لا تجد الضحية حلاً أو مخرجاً للخروج من المأزق، تلجأ للاجترار وهو سلوك تكراري دائري لاعادة انتاج المشكلة في لف ودوران كفأر محاصر في قفص زجاجي، لذلك مسخ فؤاد التكرلي شخصية عبد الستار في رواية” اللاسؤال واللاجواب” الى ما يشبه الفأر في صرخاته لأن الفأر أكثر إحساساً بالحصار . تعلّم القمع أسهل من تعلم الحرية لأن القمع قواعد جاهزة وقوانين اكراه، في حين الحرية خيارات ومسؤولية ومغامرة فكرية ومراجعة ومنظومة تفكير حية متجددة.
عند الفشل تبدأ محاولة جديدة في تكرار لا ينتهي ونتيجته الاكتئاب ومع الوقت يتحول الاجترار الى لذة ومتعة وقد يؤدي لو طال الزمن الى لذة مازوخية وتعذيب الذات أو اختراع ضحايا للتنفيس في أقذ ر تعويض خاطئ إنتقائي ومدمر للذات لكن ليس الفرد وحده معرضاً للاجترار فقد تكون أمة في حالة اجترار وظاهرة المنفى تعطي الدليل الأوضح على كيفية تجذر ثقافة العنف والعجز في الضحايا حتى لو عاشوا في ثقافة ونظام وتقاليد وقوانين مختلفة تماماً وغالباً ما يعجز الضحايا عن فهم كيف انتقلت منظومات القمع معهم الى واقع جديد لغياب القدرة على التفكير مع وجود حرية التفكير التي لا تستعمل، وليس كل تعبير نتاج تفكير كما يتوهم الضحايا، ومن تجارب المنفى يمكن الوصول الى حقائق صادمة في أن ذهنية القمع كالوباء لا يتمركز في مكان بل قدرة الانتقال مع ضحاياه الى الأمكنة الجديدة لأنه جزء من النسيج العضوي، ويحملونه دون وعي كعقرب في الجيب، إلا شريحة تستطيع وضع الذات على شاشة جديدة ومحاكمتها بانفتاح وجرأة.
تجارب المنفيين في الغرب تستحق التأمل وكانت موضوعا مفضلاً لأدوارد سعيد وتودوروف وغيرهما لأننا في المنفى نكتشف الوطن وفي الوطن نكتشف المنفى بتعبير عبد الرحمن منيف، عبر نماذج تعكس وضعيات عامة رغم طابعها الفردي لأنها خلاصة حياة وواقع وثقافة تم جرها الى واقع مختلف أكثر عدالة ووضوحاً وشفافية ونقلت صفات المكان القديم وعلاقاته الى المكان الجديد دون أن تكون في وطن ولم تتجذر في منفى حسب الدكتور الناقد عبد الله إبراهيم ، وعالقة بين الاثنين، وأنتجت هذه الوضعية المختلة شخوصاً وهويات مختلفة يتساوى عندها فعل القول والبول دون أن تعني شيئاً في الحالتين.
لو كنت قد سافرت الى أوروبا الشرقية في أوائل التسعينات بعد انهيار الاشتراكية، وارتطمت في مصادفة سيئة مع بعض هذه النماذج المضطربة، (من دون تعميم وهناك نبلاء كثر) والتقيت بأحدهم في مقهى او محطة قطار أو في أي مكان عمومي آخر، وحدثك عن الاشتراكية والصراع الطبقي وغورباتشوف العميل وكومونة باريس وانتفاضة آل ازيريج، فتأكد أنك ستشلح الليلة وقد تعود الى بلد المنفى باللباس الداخلي والجواريب واذا لم تملك تذكرة العودة، فلا خيار غير اللجوء الى سفارتك وطلب المساعدة وشراء ملابس وتذكرة عودة كما حدث لي في صيف 1996، صيف بودابيست السيئ ، عندما قامت نماذج من هذه النوعية ونوبة بكاء على حال الجماهير، باستئجار غرفة لي بـــ 300 دولار في الشهر في انهيار اقتصادي بعد التحولات العاصفة في حين علمت من مالكة الغرفة في اليوم الأخير مصادفة عند تسليم المفاتيح ان السعر الحقيقي 100 دولار وان صاحبك ، قالت، قام بخرق العلاقة معنا ولعب على الاثنين، فقلت مع نفسي إنه ليس المسؤول بل الملعون كارل ماركس وتروتسكي وحتى قصائد مظفر النواب عن أيام المزبن ولا يمكن الغفران لجيفارا لان حديثي الأخير قبل التشيلح كما صرت أوثق أيامي ، قبل وبعد التشليح الشعري، ولم يبق غير الجواز النرويجي الذي كان هدفاً لغزوات تعادل 11 أيلول الامريكية وهو الوحيد الباقي لي، كان عن حرب العصابات الثورية والتوبامورس والالوية الحمراء الإيطالية وبادر ماينهوف الألمانية وغيرها، قبل أن أبصم على عقد ايجار مزور بالقلم والقدم وقدح القهوة وعلاقة المفاتيح ،فرحاً بلا قراءة على ذمة ريجيس دوبريه في كتابه المقدس: ثورة في الثورة.
وكيف لي أن أعرف وأنا من بيئة ريفية وعشت بين رعاة براري أكثر وضوحاً ونبلاً من أبالسة ماكرين ومراوغين ، وأصدّق كل ما يقال لي وأوقع، بناء على ثقة عمياء، على أية ورقة أو عقد، سواء عقد قران أو قرار اعدامي، ولا أتعلم رغم كل الخيبات.
في كل يوم أجد قائمة جديدة تختلف عن قبلها من فاتورة كهرباء بلا تدقيق واتضح انها لشقق أخرى لأني لا أعرف اللغة المجرية، حتى تراكمت مرة ثلاث فواتير في شهر للكهرباء، من غير فواتير تنظيف العمارة وفواتير صيانة المجمع وغيرها، ويرفض الرفيق الثوري أن أقوم أنا بالذهاب الى المؤسسات المعنية للدفع بل هو، لأنه لا وجود لهذه الفواتير أصلاً في أية مؤسسة، بل لا توجد مؤسسات حقيقية، وربما تكون هذه فواتير مطاعم او تذاكر حافلات أو دفن أو تذاكر قطار أو تصليح سيارة أو تأجير تابوت… والخ.
قلت حسناً لقد خُرّبت الرحلة وعساها بلحية ماركس وبما أنني أحلم برواية، وهو حلم مشروع، فلتكن روايتي الأولى عن تلك التجربة وتجارب أخرى، وكانت رواية: سنوات الحريق الصادرة من بيروت عام 2000 عبارة جعلت شخصية متخيلة في الرواية تعوي ربع قرن من اربع كلمات عدا ونقدا وتحولت الرواية الى كابوس مزمن لكن القضية ليست قصة ايجار واحتيال بل عن انهيار صورة فكيف انتقل هؤلاء من الالتزام الشكلي الى العدمية وخاصة صادفت أمثال هؤلاء في دول أخرى بما يعني انها ظاهرة مع التكرار ان هناك نماذج حافظت على كرامتها وتركت عالم السياسة بنبل؟.
في تلك الرواية التي تتعرض لتاريخ العراق وكيف انتهت النخب اليسارية في المنافي نهايات مختلفة، بين الموت بالحنين أو الحزن أو الخيبة وبين الاعتزال وبين من حافظ على النقاء الأخلاقي في الاقل، وعن توقعات المستقبل لو سقط الطاغية تحت أي ظروف، وعن انقلاب (شريحة) من هؤلاء الى عدمية أخلاقية شنيعة وفقدان تام للقيم والمبادئ السياسية والأخلاقية، وهذه الفئة هي الأخطر والأشرس بسبب متانة الأقنعة وتحول بعضهم الى سماسرة بيوت ونصابين وشرطة بعنوان مترجمين ومهربين.
اذا كنت قد حرمت من رحلة أو فرصة، لكنك يمكن تحويل الفشل الى موضوع أعم وأشمل، ومن غير المعقول أن تُحرم من حق الحياة ومن حق الحكي أو رواية العذاب. ليس هذا عدلاً. كل شيء يمكن أن يتحول الى فن وأدب لو كتب بجمال وصدق.
لذلك أخذت تجربة صيف بودابيست فصلاً واسعاً من فصول، ومع نظرة شاملة على نماذج من مثقفي اليسار الذين سقطوا في عدمية وعبثية بعد انهيار السرديات الكبرى، من خلال تجربة شخصية معهم في السجون وفي ايران ودمشق وأوروبا، وكما هو معروف الرواية فن التفاصيل والمهمل والمخفي وليس فن الشعارات والخطابات السياسية لأن الخطاب السياسي في الرواية كطلقة مسدس في حفل موسيقي بتعبير ستاندال في: صومعة بورما.
مع أنني لم أذكر أسماء رفاق كومونة بودابيست لكن بالصفات كنماذج لتلك الانهيارات، وقد صارت بعد ذلك التاريخ ظاهرة واسعة، لكن هؤلاء صاروا يعرفون أنفسهم من العاهات حتى لو تحدثت عن عدمية بعض فئات اليسار في الارغواي أو تشيلي أو الارجنتين وإيطاليا عندما حلّت العاهات محل الأسماء بل صارت العاهات هي الاسم والعنوان.
أحدى الشخصيات المتخيلة كان مختبئاً 33 سنة في زمن صدام حسين والحرائق في كل مكان وبلد في مهب الريح لم يظهر الا بعد الاحتلال، وهذه الشخصية النمطية سبق للمرحوم علي الوردي أن تعرض لها من خلال مثال الشقي أبو جاسم لير الذي يختفي ويضم رأسه عند سماعه وقوع جريمة لكن ما أن يتأكد له أن المجرم هرب، حتى يخرج للشارع وهو يحمل مسدسين ويصرخ بالناس” وينه، وينه” وهو ما حدث لتلك الشخصية في زمن العدمية بعد نهاية الحكايات الكبرى المفسرة لكل شيء. لكن هذه النماذج بعد الاحتلال كشفت عن ما هو ابعد من المتوقع مما يتطلب رواية أخرى لان الشخصية الروائية تنمو وتكشف عن ابعاد جديدة وظهرت بعض هذه النماذج في رواية علي بدر” الركض وراء الذئاب” واذا كان مسرح روايتنا الرئيس أوروبا، فإن علي بدر، بعدنا بسنوات، تابع مصائر هؤلاء في أفريقيا.
احدى شخصيات روايتنا تحولت الى كابوس من اربع كلمات لكنه اعلن حربا على كل شيء كما سنرى مما يثبت سلامة توقعاتنا القديمة مع اننا لم نتحدث عن تفاصيل كثيرة مقرفة في بودابيست وعن طفلات وصبايا بودابيست المتشردات بعد الانهيار السياسي خرجن للشوارع وكيف جرى استغلالهن وشاهدت بنفسي مرة واحدة مصادفةً الأسلوب السادي الممارس ضد صبية قاصرة من أحد هؤلاء وتركتُ المنزل بعد مشادة معه ولم أتحدث عن ذلك، لكنهم من دعاة حقوق المرأة على الورق. تخيل انك تعرف أحد هؤلاء معرفة مباشرة يكتب عن حقوق النساء وعن الفساد السياسي وعن العدالة والديمقراطية وهو يمارس في حياته الخاصة عكس ذلك.؟.

لا يتعلق الأمر بنا فحسب، بل بأي كاتب يتعرض لظواهر مرضية في الإعلام والادب دون ذكر اسمه وكمثال على ذلك: بعد ساعة من وفاة المرحوم عبد العزيز الحكيم وقبل الدفن وبلا مراعاة لمشاعر العائلة والأصدقاء ولا حرمة الميت ولا حتى احترام النفس، كتب مقالاً بعنوان مقرف” وفاة كلب: في 28 آب 2009″ ولم يسلم منه حتى المرجع السيد السيستاني.
لكنه كالعادة يضرب عرض الحائط بكل ما كتب سواء عن الديمقراطية او الحق في الاختلاف وينسى ما كتب لانه لطش وسطحي وليس عن قناعات راسخة وينساها في الممارسة ويتذكرها في الكتابة يعود ليكتب في مقال في 25 تموز 2023 حرفياً( بالطبع ، وقبل أي شيء آخر، لا يجوز بل و لا يليق بإنسان محترم و مهذب خلوق ومتحضر أن يسب ميتا عاجزا عن الدفاع عن نفسه).
فعلا نشاركه الرأي ولا يجوز لانسان محترم ومؤدب وخلوق أن يفعل ذلك ولو فعل ذلك ماذا يسمى؟ كما لا يجوز للمؤدب والخلوق والمحترم ان يشهر بسمعة نساء المختلفين معه بسبب نص لم يعجبه وعكس ذلك ماذا يسمى؟ الأدلة حاضرة وموثقة.
السيد فائز التميمي في تعليق مهذب بلا أسماء أشار الى الأسلوب المستهجن في الشتم والتحقير، لكنه تلقى رداً منه في 3 نيسان 2010 بعنوان:” الغرابة بين الطرافة والدعابة” وصف التميمي بــــأحد” غلمان الحكيم الحلوين” حرفياً، مع أن أبناء الحكيم الشهداء مشوا للموت بقامات مرفوعة وهم في ريعان الشباب كنجوم مشعة تضيء فوق بساتين البرتقال وليسوا تربية بارات وكهاوي وصالونات ثرثرة ولم يدفنوا رؤوسهم في حكم الطاغية.
في 24 تموز 2007 كتب السيد سيف الله علي مقالاً عنه بالاسم بعنوان” وفاة الكاتب ـــ ذكره بالاسم ـــــ معنوياً” تحاشى، أدباً، أن يقول أخلاقياً، قال فيه حرفياً: (لم يبرح هذا الكاتب المدعو ـــ ذكره بالاسم ــــ يتهجم على كتاب شهد لهم القراء بالوطنيه والأصاله العراقيه وبدفاعهم المستميت ضد الارهاب والطائفيه متهما أياهم بمختلف التهم الجاهزه التي يرددها من يشعر بالدونيه والوضاعه للنيل من تلك الأقلام الشريفة الصادقة المعبرة عن معاناة الشارع العراقي ولكل الأطياف العراقيه .هذا الكاتب المخضرم والذي يدعي الثقافه والفكر وجدناه فارغاً من كل تلك المعاني التي يدعيها وما هو إلا كالطبل الفارغ ليس فيه غير الصوت العالي).
بالطبع استلم السيد سيف الله علي حصته من السب والشتم دون أن ينسى صاحبنا حصتي المقررة كشريك مؤامرة تستهدف الإطاحة به من فوق عرش تخيلي.
في 1حزيران 2006 ظهر له مقال في المساء وعادة في الفجر مع صياح الديك وهو مغرم بحب الواجهة أو المقدمة سواء مقدمة جنازة أو فاتحة أو سباق ماراتون أو مقدمة حفلة طرب لكنه لا يشارك في مأتم أو عزاء، المقال بعنوان” الى صاحب الذوق الرفيع امنحني شيئا من ذوقك الرفيع” يحتج على كاتب بلغة صارت ماركة مسجلة باسمه مع ان الكاتب الاخر لم يكتب عنه بل كتب عن قلة الذوق فقط مقالا بعنوان” لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها” للسيد فالح الماجدي يتحدث فيه عن كاتب بلا تسمية أعلن حرباً قذرة على الجميع بلا أخلاقيات الحوار،وحرفيا كتب الماجدي:(لتصفية حساب وعقدة الشعور بالدونية والتسافل والانحطاط والسقوط والأساليب المريضة) وفي مقال للكاتب محمد الحمداني اعتبر وجود هذا الشخص إساءة للموقع، ولم يسلم السيد الحمداني والماجدي من حصتهما من الشتائم رغم ان الرجلين لم يشيرا الى اسمه وتحدثا عن أسلوب سوقي وظاهرة، وفي أي رد على أي كاتب لا ينسى أن يوزع عليّ حصتي من اللعن( بسبب أربع كلمات وشخابيط في رواية بلا اسم) حتى لو كان المقال يتحدث عن فوائد الجرجير وغزو والفضاء ونهاية الكون وجنون البقر واخبار الطقس واضرار التدخين ــــ لأني أعرف أكثر مما يجب وهو يعرف لذلك يعاني من رهاب خانق ويسارع للدفاع على أي إشارة اقتراب من منطقة العطب ـــــ فصرت هاجساً حتى استقر في النهاية بعد أكثر من عشرة آلاف تهمة تقلصت الى تهمة وحيدة فجة ومملة( نسي التهم السابقة أو لم يستجب له أحد) وأجمل تهمة أنيقة في التاريخ وهي أنني أدفع ثمن طبع رواياتي ــــــ ما الذي تخسره أنت؟ ــــــ مما يؤكد بالدليل القاطع ان هذا الكائن الذي يسطر أسماء كتاب من غوغل للابهار بلا قراءة لا علاقة له بالأدب والثقافة ولا تقاليدها لأن الأغلبية الساحقة من الأدباء العرب 99 بالمئة منهم يدفعون ثمن الطبع وتلك علامة مشرفة في كونهم ليسوا رهينة دار نشر أو مؤسسة وشروطها خاصة لو كانوا في وضع مالي مرفه ولكن كيف يعرف ذلك وهو من خارج الوسط الثقافي والأدبي وليس محسوباً كشاعر أو قاص سوى ما يمنح نفسه صفات بلا معنى ولا انجاز وخواطر مدرسية باهتة متحذلقة؟. من غير المعقول أكثر من ربع قرن بلا ملل وسأم في عالم مضطرب ؟ حتى لو كان عازفا في فرقة موسيقية، يشعر بالضجر، وهل من المعقول كل هذا التوتر والحصر النفسي لا يترك أمراضا عضوية من غير العاهات النفسية؟
قبل الاحتلال بشهور قامت الأجهزة الامريكية بفتح دورات تدريبية اعلامية لحثالات نكرات في بودابيست وتل أبيب وواشنطن للترويج لمشروع الاحتلال ثم تم زجهم فجأة في قنوات التلفزة والصحف وفوجئنا بوجوه لم نعرفها من قبل وهم جميعا يتصفون بالشراسة والكلبية واللغة السوقية لاحراج الخصم ودفعه للاستنكاف والانسحاب بل أحدهم ــــ انتفاض قنبر ــــ بصق في وجه الدكتور والشخصية الوطنية وميض نظمى واعتدى عليه جسدياً في برنامج الاتجاه المعاكس، والآخرون من هذا الصنف لأنهم من خريجي مدرسة واحدة، ويوماً حاول موقع ويكيليكس الكشف عن أسماء 350 فرداً من هؤلاء يتقاضون رواتب شهرية من السي آي إيه للترويج للاحتلال لكنه تلقى تحذيراً من أن ذلك سيقود الى عمليات قتل، فتوقف عن النشر، مؤقتاً، لكننا نعرف هؤلاء من الأفعال.
وكما تم تدريب هؤلاء وفق مثل يقول” عاهرة الحي سيدة جيرانها” لأن الجيران يضطرون لغلق الأبواب من هذه الوقاحة، وتفسر هي الموقف خطأ على أنه انتصار، وتشكيل جيش مرتزقة عراقيين في دول أوروبا الشرقية قبل الغزو ظهر أول مرة في الناصرية بعد الاحتلال، كذلك تم قبل الاحتلال بشهور استدعاء قضاة عراقيين في الخارج ـــــ أعرف أحدهم شخصياً ــــــ الى واشنطن وتدريبهم على كيفية محاكمة رموز النظام وصدام بالذات لو قبض عليه وأهم قاعدة: لا تتعاملوا معه كسياسي، لا نقاش في السياسة، بل بتهم جنائية: تم تطبيق ذلك حرفياً وقد توزع هؤلاء كمستشارين للمحكمة من خلف ستار أو في محكمة التمييز أو لجان التحقيق.
كتب يوماً فوكوياما مؤلف كتاب “نهاية التاريخ والرجل الأخير” الذي اعتذر عن دعم مشروع الاحتلال مقالاً بعنوان : ( تساؤلات ما قبل الانسحاب في 8 حزيران 2007) يناشد الإدارة الامريكية العمل على الاهتمام بمصير” المتعاونين” مع الاحتلال بعد الانسحاب من العراق وعدم تركهم لكي لا تتكرر مشاهد عملاء فيتنام المخجلة وهم يركضون للطائرات والسفن، وحينما كتبت مقالاً معلقاً على مقال فوكوياما فقط، قفز صاحبنا لوحده في مقال على أنهم لا يشبهون وكلاء فيتنام وحرفياً في مقال بعنوان مطمئناً فوكوياما :
( لم نخف من ذئاب رمادية فكيف نخاف من جرابيع ـ 9 حزيران 2010 ) فكيف يخجل هؤلاء من” شعب وسخ لا يستحق الديمقراطية المطاطية بل الصلبة والسياط؟” كما في مقال له حرفياً. شعب يستحق الاذلال والجلاليق والقتل ، والامريكان ليسوا بحاجة لهذه النصيحة بل كل المشروع مصمم على اقتلاع شعب ووطن واحلال آخر، وفضيحة سجن أبو غريب شاهد على ما نقول.
لا نعرف ما هي الذئاب الرمادية التي لم يخف منها وهو دفن رأسه 33 سنة في جحر ولم يظهر إلا بعد الاحتلال وكان كتاب المنافي تحت الأضواء بشجاعة معرضين عوائلهم في العراق للخطر ؟.
الزمان اختلف ووسائل النشر كثيرة والغابة كالمنابر والصحف تتسع للطيور والأسود والقردة والبلابل والأفيال وتجمع المنابر القديس واليساري والعدمي والعنصري والشيوعي والرأسمالي، فلماذا الهلع من حضور كاتب آخر وجنون الهستيريا؟.
الصفحات الثقافية العراقية والعربية مغلقة على هؤلاء لعدم الاهلية والكفاءة ولا تسمح بالتهاتر وتصفية حسابات بتركيب قضايا مفبركة لكنها مفتوحة لنا وليست هناك اليوم مشكلة نشر لروائي او مثقف بل صفحاتنا الشخصية وحدها تكفي. اذا كان حضورنا يسبب مشكلة لأحد يريد أن يثرد وحده مع انه فقد جديته، فبكل بساطة يمكننا الانسحاب لأنه من غير المعقول الكتابة جوار شخص تجاوز كل حدود واعراف وأخلاق الكتابة ونحن في دول دخلت ما بعد الحداثة. بل حتى لو كان جارك في السكن يعربد وانت تعزف فمن الضروري الرحيل من باب الاستنكاف ودعه يفسر كما يشاء فهو لا يعني شيئا قال أم لم يقل، وكما يقول المثل العراقي الحكيم: (ما فائدة أنك تبخِّر في غرفة مغلقة وخلفك واحد يفسّي؟).
كثير من الكتاب الشرفاء فتحوا عيونهم في اللبن ومثل هذه الحيل في تصفية حسابات شخصية باختراع قضايا زائفة للحشد والتحريض لم تعد مستساغة أو مصدقة بل مستهجنة ، وتأخر الوقت طويلا جدا للحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه، لأننا في مواقع سياسية في بلد ينهب ويحترق وهناك مخاطر كبرى في الطريق ولسنا في درابين وحانات حثالات رخيصة، ومن واجب أصحاب المنابر الحذر من هؤلاء لانهم لا يملكون ما يخسرون من سمعة وحتى لو تبنى هذه الترهات بعض الغشم والسذج فلا تقدم ولا تؤخر من مكانة أي كاتب لأن الموقف من الكاتب تحدده نصوصه وهو يموت نهاية التأليف كما في النقد البنيوي والباقي هو النص وحده كما نتعامل مع نصوص بلا أسماء وجدت على شواهد قبور أو كهوف حجرية.
مرة قال لي الروائي والباحث الشاب الموهوب عبد اللطيف الحرز إن هذا الشخص كتب مقالاً طالب بإعدام الحرز وهذا سلوك نازي وارهابي لكنه متسق ومنسجم تماما مع دعوته الى أمريكا باستعمال القسوة مع الشعب العراقي ” شعب لا يريد الديمقراطية ويتحرك بالسوط” كما كتب ، فمن أين يأتي الشعر والقص والادب ؟ من أي أعماق؟
هناك سؤال غريب حقاً من السيد الباحث أحمد الياسري وجهه لصاحبنا مباشرة بوضوح وهو ليس سؤالاً استفهامياً لأن الياسري يعرف الجواب كما نظن والسؤال هو:” هل من الممكن أن توضح لنا علاقتك بالبار الكويتي في بودابيست؟”
للمرة الأولى والأخيرة لم يجب مع انه يقفز كالسنجاب المذعور عادة للرد على أي تلميح واشارة بل كتب مقالاً يقول فيه انه ذاهب في إجازة ثلاثة أيام، لكنه ظهر بعد ذلك فجأة في مقال في 28مايس 2010 بعنوان” ضربة قاضية” يقول فيه إنه غارق بالحمى عدة أيام وهو يسبح في العرق كسمكة ودرجة حرارته وصلت الأربعين، كلامه حرفياً، دون أن ينسى” الأعداء” كما يقول ولا أعرف كيف لمن في هذه الدرجة من الحرارة مشغول بالاعداء وعادة يكون في حالة هذيان ولا حاجة للتذكير انني في طليعة الأعداء ولو كان يحتضر، ويقول” ليس مؤكدا سأعيش” ، وهي دعوة مبطنة للتعاطف ورسائل العافية لاختبار موقف البعض منه ولا حاجة لكل شخص يقع بالحمى وتوجعه مصارينه أن يكتب اعلاناً لأن الوطن كله على حافة الهاوية والناس ليسوا بحاجة لهذه التفاصيل السريرية وقد كررها مرات عدة في مقالات موثقة نذكر بعضها وهي كثيرة:
1:مقال في 28/5/2010بعنوان:(ضربة قاضية) قال انه كتبه تحت الحمى والهذيان ودرجة حرارة 40.
2: مقال بعنوان( الف عفطة وعفطة…الخ ،آيار 2010) يقول انه كتبه تحت تأثير صدمة…الخ.
3: مقال بعنوان( الجمود العام والمزاج الخام) بتاريخ 1/6/2010 يقول انه كتبته تحت تأثير مزاج معتكر ومغلق محبط…الخ.
4 : مقاله عنا بتاريخ 11/4/ 2010 بعنوان: (أنا وعزت الدوري في فيلم هندي الخ العنوان الباهت) يقول انه كتبه تحت تأثير الدهشة والضحك والتهكم والخ.
ولا ندري اذا كان يكتب مقالاته تحت مثل هذه الحالات النفسية والتشنجات الصحية والصدمات، فلماذا بالأحرى لا يراجع مصحاً نفسياً بدل هذه الاخبار الخاصة عن نفسه والاستعراء الذاتي ؟الأهم كيف سيكتب في قضايا حساسة وطنية وكيف ستكون صورة الاخرين في هذه الهلاوس تحت هول هذه الانفعالات الحادة وربما تحت مواد أخرى؟ هذه العينات نماذج فقط من عام 2010 لأن الباقي لا تخرج عن هذا الهذيان الذي لم يكتشف العلم والفلسفة والمنطق وتجارب البشر طريقة لتحليل الهراء لذلك تعمدت تركها كما هي فلا يمكنك تفسير الهراء بالمنطق حسب نيتشة.
في مقال بعنوان( عاجل، عاجل) في المساء عكس العادة في الفجر كما لو ان السماء أطبقت على الأرض من سقوط ورقة خريف في 15 آب 2008، لكن ما هو العاجل الساتر الله؟: ظهر ان العاجل انه كان في حفل للسفارة العراقية في بودابيست عندما طلبت منه موظفة في السفارة الجلوس في المقعد الأمامي احتراماً له لمقالاته كمعجبة به ،كما يقول، ومن الواضح انها إما مغفلة أو داهية تعرف ما لا نعرف، فاختض، لكن هل يقتضي ذلك كل هذا الصخب والعاجل أمام الف عاجل وكارثة واختراع في العالم كل دقيقة؟ هل يجب ان نهرع للكتابة لكل من قال لنا السلام عليكم وتفضل اجلس في عراق محاط بــــ “الذئاب الرمادية؟” أم أن ذلك للفت الأنظار لحدث عادي يمر به الناس عادة؟. السبب واضح: التمركز الذاتي، الانتفاخ المرضي للذات وصورة مضخمة من ذات مزيفة تخبره عكس صورته، وهذا الصنف لا يتوقع احتراماً من أحد لأنه فاقد الاحترام الذاتي وأي بادرة احترام تصيبه بالصدمة وفقدان التوازن، والسبب نفسه في موضوع الحمى والسمكة والاعداء في غرفة الإنعاش قبل أن يظهر لنا في قصة أخرى عن حلم زيارة المسيح له مع كلب.
وعودة الى سؤال السيد الياسري: ما هي علاقة هذا الكائن بلغز البار الكويتي؟ بحيث سقط الرجل في ” ضربة قاضية” من سؤال الياسري لأنه سيد يشور وصار يسبح بالعرق مثل سمكة ويتذكر الأعداء تحت الحمى دون أن يتذكر الشعر والطيور والسماء الزرقاء والنساء المتخيلات وعناوين روايات مستلة من غوغل للابهار بلا قراءة بكل يقين لانها لا تظهر في لغته الانشائية ولا أثر لها إطلاقاً ولا في نضج عقلي أو في الأقل تركت أثراً في اخلاقيات الحوار الثقافي، ويمكن لكل تلميذ اليوم وضع الاف العناوين، ولا الغراميات الأسطورية في قصص لا تنطبق عليها شروط القصة القصيرة، فلا لغة ولا قضية ولا سرد شفاف ولا ذوق لغوي بل عن خروف قوي وخروف ضعيف وعن مسيح زاره مع كلب أسود ــــــ قصة له ـــــ ولا اعرف حاجة المسيح الى كلب لزيارته ولماذا الكلب أسود؟ نحتاج الى علم النفس للتحليل وليس علم النص، بل كيف لشخص مشرف على الموت ولا يتذكر إلا الأعداء وفي الطليعة أنا؟ وكيف ينساهم قبل لطمة الحمى؟ من غير المعقول فاقد الأهلية ولا يعرف ماذا يفعل وبلا صورة ذاتية حقيقية لا عن نفسه ولا عن الآخرين بسبب ” التشوه المعرفي “وعلاماته: عقلية الوصم والانتقائية والتبرير والتفكير السحري وقراءة مخيفة ومقلوبة للناس والاحداث مع فقدان الاحترام الذاتي والانتفاخ المرضي والاقنعة والقفز على النتائج وأفكار عدوانية قطعية متصلبة ولغة التبرير بلا أحاسيس أو مواقف ثابتة بل لعب على الحبال والإنكار الدائم حتى لأخطاء ضُبطت لأن الحفاظ على الواجهة أهم من كل شيء لأنها هي الوجه الحقيقي بعد فقدان الوجه الطبيعي الذي نساه.
عنده عبارة تتكرر كاللازمة بين وقت وآخر يقول فيها مخاطباً الضباب والسراب، غاضباً:(كما قلنا مراراً وتكراراً لكن أحداً لا يصغي) وماذا قال مرارا وتكرارا غير النصح بديمقراطية البساطيل لشعب لا يتحرك بالاحترام بل السياط وهذه الشتائم التي لم يسلم منها الاحياء والموتى؟. الى هذا المستوى من الوعي الهابط الاعتقاد: أن الولايات المتحدة القادمة للعراق في مشروع هيمنة ونهب لا شغل لها إلا الإصغاء لهذا الكائن المنتهي الصلاحية بعد أن قام بدور التنكيل بمثقفين وكتاب شرفاء وأُسرهم وتُرك في الواجهة ثم انتهى الدور، وهو كل الدور، كممسحة مناضد منتهية الصلاحية وهو دور لم تقم نخبة اعلام النظام للحفاظ على السمعة في مطاردة كتاب المعارضة؟.
من يريد المزيد عليه العودة الى” وثيقة التوجهات الاستراتيجية الامريكية” المنشورة في فصلية العملية السري الامريكية للتعامل مع العالم ومنها فصل التعامل مع” نظم غير موالية في حال اسقاطها” وفي الجانب الثقافي منها تقول الوثيقة حرفياً:( يتم التعامل مع المثقفين أصحاب الرؤوس الحارة ـــــ الرافضين ـــــ عن طريق القوة الثالثة ، سي آي إيه ــــ اغتيالات ــــ ثم الانكار النظري المختزل في حال توجيه الاتهام).
أو تشويه السمعة بمعارات محلية شرقية موجعة، كالجنس، يقوم بها وكلاء محليون، والأسلوب الأخير يمشي على السذج والجهلاء في مجتمع بلا ثقافة قانونية تبحث عن دليل وشاهد وفرصة المتهم ومحامي وشهود نفي واثبات ووثيقة ودليل… والخ كما في مثل لسواق العراق القدماء يقول:( السفالة عِلم) أي صناعة فرية وطريقة تسويق والخ. أما الأسلوب الثالث : العزل والاقصاء لو فشل الدمج والاغراء. شاهدنا التطبيقات الثلاثة في العشرين سنة الماضية. هؤلاء تلقوا دروساً ومارسوها.
الشاعر رامبو عندما كان غارقا بالحمى والاحتضار قال لأخته عندما سمع صفارة الباخرة من الميناء المجاور العبارة الأخيرة:” الآن بدأت الرحلة” وأما فرناندو بيسوا قال آخر كلمة:” أعطوني نظارتي” لأن الموت رحلة كرحلة رامبو لأن هؤلاء هم والشعر كيان واحد بلا حقد ولا مشاعر صفراء لأن الشعر والأدب من المستحيل يصدر إلا من قيعان صافية كالينابيع العذراء تلمع تحت ضوء القمر. من يتذكر الأعداء وهو مشرف على الموت، عاش حياته كلها في عداء مع نفسه، بكل يقين، وعاش حياة في جحيم من صنعه وبددها في معارك في الاتجاه الغلط، ومن الواضح لم يتعلم شيئاً لا من الدكتاتورية ولا من الديمقراطية رغم حياة نصف قرن تقريبا في قلب أوروبا وتحولاتها العاصفة وفلاسفتها وكتابها وفنونها وموسيقاها ولو وضعت حصاناً قرب أوبرا “دار مراد علم” في شارع أندراشي في بودابيست أقل من تلك السنوات لتأثر بالموسيقى وربما تعلم الغناء بالتكرار، لكنه حتى لم يتعلم القيم التي يعرفها بدوي في صحراء او بائع عربة جوال وفي المقدمة منها كرامة البشر ولا أخلاقيات استباحة أعراض الناس في الأقل في وسائل اعلام لان الكرامة فوق القانون وأهم من الحقائق والمحاكم في دول كثيرة تحجب حقائق عن وسائل الإعلام لمجرم معترف حفاظاً على كرامته وهو قانون برتراند راسل: الكرامة أهم من القانون وأهم من الحقيقة المطبق في المحاكم البريطانية.
حياة الاخرين ملكهم، الفشل والنجاح، الحب والاخفاق، التجربة والخيبة، السكن والكتابة، الصحة والمرض، الخطأ والصواب، يعيشون على حافة القطب أو في صريفة، وكل التفاصيل الإنسانية ليست من اختصاصك، ولو ركزت على هذه الحقوق الطبيعية، فأنت تخبر الناس بحقيقتك لا حقيقتهم في أنك شخص مريض وعدواني ومزيف بألف قناع وحياتك جحيم رغم الاستعراضات الفجة والتمثيل وتقمص الأدوار وتلعب دور مهرج مفضوح ولو لم يخبرك أحد من باب تحاشي الارتطام بك كي لا تلصق به دهراً جيرة بصوف أو الاستنكاف، خاصة لو كانت علاقتك مع جماعات من الصنف نفسه وتلعب معك على قاعدة: تظاهر أنك مغفل، لكي تصطاد مغفلاً، وكما يفعل أي صاحب دكان مفلس أو تاجر أو مالك بقالية مغلقة، يعيد النظر بأسباب الفشل والانهيار، لكنك بعد كل هذا العمر ضاعت عليك فرصة حياة لن تتكرر في استعراضات لم تكسب منها إلا الصيت السيئ وتحولت الى مثال للدرس والعبرة مثل أية جثة على طاولة تشريح.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here