من القيصرية إلى بوتين.. روسيا والكورد بين القوة الناعمة والورقة السياسة


استعرض “معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى” الأمريكي علاقات موسكو القيصرية والسوفيتية، وما بعدها، مع الكورد، وآثار هذه العلاقة على الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة.

وفي دراسة تحت عنوان “روسيا والكورد: اداة قوة ناعمة للكرملين”، قالت الباحثة آنا بورشيفسكايا، ان موسكو لن تتخلى عن ورقتها الكوردية، معتبرة ان الدافع الاساسي وراء الرعاية الروسية للكورد منذ فترة طويلة هو الرغبة في استخدامهم ضد الخصوم في العاب القوى العظمى الأوسع نطاقاً بينما تصور نفسها كبطل مناصر للقضية الكوردية.

وأشارت إلى أن الدولة الروسية تستخدم القوة الناعمة من كأداة للضغط البراغماتي، في وقت يشعر الكورد، وبرغم انهم ليسوا كتلة واحدة، بالقلق إزاء مسار السياسة الامريكية بأنهم لا يستطيعون الاعتماد على أي جهة.

الكورد في العراق وسوريا

واشارت الدراسة الى ان لدى الدولة الروسية الفرص لتقويض المصالح الامريكية في مناطق مثل العراق وسوريا من خلال صلاتها بالجماعات الكوردية.

وتابعت ان المراقبين عادة لا يفكرون باستخدام روسيا للقوة الناعمة، الا انه سيكون من الخطأ القول ان الدولة تعتمد بشكل حصري على الضغط والترهيب.

واضافت ان روسيا لا تستعمل بالضرورة القوة الناعمة وفقا للتوصيف الغربي المستند على فكرة أن بإمكانك الحصول على ما تريد من خلال الجذب والاساليب القسرية او الدفع بالمال.

وتابعت الدراسة ان روسيا وفقا لمفهومها “الاستبدادي”، بإمكانها ممارسة القوة الناعمة من أجل تحقيق التفوق على بعض اللاعبين، وهو ما يتجلى في علاقات روسيا مع الكورد، حيث تخوض روسيا، بطريقتها الخاصة، معركة ربح قلوب الكورد وعقولهم، وهو ما له تأثيرات على الولايات المتحدة التي يرتبط معها الكورد اما بعلاقات تحالف أو شراكة، وتأثيرات أيضا على العلاقات الامريكية – التركية.

ولفتت إلى أن موسكو تستثمر علاقتها مع الكورد بطريقة من اجل المنافسة مع واشنطن على النفوذ في المنطقة.

واشارت الدراسة الى ان موسكو من خلال علاقاتها التاريخية مع الكورد، بإمكانها الادعاء عن حق، أن الثقافة والسياسات الروسية اجتذبت العديد من الكورد وقادتهم خلال القرنين الماضيين.

وأضافت أن الدولة الروسية تصرفت بدافع “الرغبة الساخرة” بلعب الورقة الكوردية ضد خصومها، وانه ما من دولة في العالم، تصرفت باعتبارها الحاضن للكورد بفترة طويلة كهذه، كروسيا، ولهذا فإن علاقة موسكو بالكورد ستظل مهمة فيما يتعلق بألعاب القوى العظمى في الشرق الاوسط، كما انه برغم الكورد ليسوا كتلة واحدة، وان الهوية الكوردية تطورت، فإن هناك قضايا أساسية برزت مع مرور الوقت.

روسيا القيصرية والكورد

ذكرت الدراسة أن مصير روسيا، خلال نشأتها، تداخل مع القبائل التركية والمنغولية على حدود الدولة، مشيرة الى ارتباطها بالجذور السلافية في السهوب التركية، وإلى أن الدولة حددت هويتها بأنها احدى القوى العظمى، ومهمتها المسيحية، نشر الارثوذكسية.

وتابعت انه من اجل قيام الدولة كان لا بد من الانتصار في حدودها الجنوبية المضطربة، وهو هدف لم تحققه فقط من خلال الغزو والاحتلال، وانما ايضا بتعزيز اعتماد هذه الجماعات القبلية العديدة على الدولة في نطاق حدودها الجنوبية بما في ذلك مع الكورد.

واوضحت انه مع تقدم الامبراطورية الروسية جنوبا، فقد وصلت الى أبواب الإمبراطوريات العثمانية والفارسية والصينية.

ورأت أنه من المرجح، أنه بخلال هذه الفترة، فإن المسؤولين الروس اصبحوا على احتكاك ومهتمين بالقبائل الكوردية، وان هذا الاهتمام لم يكن عسكريا بشكل بحث، وانما ايضا ثقافي.

ونقلت الدراسة عن المؤرخ مايكل رينولدز، قوله ان هذا الاحتكاك ربما يعود تاريخه الى العام 1787 على الاقل عندما سمحت الامبراطورة كاثرين العظيمة بطباعة قواعد اللغة الكوردية.

وبينت أنه كانت هناك مخاوف أمنية ازاء الكورد تماما كالمخاوف إزاء القبائل الأخرى، لكن المسؤولين الروس وصلوا الى فهم امكانية الاستفادة من الكورد في الجهد العسكري، ولهذا فإنه عندما اصطدمت روسيا مع الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية، فإنها لجأت الى تحالفات مؤقتة وشراكات مع القبائل، وان بعض الكورد خدموا ايضا في الجيش الروسي.

وبالاضافة الى ذلك، فإن الباحثين الروس كانوا يرون ان الكورد كأنهم اوروبيون كانت تتصدى لهم القوى الاسلامية، ولهذا فإن الروس تعاملوا معهم بتقدير اعلى مقارنة بالقبائل الاخرى.

والى جانب ذلك، فإن روسيا عندما ضمت مناطق جنوب القوقاز (أرمينيا وجورجيا وأذربيجان)، تحول الكورد الى مواطنين تابعين للدولة الروسية، كما ان المهاجرين الكورد من الإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية، زادوا من اعداد المواطنين الكورد في الدولة الروسية.

ونقلت الدراسة عن المؤرخ جي اوتو بول، قوله إن إحصاء للسكان قامت به روسيا في العام 1897، اظهر ان هناك 100 ألف شخص، عرّفوا عن لغتهم الأم على أنها الكوردية.

وتابعت ان العلاقات مع الكورد تنامت بشكل أعمق من خلال التواصل المتزايد، وان الباحثين رصدوا تأثيرات لغوية وثقافية متبادلة بين العرق السلافي والايرانيين الذين كانت الكوردية من لغاتهم.

وعلى سبيل المثال، لفتت الدراسة الى مصطلحات مثل كلمة الشكر بالكوردية “سباس” قريبة من الكلمة الروسية “سباسيبو”، وان كلمة “ايستيكان” الكوردية التي تشير إلى الكوب الصغير، رديفها بالروسية “ستاكان” التي تشير إلى أي كأس مخصص للشرب.

وبحسب المؤرخ رينولدز، فإن الكورد كانوا يرون روسيا بشكل متزايد على أنها داعمة لقضيتهم.

وذكرت الدراسة ان سان بطرسبورغ (العاصمة وقتها) تحولت الى “مركز العلم الكوردي في العالم”، ولهذا فإن التعاون بين الطرفين، امتد أعمق من مجرد تحالفات عسكرية قصيرة الامد.

حق تقرير المصير

لكن الدراسة اعتبرت أن المسؤولين الروس اتبعوا السياسة الواقعية فيما يتعلق بالكورد، وأنه بينما كان العديد منهم يؤيدون حق تقرير المصير، فإن دوافع الدولة كانت استخدام الكورد لمصلحتها، مثلما حدث في التدخل الروسي في العام 1911 بالثورة الدستورية الايرانية حيث ظهر ان الكورد قوة عسكرية مفيدة لقمع المتمردين.

وتابعت الدراسة أنه في مثال متزامن تقريبا، فإن المسؤولين الروس دعموا الثورة الكوردية ضد السلطات العثمانية في شرق الأناضول في العام 1912.

وأضافت ان الروس كانوا قلقين من أن خصومهم قد يلجأون الى استخدام الاراضي الكوردية كنقطة انطلاق لشن هجمات على الاراضي الخاضعة للسيطرة الروسية في إيران والقوقاز.

وفي الوقت نفسه، كان ملاك الاراضي الكورد، يشعرون بالقلق من لجوء العثمانيين الى مصادرة ممتلكاتهم ومنحها الى الأرمن، وهو ما شكل “دافعا قويا” لتعاون الكورد مع الروس.

واوضحت الدراسة ان السياسة القيصرية في ذلك الوقت كانت معقدة بشكل إضافي بسبب حقيقة أن بتروغراد (اسم سان بطرسبرغ في ذلك الوقت)، لم تكن تدعم الكورد فقط، وانما ايضا الارمن الذين كانوا يحاربون الدولة العثمانية المتداعية في ذلك الوقت، بينما كان الكورد يقاتلون الطرفين.

وبحسب المؤرخ شين ماكيكن، فإن بتروغراد كانت وقتها تتطلع للسيطرة على القسطنطينية التي كانت بمثابة “روما الثانية” في احلام المسيحيين الارثوذكس، وعلى المضائق البحرية، وهو امر لو كان تحقق، كان من شأنه أن يمنح روسيا موقعا عالميا وموطئ قدم استراتيجي.

ورأت الدراسة ان الخلاصة من ذلك هو ان حكام روسيا كانوا يفضلون المصالح الوطنية وكانوا لا يتورعون عن تشجيع الصراعات الاثنية الداخلية اذا كانت تلائم مصالحهم، ثم يلقون بأي احد تحت عجلات الحافلة عندما تتعرض مصالحهم للتهديد فيما يتعلق بطموحاتهم.

السوفيتية وما بعدها

ذكرت الدراسة أنه بعد الثورة البلشفية، استمر الاتحاد السوفيتي بالعمل مع الكورد بحسب المصالح الخاصة، واستغلت موسكو مسائل الهوية العرقية باستخدام حركات التحرر من اجل الترويج للتمرد واضعاف الغرب وحلفائه، خصوصا ايران والعراق وتركيا، مثلما جرى مثلا مع جمهورية غيلان الاشتراكية في إيران، ومع جمهورية كردستان الحمراء التي أقامها السوفيت في أذربيجان والتي استمرت من العام 1923 الى العام 1929، ثم جمهورية كوردستانسكي التي استمرا عاما واحدا فقط.

وأشارت الدراسة إلى أن من بين الكورد الذين كانوا في الاتحاد السوفيتي، فإن كثيرين انضموا الى الجيش الأحمر، وكثيرون حصلوا على ميداليات تقدير.

وتابعت أن الكرملين دعم تعزيز الكورد في ارمينيا واذربيجان خلال سنوات العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي.

واضافت ان ستالين قام في العام 1937 بإبعاد عدد من الكورد من أذربيجان، ثم ابعد عددا أكبر في العام 1944 من جورجيا الى كازاخستان وآسيا الوسطى، ليستوطنوا المناطق الجديدة.

لكن الدراسة تشير الى ان الكورد لم يهربوا من حملة القمع الستالينية المعروفة باسم “الرعب العظيم”.

وتابعت الدراسة ان الكورد ظلوا عنصرا مهما بالنسبة الى الكرملين، ففي كانون الثاني/ يناير 1946، اعلنت مجموعة من الشخصيات الكوردية المؤيدة للسوفيت قيام “جمهورية مهاباد”، في شمال ايران.

وبينت انه بالرغم من ان البعض يطرح تساؤلات حول مدى انخراط ستالين بقيام هذه الجمهورية، إلا أنه ما من شك في أنها كانت تشكل “دولة وكيلة مفيدة” للسوفيت.

ولفتت إلى أنه برغم السقوط السريع لهذه الجمهورية، إلا أن الشخصيات القومية الكوردية ظلت مأسورة بفكرة دولتهم الخاصة، من بينهم الملا مصطفى بارزاني الذي أسس الحزب الديمقراطي الكوردستاني في العام 1946.

وذكرت الدراسة انه بعد سقوط الجمهورية، فإن بارزاني ورفاقه لجأوا الى الاتحاد السوفيتي، وبقي بارزاني اكثر من عقد هناك، قبل عودته الى العراق حيث قاد ثورة ضد الحكومة المركزية.

وتابعت الدراسة ان خطط “تنشيط” الكورد في العراق وإيران وتركيا، كانت قوية في التفكير السوفيتي.

واشارت الى ان وثائق ومذكرات رفعت عنها السرية لضباط في جهاز المخابرات “كي جي بي” ولمسؤولين سوفيت، مثل يفغيني بريماكوف، تظهر ذلك بوضوح.

وتصف وثائق المخابرات السوفيتية كيف ان الكرملين استغل الكورد وخصوصا بارزاني لاشعال ثورة ضد الحكومة العراقية في العام 1961، في ذروة الحرب الباردة.

أرشيف ميتروخين

وتشير وثائق ما يعرف باسم “ارشيف ميتروخين” الشهيرة الدرجة التي استغل فيها “كي جي بي” بارزاني الذي يرمز إليه بالرمز “آر ايه اي اس” والورقة الكوردية من أجل زعزعة المصالح الغربية.

واضافت الدراسة انه تحت ستار الثورة، نفذ بارزاني عملية تابعة لـ”كي جي بي”، مشيرة إلى انه قبل صعود صدام حسين المؤيد للسوفيت، فإن الاتحاد السوفيتي دعم الحكم الذاتي للكورد في العراق في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.

ولفتت إلى أنه في العام 1963، اتهمت موسكو الحكومة العراقية بارتكاب ابادة بحق الكورد، ثم دعت موسكو لاحقا الى الوساطة بين بغداد والكورد التي قادت الى اتفاقية الحكم الذاتي في العام 1970.

وفي الوقت نفسه، أشارت الدراسة إلى أنه في اطار الاتحاد السوفيتي، فإن المعاناة الكوردية استقطبت الدعم من جانب بعض المعارضين للشيوعية، موضحة ان الانتلجنسيا الاوكرانية وجدت رابطا مع النضال الكوردي من اجل تقرير المصير.

وعلى سبيل المثال، فإن الشاعر الأوكراني الشاب فاسيلي سيمونينكو، الف قصيدة في العام 1963 باسم “الى الاخ الكوردي”.

حزب البعث والاتحاد السوفيتي وأمريكا

ولفتت الدراسة إلى أنه بعد استيلاء حزب البعث على الحكم في العراق، فإن الـ”كي جي بي” لم تعد بحاجة الى بارزاني، ولهذا فإن العائلة سعت الى الشراكة مع الولايات المتحدة وحلفائها، لكن السوفيت ظلوا يستخدمون الورقة الكوردية، وفي أواخر سبعينيات القرن الماضي، أسس عبد الله أوجلان حزب العمال الكوردستاني التركي والذي بدأ باستخدام قواعده في السنوات اللاحقة، بما في ذلك في سهل البقاع اللبناني، لشن هجمات على تركيا.

واعتنق هذا الحزب الأفكار الماركسية اللينينية ومبدأ العنف حتى ضد الكورد، من اجل العمل على اقامة الدولة الكوردية.

وكانت سوريا في ذلك الوقت الدولة الوكيلة الاساسية للاتحاد السوفيتي في العالم العربي، لكن مقاتلي اوجلان كانوا يتدربون في سوريا الى جانب الفصائل الفلسطينية الماركسية، ووضع حزب العمال الكوردستاني نفسه تحت رعاية الرئيس السوري وقتها حافظ الأسد، لكنه أيضا كان يدور في الفلك السوفيتي، وذلك في الاطار الاوسع لصراع الحرب الباردة.

وبالنسبة الى موسكو، فإن العلاقات الوثيقة مع الكورد الذين يثيرون الاضطرابات، وفرت ميزة تفوق على تركيا، التي تعتبر حليفا اطلسيا مهما.

ولفتت الدراسة إلى أن بريماكوف، اشار في احد المرات الى انه اقنع صدام حسين بالسماح لحزب العمال الكوردستاني باستخدام الأراضي العراقية.

وخلال ثمانينيات القرن الماضي، بحسب “أرشيف ميتروخين”، فإن موسكو استمرت في تقديم بعض الدعم للكورد، حتى بعد ان قامت القوات العراقية بسحقهم باستخدام الاسلحة السوفيتية.

سقوط الاتحاد السوفيتي

وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، فإن حزب العمال الكوردستاني ابقى على مكتب تمثيلي له في موسكو، لكن دعم الكرملين كان يتراجع بهدوء بعدما خرج الشرق الاوسط من أولويات روسيا.

ووفقا لبرقيات تعود الى العام 1994، فإن موسكو تقبلت حزب العمال الكوردستاني، لكنها لم لم تدعمه، وبعدها بوقت قصير، اشتعلت القضية الكوردية بين موسكو وانقرة في اطار الحرب الاولى في الشيشان، واستخدمت موسكو الورقة الكوردية من اجل اقناع انقرة للاقتراب أكثر من الموقف الروسي وان تتجنب دعم الشيشان.

وفي العام 1995 و1996، سافرت شخصيات مرتبطة بحزب العمال الكوردستاني لمقابلة مسؤولين روس.

وتابعت الدراسة أن التوترات تزايدت بعدما خطط الكرملين لعقد مؤتمر دولي للبحث في مشكلات الكورد في روسيا الاتحادية الذين تقدر السلطات الروسية عددهم بمليون نسمة، بالاضافة الى قضية الكورد في تركيا.

القرية الكوردية

وتابعت الدراسة ان الموقف أصبح أكثر تدهورا بعدما فكرت موسكو باحتمال السماح باقامة برلمان كوردي في المنفى يكون مقره في العاصمة الروسية.

واشترى المنفيون الكورد ارض في منطقة ياروسلافل اوبلاست لاقامة مخيم للشباب، وصار الكورد يسمونها “القرية الكوردية”، واعتبر البعض أن منظمي المخيم من المتعاطفين مع حزب العمال الكوردستاني.

وتظهر هذه الاحداث كيف ان موسكو ظلت تولي الكورد الاهمية حتى برغم انها فترة فريدة في تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت موسكو تنسحب جزئيا من الشرق الأوسط.

واضافت ان الاكثر اهمية انه مع أواخر التسعينيات، فإن السياسة الروسية اتخذت توجها اكثر عدائية ضد الغرب، وانه من هذا النظام، ظهر فلاديمير بوتين.

اتفاقية 1996

واضافت الدراسة أن انقرة وموسكو قامتا في نهاية المطاف بتسوية خلافاتهما من خلال اتفاقية في بداية العام 1996، وأن الجانب الأكثر أهمية هو ان انقرة تتعهد بألا تقدم اي دعم للانفصاليين الشيشان، في مقابل ألا تسمح موسكو بأي نشاطات كوردية معادية لتركيا على الاراضي الروسية.

وبعد هذه الاتفاقية، صعدت موسكو من دورها في الشيشان، بينما نفذت تركيا هجوما كبيرا على شمال العراق ضد الكورد، لافتة الى ان ذلك يظهر اهمية الورقة الكوردية بالنسبة الى موسكو في وجه انقرة.

وتابعت انه مع دخول بوتين الى المشهد السياسي، لم يكن لتركيا ميزة التفوق بدورها الشيشاني كالذي كانت تتمتع به في التسعينيات، كما ان موسكو لم تجمد فعليا مع حزب العمال الكوردستاني و القادة الكورد الآخرين ونشاطاتهم.

وفي العام 1998، منح البرلمان الروسي اوجلان لجوءا قصيرا في موسكو بعدما تم طرده من سوريا.

واشارت الدراسة الى انه في ظل الضغط، طلبت موسكو من اوجلان المغادرة، لكن حقيقة أن زعيم حزب العمال الكوردستاني وجد ملاذا في موسكو، يظهر كيفية استثمار الروس للقوة الناعمة فيما يتعلق بالكورد.

بوتين والكورد

ذكرت الدراسة ان موسكو، بخلاف ما فعلته واشنطن، لم تدرج حزب العمال الكوردستاني كمنظمة ارهابية، وان هناك جالية كوردية كبيرة في روسيا مع تولي بوتين الحكم.

وبحسب صحيفة “موسكو تايمز”، فإنه في بداية العام 1999، كان هناك مليون كوردي يقيمون في جمهوريات دول الاتحاد السوفيتي السابق، وهناك نحو 200 الف كوردي في موسكو، وان مجتمعات كوردية لا تعيش فقط في المدن القريبة من موسكو، وإنما لها وجود أيضا في مناطق مثل نوفوسيبريك وكامشتكا.

وبحسب موقع حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني، فإنه مع بداية العام 2000، كان للحزب تمثيلاً في روسيا، وكان ينشر صحيفة ناطقة بالروسية باسم “كوردستان الجديدة”.

ولفتت الدراسة الى انه لا يعرف الكثير عن الأفكار الاولى لبوتين حول الكورد، لكن الرئيس الروسي قاد روسيا للعودة الى الشرق الاوسط، كما ان العلاقات الروسية مع الجماعات الكوردية استمرت.

وتابعت انه مع تطور الأحداث، فإن فائدة الكورد تزايدت مرة اخرى في تفكير الكرملين، مضيفة ان بوتين كان بمقدوره الاستفادة من العلاقات القائمة تاريخيا منذ فترة طويلة مع الكورد والتي تلائم تحول روسيا الى قوة عظمى على حساب الغرب.

وقد عمد بوتين منذ ما بعد العام 2000 الى التركيز على بناء علاقات مع كل اللاعبين الأساسيين في الشرق الاوسط، لكن هناك معلومات قليلة عما فعله بهذا الصدد فيما يتعلق بالكورد تحديدا خلال هذه الفترة.

لكن مع تولي بوتين ولاية رئاسية ثانية، فإن تركيزه اصبح اكثر وضوحا ونشاطا فيما يتعلق بالعراق وسوريا وتركيا، والان، هناك مكتب لحكومة اقليم كوردستان نشط في روسيا، ويقيم روابط مع الكورد في المهجر.

ولفتت الدراسة الى ان الكورد، وخصوصا الجيل الاكبر، ما يزال يحتفظ بذكريات جميلة عن روسيا والروس.

روسيا وكورد العراق

وذكرت الدراسة أنه كنتيحة لغزو العراق عام 2003، والذي عارضه الكرملين بحدة، فإن روسيا خسرت علاقتها الطويلة في البلد، وبعد الحرب، سعت روسيا لتكون من أوائل الدول التي تفتح قنصلية في اربيل وركزت على استعادة العقود التي خسرتها ولم تنفذ في العراق، وحققت بعض النجاح باستعادة بعض النفوذ.

وبحلول العام 2009، فإن شركتي “لوك اويل” و”غازبروم” حصلتا على عدد من العقود الضخمة، ووقعت “غازبروم” اتفاقيتين مع اربيل.

وفي العام التالي، قام الزعيم الكوردي مسعود بارزاني بزيارة الى موسكو لتقوية العلاقات، وهي الزيارة الاولى من نوعها، ومع نهاية الزيارة، وقعت “غازبروم” اتفاقية ضخمة اخرى في مجال الطاقة.

واعتبرت الدراسة ان بوتين كان بإمكانه ان يلعب مع الطرفين، مدركا ان رغبة بغداد بالسلاح الروسي، ستتغلب على هواجسها فيما يتعلق بسلوك موسكو إزاء اقليم كوردستان.

نوهت الدراسة الى ان شركة “روسنفت” اقرضت الكورد نحو 3.5 مليار دولار كجزء من العقود الموقعة لتطوير خمسة حقول والاستثمار في البنى التحتية للغاز والنفط، وبذلك فإن الكرملين، انقذ حكومة اقليم كوردستان في لحظة حساسة، واصبح الكورد مدينون بذلك لروسيا.

استفتاء كوردستان

وذكرّت الدراسة بتصريح لبوتين في كانون الأول/ ديسمبر 2016، ردا على سؤال حول حق تقرير المصير، حيث لخص الرئيس الروسي موقفه قائلا ان لروسيا علاقات خاصة مع الشعب الكوردي، وتحدث عن المصير الصعب للكورد ودورهم الفعال في محاربة الإرهابيين في سوريا.

وفيما يتعلق بالسيادة والاستقلال، قال بوتين “إننا نتصرف وفق إطار القانون الدولي، وفي نهاية المطاف، فإن حقوق الشعب الكوردي سيتم الحصول عليها، ولكن بأي شكل ذلك وكيف، يعتمد على شعبي العراق وكوردستان أنفسهم”، مضيفا “نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية”.

لفتت الدراسة إلى انه عندما أجرى اقليم كوردستان استفتاء الاستقلال في العام 2017، فإنه تقريبا كل لاعب دولي وإقليمي وقف رسميا ضد نتائج الاستفتاء، لكن روسيا كانت الدولة الوحيدة التي اتخذت موقفا محايدا أكثر.

وتابعت أن موسكو، باستنادها على فكرة “القانون الدولي” أتاحت لنفسها رداء الحيادية، والتموضع في مكان لا يلحق الاذى بعلاقتها مع حكومة اقليم كوردستان.

وبينما وجد الإقليم نفسه في موقف ضعيف بعد الاستفتاء، وبحاجة الى داعم، فإن الكرملين استغل اللحظة من اجل الدفع نحو علاقات أعمق في مجال الطاقة، واصبحت “روسنفت” تتمتع بالعقود الاكبر مع اقليم كوردستان وصناعة تصدير نفطها، وتعهدت ببناء خط أنابيب الى تركيا، وهي مشاريع تشير الى أهداف استراتيجية روسية بعيدة المدى.

واضافت ان الاهداف الروسية تتعدى العراق، الى المنطقة الاوسع، فهذا الانبوب لن يعزز فقط الموقف التفاوضي لحكومة اقليم كوردستان فقط مع بغداد، وانما يتيح لروسيا ان تقحم نفسها في العلاقات في مجال الطاقة مع انقرة ايضا.

وتابعت ان ذلك يشكل مثالا آخر على كيفية تحرك روسيا في البيئة الدولية لكسب ميزة من خلال الجماعات الكوردية، سواء من خلال الاستفادة من خيبة الكورد إزاء الولايات المتحدة، ومن خلال وضع روسيا في موقع البديل في هذه الأوقات الحساسة.

الخلاصة

وخلصت الدراسة الى القول انه سواء كان ذلك جيدا او سيئا، فإن روسيا كانت الراعي الأكثر استمرارية للقضية الكوردية، لكن نواياها لم تكن خيرة.

ومن المستبعد ان تنخرط روسيا في قيادة جهود مشابهة لعمليات الاغاثة والحماية التي نفذت بقيادة الولايات المتحدة في شمال العراق لحماية الكورد الهاربين من منازلهم بعد حرب الخليج الاولى بين عامي 1991 و1996.

ولفتت الدراسة الى ان الكورد حتى يومنا هذا يقدرون هذه العمليات التي ساهمت في تطوير ونمو اقليم كوردستان.

وبرغم ان القادة الكورد قد يتحدثون اكثر من غيرهم بشكل جيد عن غزو العام 2003، الا ان ذلك يجب ألا يجلب وحده الارتياح لصناع السياسة في الغرب.

وتابعت ان المشكلة الاكبر هي ان الكورد لا يمكنهم الاعتماد على أحد، بما في ذلك الولايات المتحدة، وهم محقون في اشارتهم الى لحظات في التاريخ تخلت فيها الولايات المتحدة عنهم أمام المذبحة، أو ببساطة تجاهلتهم او انكرتهم.

ولفتت إلى أن بإمكان الولايات المتحدة ان تستقطب الكورد اكثر الى مدارها، ويمكنها ايضا ان تسيء التعامل مع حلفائها الأفضل في الحرب ضد داعش.

وتابعت الدراسة أنه هناك سبب لماذا شاعت عبارة “لا يوجد اصدقاء للكورد سوى الجبال” بين الكورد، مبينة ان العلاقة المستمرة مع موسكو توفر للزعماء الكورد الخيارات وفي بعض الاحيان، وتضيف الى الاسباب من اجل القيام بإصلاحات تشتد الحاجة إليها.

ويتحتم على القادة الغربيين أن يحسنوا معاييرهم فيما يتعلق بالمقاربات إزاء القضية الكوردية، بهدف تقليص النفوذ الروسي، خصوصا ان العديد من الكورد في العراق وسوريا، ما يزالون يفضلون استمرار العمل مع الولايات المتحدة.

أما الكرملين، فإنه من جهته، يظل مركزا على الجيوسياسة، ولهذا فإنه لا يعتزم التخلي قريبا عن الورقة الكوردية.

وتتابع الدراسة أنه عندما يتطلب الأمر، فإن موسكو ستستخدمها لعرقلة المصالح الأمريكية، سواء من خلال سياسة الانابيب في العراق، او جهود التطبيع مع نظام الرئيس الاسد في سوريا، او تقديم بديل للقادة الكورد.

واضافت ان الردود الكوردية على الغزو الروسي لأوكرانيا، تظهر ما هو على المحك بالنسبة الى الولايات المتحدة، مشيرة الى ان رئيس الاقليم نيجيرفان بارزاني كان حذرا في التعبير عن الأمل بأن يصل النزاع الحالي الى نهاية سلمية.

واعتبرت أن الكرملين بإمكانه استخدام نفوذه على الكورد من اجل ان يظهر انه ليس معزولا على المستوى العالمي.

وختمت الدراسة بالقول ان الدولة الروسية تعتمد على أدوات للنفوذ من خلال عدة مسارح، وليس على القوة وحدها، وأن القوة الناعمة كدولة استبدادية، تحددها، وتركز على الميزة البراغماتية بدلا من الاستقطاب الصادق، وهو ما يعني أن الاطار الجيوسياسي لروسيا، سيظل قائما، وان عاتق موسكو مع الكورد ستبقى جزءا مهما في هذا “البازل” الأوسع.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here