مبجل اديب بابان وقانون الأحوال الشخصية

هادي عزيز علي

دلفت الصبية مبجل المعترك النضالي في وقت مبكر، فعدما كان عمرها (15) عاما اشتركت في تظاهرة لاسقاط حكومة صالح جبر، إذ اعتلت إحدى الدبابات المتواجدة في موقع التظاهرة مع رفيقتها ثمينة ناجي يوسف، واستمرت مثابرة ونشطة خاصة في المجال النسوي حتى تكلل ذلك النشاط بتأسيس رابطة المرأة العراقية وبجهد مميزتقوده الراحلة الدكتورة نزيهة الدليمي. كان على راس أولويات الرابطة اصدار تشريع وطني لقانون الاحوال الشخصية وفعلا اكتمل المشروع بجهد جماعي للخيرين من العراقيين خاصة النسوة منهم، وربما كانت السيدة مبجل بابان حينئذ الأصغر سنا بين زميلاتها. عرض الأمر على الزعيم عبد الكريم قاسم لوضعه موضوع التشريع فتسلمه بترحاب كبير وصدر القانون برقم 188 لسنة 1959 إذ جاء بمبادي عدة ومهمة لصالح المرأة، نكتفي بإيراد ثلاثة منها لاعتبارات تتعلق بالنشر وهي:
اولا – المساواة في الإرث : تقول الراحلة مبجل في لقاء مسجل ( فيديو) أجرته معها الإعلامية أنسام الجراح بتارخ 30 \ آب \ 2020 بمناسبة تكريمها من قبل البنك المركزي العراقي باعتبارها أول امراة تم تعيينها في البنك المذكور إذ تقول ما مضمونه : ( اقترح علينا الدكتور صفاء الحافظ – الذي كان يشغل رئاسة ديوان التدوين القانوني – عند الشروع في كتابة مشروع القانون حيث قال : ينبغي توحيد الأحكام الإرثية الواردة في القانون المدني مع أحكام الإرث في مشروع القانون، اذ من المعلوم أن حق التصرف الوارد تحت عنوان : ( كسب حق التصرف بالوفاة ) الوارد في المواد من 1187 – 1199 من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 تنص المادة 1194 على : ( يراعى دائما في الانتقال ان يكون للذكر مثل حظ الانثى، أيا كانت الدرجة التي انتقل اليها هذا الحق ) وهذه المادة تنص على المساواة في المسألة الإرثية، وهذ يعني أن مشروع القانون اعتمد المساواة في الإرث استنادا إلى قانون نافذ لم يطعن أحد بشرعيته أو مخالفته لأحكام الشريعة الاسلامية طيلة السنوات التي اعقبت نفاذه وهذه المساواة سارية المفعول إلى يومنا هذا تطبقه المحاكم عند اصدار القسامات النظامية . وهكذا استقرت المساواة في الإرث في القانون الجديد، إلا أن هذا النص الغي بعد انقلاب 8 شباط 1963.
المبدا الثاني – عقد الزواج: عرّف قانون الأحوال الشخصية الزواج بأنه: (عقد بين رجل وامراة تحل له شرعا غايته انشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل) (المادة الثالثة) من القانون. وهذا التعريف يعني ان عقد الزواج من العقود الرضائية والرضا في العقود لا يصح الا لمن أكمل سن الرشد وتكون إرادته غير مشوبة بعيب من عيوب الرضا، وهذا يعني أيضا أن الإكراه على الزواج يعطل أحكام الرضا يجعل منه عقدا باطلا ويشكل جريمة يعاقب عليها القانون. يمكن أيضا ملاحظة الهدف النبيل الذي سعى اليه المشرع من هذا التعريف وهو الحياة المشتركة النازعة نحو تأسيس أسرة على وفق احكام هذا القانون. هذا التعريف ألغى التعريف الذي وضعه الفقه الاسلامي لعقد الزواج والقائل بأن: (عقد الزواج هو عقد استمتاع).
المبدا الثالث – للقانون العلوية على القواعد الأخلاقية والقواعد الفقهية: اذ نص القانون وفي مادته الأولى على: (1– تسري النصوص التشريعية في هذا القانون على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها في وفحواها. 2 – إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مباديء الشريعة الاسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون) (المادة الأولى) من القانون. يلاحظ أن فلسفة المشرع وعند التعامل مع النصوص والموروث الضخم للأحكام الشرعية المتعلقة بالأحوال الشخصية كانت متوازنة ومدركة لحجم العمل الذي تقوم به فهي تمكنه من انتقاء القواعد الفقهية ومن دون التقيد بمذهب معين ليصوغها على شكل قاعدة قانونية تحوز صفة العموم وصفة التجريد مع تمتعها بقوة النفاذ، هذا أولا، أما ثانيا – فان مباديء الشريعة الاسلامية التي لا تنسجم مع احكام هذا القانون لا محل لتطبيقها ما دام النص القانوني حاضرا وهذا يعني أن السيادة للقانون دون سواها من القواعد الأخرى، أما ثالثا فقد اعتمد المشرع (المساواة أمام القانون) وبذلك رفع الحيف والتمييز ضد الفئات المستضعفة والمهمشة.
طوبى لهذا الجهد النبيل وطوبى للمؤسسين بناة الوطن ولروح الراحلة السلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص8
الاحد 26/ 2/ 2023

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here